المنطقة العازلة بسورية خيار سياسي تنفصه خطة عسكرية محكمة

المنطقة العازلة بسورية خيار سياسي تنفصه خطة عسكرية محكمة

رأى مركز الدراسات الأميركية والعربية في تحليله الأسبوعي أن إحياء الجدل حول جدوى الغزو العسكري الخارجي لسورية لا يعني بالضرورة بأن وقود الغزو سيكون جيش أجنبي، فالقوى المحلية والمتطرفة التي يستمر تجنيدها بأعداد كبيرة من كافة الدول التي تهيمن عليها الولايات المتحدة جارية على قدم وساق.
تعد التجربة الليبية الفرضية المركزية في محور دعاة حظر الطيران رغم الفوارق بين الحالتين والتي لا يمكن مقاربتها، ليس لنوعية حجم التسليح والتدريب والاستعداد فحسب، بل لطبيعة الاصطفافات الدولية، وعدم استطاعة دول حلف الناتو تجاوز دول البريكس ودول أخرى داعمة لسوريا الدولة والمؤسسات والوطن.
التجربة الليبية وفرت شبه إجماع دولي لإنشائها وتطبيقها واستخدمت ايطاليا بحكم قربها الجغرافي من ليبيا كمنصة انطلاق للعمليات الحربية جوا وبحرا، وحافظت المقاتلات على جدولة إعادة التزود بالوقود وأعمال الصيانة المكثفة المتوفرة في عدد من القواعد العسكرية القريبة.
فيما القوات والأساطيل البحرية رابطت قرب المياه الليبية الإقليمية وداخلها أحيانا، دون الخشية من وصول الدفاعات الليبية إليها. فالأسطول البحري الأميركي رابط على بعد يوم كامل من قاعدة الناتو الضخمة في نابولي، مما يعني ضمان استمرار وصول الإمداد المطلوبة.
في الحالة السورية العاملين لا يتوفرا فتسهيلات القواعد الأميركية في تركيا تصغر عن نظيراتها المتطورة في نابولي، وتباين الشبكة اللوجستية التركية عن نظيراتها المتطورة في أوروبا. فقطع الأسطول الأميركي تبعد مسافة أيام عن موانئها مما يتطلب إدخال تعديل على الجدول الزمني وما يخلفه من تداعيات وتعقيدات. ويضاف إليها تخفيضات بحجم ونوعية قطع الأسطول الأميركي بعد نهاية الحرب الباردةولا يجوز إغفال إصرار روسيا على تواجد قطعها البحرية في وبالقرب من الشواطئ السورية، وما تشكله من رادع لقوى العدوان.
يتسلح مروجو حظر الطيران بحقيقة اعتقادهم للدور المركزي لبطاريات صواريخ الباتريوت المركزة في تركيا للدفاع عن المناطق الحساسة وذات الكثافة السكانية من أن يستخدم السوريون سلاح صواريخ سكود. بل تعزز تفاؤل المعارضة السورية بالباتريوت للتعويل عليها لإنشاء ملاذات آمنة داخل الأراضي السورية. ومن ابرز المروجين لصواريخ الباتريوت وزير الخارجية جون كيري، والسيناتور جون ماكين والجنرال النرويجي المكلف ببعثة الامم المتحدة العسكرية لسورية روبرت مود.
تم تركيز 6 بطاريات باتريوت في تركية تشرف عليها ألمانيا وهولندا وأميركا ووضعوا قيودا صارمة على استخدام تلك الصواريخ تستثني استخدامها لأغراض إنشاء منطقة حظر جوي في الوقت الحالي.
البطاريتين اللتين تشرف عليهما هولندا في منطقة بعيدة عن الحدود السورية وأبعد من مجال تحليق الصواريخ. أما الطاقم الألماني لا يتسنى له الوصول إلا إلى جزء ضئيل من الأراضي السورية بعد الإطلاق، يضاف لكل تلك التعقيدات طلب تفويض برلمانات البلدين لقواتهما العسكرية المضي في إنشاء منطقة حظر جوي، وموافقة كافة الدول الأعضاء في الناتو على تنفيذ تلك المهمة.
البطاريتين الخاضعتين لإشراف أميركي في مدينة غازي عنتاب كل ما يتبقى من الترسانة الدفاعية بالتعويل على قدرتها إنشاء مظلة حظر جوي فعالة قرب حلب. وبالنظر الى القدرات المحدودة في تصميم بطاريات وصواريخ باتريوت، تنشأ الريبة من فعاليتها في انشاء منطقة حظر جوي.
فصواريخ باتريوت من طراز PAC-3 مصممة كجزء مكون من نظام الدفاع في ميدان الصواريخ الباليستية، وكلفة كل صاروخ منها تفوق كلفة الاسلحة الاخرى المضادة للطيران التي يقصر مداها عن الباتريوت. فاستخدام صواريخ الباتريوت، للتصدي للمقاتلات السورية يحول دون استخدامها لاغراض التصدي لوابل من صواريخ سكود السورية.
أحد الخيارات الاخرى المتاحة هو تزويد المعارضة المسلحة بانظمة دفاع جوي فردية مزودة بقذائف ارض – جو محمولة على الكتف، والتي تخشى الولايات المتحدة وقوعها في ايدي القوى الاكثر تطرفا وعنفا بين المعارضة.
ويرى المركز أن ليس بوسع احد تقديم اجابة دقيقة لمسألة ان كان بوسع منطقة حظر الطيران دعم المسلحين السوريين، لطبيعة تشكيلاتهم المتعددة والميليشيات المستقلة والجيش الحر. فالميليشيات المستقلة قد تستخدم في عمليات للسيطرة على مناطق محددة، لكنها لا تشكل مكونا من الهيكلية القيادية، وما تلقته من تدريب وأسلحة لا يتجاوز الحدود الدنيا المطلوبة.
اما "الجيش الحر" فطبيعته تستند إلى خفة التسليح، واثبت مرارا عجزه عن شن عمليات في المدن كبيرة الحجم في مواجهة الجيش العربي السوري.
وبحسب التحليل فمصدر القلق الغربي من الترسانة السورية لا يقتصر على سلاحها الجوي او صواريخ سكود فحسب، بل نوعية سلاح المدفعية والاسلحة الثقيلة التقليدية. والتي لا ينفع المسلحين انشاء منطقة حظر الطيران إلا ان شهدنا تدخلا فاعلا من سلاح الجو التابع لحلف الناتو، كما سبق في الحالة الليبية. واشد ما يخشاه اعضاء الناتو الصدام مع مظلة الدفاعات الجوية الكثيفة بحكم موقعها كدولة مواجهة في الحرب مع "الكيان الاسرائيلي،" مما يحرم سلاح طيران الناتو حرية الحركة فوق الاجواء السورية ويفقده القدرة على تحمل الخسائر..
وكما هو الامر في الحلول السياسية المتعددة، فان التلويح بانشاء منطقة حظر للطيران يندرج تحت خانة الرغبات السياسية كحل سريع وليس كحل ناتج عن خطة عسكرية محكمة.(س.خ)

» سقوط «المنطقة العازلة» في القنيطرة
» ما هي المنطقة العازلة في سوريا.. وما هي شروطها؟
» صمود سورية يدفع واشنطن وحلفاءها للبحث عن خيار سياسي بديل..؟
» ناصر قنديل : تركيا و المنطقة العازلة
» 3- اسقاط المنطقة العازلة - ناصر قنديل