سوريا تنتصر على استراتيجية (الجيكسو)، وتفكّك شيفرة الآلام المستعصية

سوريا تنتصر على استراتيجية (الجيكسو)، وتفكّك شيفرة الآلام المستعصية
الاحد , 17 اذار 2013 - 03:26 الناشر : بانوراما الشرق الاوسط
د. مضر بركات

صباح الخير يا وطني…

الـ(جيكسو) كلمة إنكليزية تعني (المنشار المتعرّج) التي يسميها النجارون في بلادنا (الخرّاقة) ويستخدمونها لتقطيع ألواح الخشب بخطوط متعرجة تسمح بتكوين أشكال عديدة.. وتستخدم هذه الكلمة الانكليزية كاسم لطريقة هامة في إدارة مشاريع التعليم أو غيرها من المشاريع ذات المكونات المتعددة النوعية، والوحدات غير المتجانسة أو المتعددة الصبغة والمهام.. وقد تبنّى هذا النهج الدكتور (إليوت أورونسون) في جامعة تكساس في القرن الماضي، وابتكر على أساسه نهجاً يعتبر أحد أنجح أنماط إدارة عملية التعليم التعاوني، وكان الهدف من هذه الطريقة القضاء على التمييز العنصري من خلال المشاريع التعليمية..

وبالطبع، كما أن لكل اختراع أهداف سامية، فإن له (بوابة خلفية) أو وجه معاكس وأهداف مناقضة، فكما يمكن استخدام هذا النهج أو الطريقة للتحكم بالجماعات بطريقة لا تترك لهم خياراً سوى العمل على تحقيق الحد الأعلى من التجانس والتوافق والتعاون لتحقيق الهدف العام للمنظومة أو المشروع.. فإنه كذلك يمكن استخدامه للتحكم بتفريق وتشتيت الجماعات وتحويل العلاقة بينهم إلى حالة تنافسية كل طرف فيها يسعى لإلغاء الآخر.. بحيث يستحيل عليهم تحقيق هدف جماعي نتيجة التمزيق الممنهج لتجانس هذه الجماعات وإلغاء الترابط العلاقي بينها.. وهذا ما فعله الاستعماريان (سايكس) وصاحبه (بيكو) حين رسما خارطة العالم وحدود الدول في اتفاقية (سايكس بيكو) الشهيرة في بداية القرن الماضي، والتي ما تزال الشعوب ودول العالم تعاني إرهاصاتها مذ ذاك الحين..

هذه الطريقة تشبة لعبة التركيبات ولها خطوات استراتيجية في اللعب، تقوم على فلسفة لعبة الشطرنج.. ولعل الجميع يذكر اللوحات المطبوعة على قطع صغيرة متعرجة الحواف، يتوجب تركيب هذه القطع في أماكنها الصحيحة كي تكتمل اللوحة بمداخلة الألسن الممتدة من كل قطعة لتتمفصل مع القطع المحيطة بها.. فتبدو اللوحة متماسكةً رغم تعدد الأجزاء التي تتركب منها، وطبعاً لا يمكن وضع أي قطعة مكان أخرى.. بالطبع رصف قطع اللوحة وتركيبها يأخذ الكثير من الجهد والوقت والنظرة الاستراتيجية لفهم كيفية تركيب اللوحة، وعادةً تباع اللوحة مع خارطة تساعد على تركيبها..

هذا عن اللوحة واستراتيجية تركيبها، أما في السياسة، فإن لوحة (خارطة) العالم قد جُزّئت إلى قطع، كل قطعة دولة، على أسس عرقية وطائفية واقتصادية تجعل من شبه المستحيل ألا تتصارع مع بعضها مهما ابتدعت من استراتيجيات للترابط والالتحام والوحدة..

لو نظرنا إلى أي دولة مثال لبنان وسوريا، والعراق وتركيا والأردن لوجدنا أنها تشكل مع بعضها تكويناً لوحدة طبيعية من نواحي جغرافية وديموغرافية واقتصادية.. ولو نظرنا إلى الحدود التي تقسم حدود هذه الدول (القطع) لوجدنا تداخلات حدودية (ألسن متعرجة) صممت على أساس التفرقة والتجزئة العرقية والدينية والمذهبية والديموغرافية والاقتصادية..

مزقوا سوريا الطبيعية إلى العراق وسوريا وتركيا رغم ما يربطها من مصالح كمياه الأنهر والعلاقات العرقية والدينية وحتى العائلية.. الأردن مثلاً، لا يملك من مقومات اقتصاد الدولة المستقلة ما يسد الرمق، ورغم ذلك، صنعوا منه دولة منفصلة عن الأم سوريا..

ولبنان وسوريا كذلك..، كيف يكون هناك مبرر عقلاني ليصبح جبل لبنان دولة مستقلة عن سوريا.. المناطق الحدودية تتداخل بين الدولتين وتمزقهما، وتقسم العائلة الواحدة إلى قسمين.. تماماً كما هو الحال بين الباكستان والهند وبنغلاديش، وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، والعراق والكويت، وغيرهم وغيرهم، كدويلات الخليج التي يكاد معظمها لا يزيد عن بئر نفط أو غاز وعليه علم يرمز لعائلة النواطير التي تحمله تحت حماية الأسياد الصهيوأمريكان..

كل هذه الكيانات (القطع) قامت على أساس التجزئة والتفرقة والتقسيم، وصممت بألسن متداخلة تجعل الوحدة بين هذه الدول ضرورة ملحّة لمصلحة الشعوب، لكنها تفسح المجال للدول الاستعمارية لتغذية الأطماع في نفوس القيادات التي تم تنصيبها على حكم بعض هذه الدول لتكون أداةً جاهزة لتعكير صفو العلاقة بين العائلات ذات الجد الواحد أو ربما الأب الواحد، على طرفي الحدود…

الآن بعد حوالي مائة عام من اتفاقية سايكس-بيكو، تسعى الولايات المتحدة لتطبيق اختراع جديد أطلقت عليه اسم (الفوضى الخلاقة) يقضي بتقسيم المقسّم، وتجزئة المجزّأ.. وفي هذا الإطار تسعى الإدارة الصهيوأمريكية إلى تقسيم سوريا إلى خمس دويلات طائفية وعرقية على غرار ما صنع سايكس وصاحبه بيكو حين اجتزءآ لبنان عن سوريا..

ورغم ذلك.. سوريا وقيادتها وشعبها الصامد، مصممون على لمّ الشمل مهما طال الزمن، وها هم يتصدون لهذا المخطط الدنيء.. ويسحقون بأحذيتهم أحلام الإدارة الصهيوأمريكية وشركائها.. وستبقى المعركة مستمرة ما دام هناك صهاينة، وما دام في جحور الوطن بهائم مستعدون للتخلي عن كراماتهم مقابل أموال النفط التي يديرها نواطيره الوهابيون الصهاينة..

ولا شك أنه من الواقعي أن يتبادر إلى الذهن أن الدكتور (إليوت أورونسون) لم يخترع هذا النمط الإداري الـ(جيكسو)، بل استنبطه من فهمه لسياسة (فرّق تسُد) التي رسم بها (سايكس وبيكو) خارطة تمزيق العالم، وشيفرة الآلام المستعصية…

» كتب ناصر قنديل - كيف تنتصر سوريا -1-؟
» كتب ناصر قنديل - كيف تنتصر سوريا -2 - ؟
» شيفرة الشيخة موزة .. تمحو علامة استفهام كبيرة حول فوز قطر بتنظيم كأس عالم 2022.
» استراتيجية النصر... استراتيجية القضاء على الإرهاب
» أوباما: لم نحدّد استراتيجية للتدخل في سوريا بعد