هل استبقت اسرائيل حربا سورية عليها ؟

هل استبقت اسرائيل حربا سورية عليها ؟

كتب ياسر خضر - دمشق

في الرابع من شباط – فبراير 2010 نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية
نصا منسوبا إلى وزير الخارجية الإسرائيلي في حينه أفيغدور ليبرمان هذا نصه:

«حذر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أمس الخميس الرئيس
السوري بشار الأسد من أنه «سيخسر الحرب والسلطة» إذا ما شن حربا على
إسرائيل».

وأضاف ليبرلمان:«رسالتنا يجب أن تكون واضحة للأسد: عندما تقع حرب
جديدة، لن تخسرها فقط بل ستخسر السلطة أيضا، أنت وعائلتك».

في العادة يستخف المراقبون الجديون المختصون بالشأن السوري، بالحديث
عن مسعى سوري لشن حرب تحريرية ضد إسرائيل وذلك بسبب الطريقة التي تعاملت بها
القيادة السورية مع ملف الجولان، وركونها المبالغ فيه إلى القرارات الدولية
(1974وحتى مؤتمر مدريد)، والى العملية السلمية المباشرة (مؤتمر مدريد) ثم إلى
المسعى الأميركي والوساطة التركية.

طوال الفترة ما بين 1974 (تاريخ توقيع اتفاقية فصل القوات ونشر قوة
الأمم المتحدة للفصل بين الجيشين السوري والصهيوني برعاية أميركية) وحتى العام
الحالي بقيت الجبهة السورية الإسرائيلية هادئة ولم يعكر صفوها أية معركة حقيقية بين
الطرفين. لذا فإن الاستخفاف بأي حديث عن نية سورية لضرب القوات الإسرائيلية في
الجولان بهدف تحريره لا يمثل تجنيا، بل هو كذلك كما يبدو في الواقع.

على الجانب السوري، كانت ثمة عدة خطوط في القيادة السورية تتمايز عن
بعضها في النظرة لهذا الأمر، فكان الغالب الأعم من المسؤولين يعتبر أن أي حرب مع
الصهاينة لا بد أن تأخذ بالملاحظة والحسبان تحقيق توازن استراتيجي بين الطرفين،
ليضمن منع الإسرائيليين من إغراق نصف الأراضي السورية بمياه سد الفرات الذي لو
قصفته الطائرات الإسرائيلية فلا شيء سيمنع كارثة محققة لا يمكن احتمال آثارها على
ملايين السوريين والعراقيين أيضا.

ثمة فريق آخر أيضا يسعى من جهته إلى تحقيق التوازن في هذا الإطار
عبر الطرق العسكرية، وفي هذا الصدد يشير مراقبون إلى أن الاهتمام بتطوير صناعة
الصواريخ لم يكن عن عبث كما لم يكن تلقائيا كغيره من أشكال النمو والتطوير، بل جاء
نتيجة تخطيط طويل المدى وواضح الأهداف، ولم تكن الأبحاث العسكرية التي رفدها النظام
السوري بالكثير من الموارد مجرد تفصيل عسكري ضمن مشروع سلطوي، بل كانت -ولا
تزال-مشروعا وطنيا ذا بعد تاريخي. وليس بخاف أن ما وصلت إليه الصناعات العسكرية
السورية من شبه اكتفاء ذاتي في مجالات عدة منها الصواريخ والصناعات التذخيرية
والتدريع المحلي والصناعات والبحوث غير التقليدية (والتي لا ليس ثمة أي اعتراف رسمي
بامتلاكها)، كل هذه الاستعدادات والقدرات تدخل في مصاف التوازن الذي عمل النظام
السوري على تحقيقه والحفاظ عليه.

لكن المعترضين يسألون : ألم يكف العمل طيلة أربعة عقود لتحقيق
التوازن العسكري- الاستراتيجي مع العدو الصهيوني؟ ولماذا لم تشن سورية حربها
التحريرية لتحقق ما حققه حليفها اللبناني حزب الله عندما دحر المحتل عن
أراضيه؟

أحد العارفين ببواطن الأمور يسأل مستنكرا:

ألا تعتقد أن التوازن العسكري مع الصهاينة يجب أن يلحظ القوة
الأميركية وقدرتها الفائقة على تعويض أية خسائر إسرائيلية؟ أم أن هذا الأمر خارج
الحسبان؟

ثم يستطرد العارف مضيفا:

يمثل حزب الله فئة من اللبنانيين لا كلهم، ولا وجود لثكنات عسكرية
واضحة يمتلكها، على العكس من قوى النظام في سورية، ولا يمكن لإسرائيل أن تدمر كل
شبر من لبنان بقوتها النارية للنيل منه، لأنه وبكل بساطة (ورغم وجوده) غير موجود
على كافة الأراضي اللبنانية، وللأميركيين في المجتمع السياسي والأهلي اللبناني
مصالح ترغم أمريكا على حماية معظم الأراضي اللبنانية من التدمير حفاظا على هذه
المصالح. أما بالنسبة لسورية، فإن ما يحميها هو قدرتها العسكرية على تدمير المدن
الصهيونية، ولكن القدرة على تحرير أراضينا تبقى مرتبطة لا بقوة الصهاينة حصرا بل
بقوة الأميركيين الشاملة.

مثلا: لو دخلت القوات السورية الجولان في حرب مفاجئة، ووصلت آخر شبر
فيه، وحررت كل الأراضي المحتلة منه، ودمرت في طريقها القوة الإسرائيلية الرئيسية
التي تواجهها، حينها سيكون السؤال المطروح هو الآتي: هل ستشارك الولايات المتحدة
مباشرة في الحرب لحماية الصهاينة المنكسرين والمهزومين أم أنها لن تفعل؟

في الحقيقة.. من يملك الإجابة على السؤال المتعلق بالدخول الأميركي
المباشر في الحرب ضد القوات السورية في حال شنت حربها التحريرية، فإنه وبلا شك يملك
إجابة شافية عن هذا السؤال أيضا:

هل كانت العقود الأربعة منذ العام 1974 كافية لتحقيق التوازن الشامل
عسكريا مع الصهاينة؟ وهل الصهاينة هم القوات الإسرائيلية فقط؟ أم أنه يجب أن نأخذ
بالحسبان القوى الأميركية القادرة على التدخل؟

يتابع المصدر:

أثرت "الثورة" "السورية" في بدايتها على أطراف سورية يحركها الثأر
السياسي أو الحزبي أو المجتمعي من النظام، كما أثرت أيضا في مجموعات كبيرة من
الشباب المتمرد الثائر الساعي للتغيير والتقدم، ولأن الأمر كان كذلك تعامل الرئيس
بشار الأسد مع الأزمة بكثير من الروية قبل الحزم، وباشر بنفسه الحوار مع المجموعات
الشبابية فاستقبل أكثر من خمسة عشر ناشطا أهليا ممن لهم علاقة بتنسيق التظاهرات
وقيادتها، أو ممن ينتمون للمناطق التي خرجت فيها، وتوصل مع معظمهم إلى اتفاقيات
شفهية انتهت إلى العمل على تحقيق مطالب من خرجوا، مع أنها لم تكن مطالب شعبية في
مجملها، بل تضمنت أيضا مطالب شخصية وفئوية ودينية واجتماعية، وحتى قبلية
وعائلية!

لكن "الحراك" لم يسكن، وذلك بسبب وجود طيف واسع من القوى التي كانت
خاضعة في وجدان تحركها لتنظيمات أو لشخصيات دينية وسياسية وجهوية مرتبطة بمخابرات
دولية منها الإسرائيلية والأميركية والسعودية والقطرية والأردنية والتركية، وحتى
اللبنانية التابعة لفرع المعلومات.

لم تقبل تلك القوى بوقف التحركات، وانتقلت بعد تجاوب الرئيس الأسد
مع المطالب الشعبية إلى مرحلة جديدة من التصعيد كان مستحيلا بعدها أن لا تتحول
الحالة إلى صراع قبلي حينا وطائفي أحيانا، والى فتنة بين الأرياف والمدن مرة، وبين
الأرياف والأرياف الأخرى مرات، حتى وصلت إلى صراع بين الجيش وبعض فئات الشعب، بل
بين الفئات المختلفة من الشعب ذاته!

لتحقيق الحالة السابقة تدخلت قوى خارجية مسلحة، عبر مجموعات خاصة
وبواسطة عملاء يخترقون القوى النظامية شبه العسكرية، وخاصة الشرطة وقوى حفظ النظام،
فوقعت عمليات قتل بين المتظاهرين، اقترفها قناصة مجهولون أو عناصر أمن مدسوسون،
انقلبوا على الأوامر الصارمة التي صدرت عن رأس القيادة السورية بمنع إطلاق النار
على المتظاهرين، واتخاذ كل الوسائل الأخرى لحماية المقرات الحكومية والمواطنين غير
المشاركين في التظاهرات. ولقد رأينا كيف أن القوى الأمنية بقيت لأشهر تفرق
المظاهرات دون سلاح، فقُتل المئات من عناصرها قبل أن يسقط ربع عددهم من المتظاهرين.

ثم نفذ طائفيون من تنظيم القاعدة في حمص وبانياس وحماة وجسر الشغور
مجازر وحشية غير مبررة وغير مسبوقة في فظاعتها، بهدف استثارة النظام واستفزازه،
وبهدف استفزاز الطوائف السورية وسط حملات إعلامية لم يعرف التاريخ البشري مثيلا
لشراستها وقوتها، حتى لقد شبهها الخبراء النفسيون بحرب نووية، إلا أن القنابل
النووية تتفجر بالناس، بينما يفجر الإعلام حقدا في قلوبهم يكاد يمحي كل أثر للحياة،
حيث نجح في استمالة جمع غفير من المواطنين إلى صفوف الحاقدين الهستيريين.

لم يحصل هذا الأمر عرضا دون تخطيط، بل جرى وفقا لخطة تم نشر
تفاصيلها بشكل مسهب، وفي العودة إلى بنود خطة بندر بن سلطان لتدمير سورية،
والمنشورة في الثامن والعشرين من آذار 2011 ما يثبت أن كاتب تلك الخطة، أو من قدم
له معلوماتها المهمة قد كشف للرأي العام ما أصبح الآن معروفا بأنه الخطة الفعلية
التي شارك الأميركيون والخليجيون، وعلى رأسهم السعوديون، في تنفيذها لتخريب
سورية.

السؤال الذي يعيدنا إلى فصل البداية من هذا المقال هو: هل كان الأسد
يريد حقا شن حرب على إسرائيل فسبقته هي ونفذت التهديدات التي أعلن عنها وزير
خارجيتها في العام 2010؟

تقول مصادر قيادية عليا في المقاومة اللبنانية أن الرئيس الأسد أراد
الدخول في الحرب ضد القوات الإسرائيلية في العام 2006 وكانت لديه الاستعدادات
والقدرات على تحقيق ما يبتغيه، لكن المقاومة اعتبرت أن دخول سورية في الحرب لا يفيد
أهداف المعركة، إلا أن تجاوز الإسرائيليين لخطوط معينة في جنوب لبنان وبقاعه باتجاه
خط بيروت – دمشق المهم جدا للمقاومة ولطرق إمدادها قد غير المعادلة في حينها.

هل كان السوريون سيشنون حربا تحريرية في العام 2010؟

لا جواب عند القائد المقاوم، لكنه يضحك بلؤم محبب ويقول: "هكذا قال
الإسرائيلي، ونحن نصدق مخاوفه ورعبه الحقيقي من القوة السورية التي كانت صاعدة،
خاصة في ظل المتوقع حينها من خروج أميركي ذليل من العراق".

هل اعتبر السوري أن شروط التوازن الاستراتيجي كانت متحققة بخروج
الأميركيين مهزومين من العراق فقرر شن حرب على الصهاينة لتحرير الجولان، ضامنا في
الوقت عينه عدم قدرة الأميركيين على نجدة حليفتهم العبرانية؟

أسئلة عديدة للتاريخ ولكن الواقع الحالي مثبت، وفيه أن كل ما حصل في
سورية خلال العامين الماضيين يصب في مصلحة إسرائيل وأميركا. ولكنه أمر قد لا يطول
ثباته على هذا المنوال، فلطالما كان صبر المقاومين هو ما يحقق الانتصار، سواء في
لبنان (ثمانية عشر عاما من المقاومة) أو في العراق (سبع سنوات) أو في غزة (عدة عقود
من المقاومة).

تشير الأنباء الواردة من الخطوط الأمامية في جبهة الجولان إلى تمكن
المسلحين التابعين للقاعدة من السيطرة على مداخل أنفاق التحصينات السورية الحديثة
الإنشاء (كان إنشائها بعد حرب 2006 )، وأصبح الإسرائيليون بفضل التكفيريين (وهذه
مفارقة)على علم بكافة تفاصيلها.

هكذا تقول الأنباء التي لا يعرف صدقها من عدمه إلا ثلاثة أطراف، هي
:الدولة السورية، والصهاينة، وعملائهم التكفيريون!!

» "لوموند دبلوماتيك" : سورية تعيش حربا إعلامية قوية..الجزيرة العربية قناتان تابعتان لنظامين غير ديمقراطيين ويشنان حربا باردة
» المالكي: مايجري في سورية قد يفجر حربا داخلية في العراق
» بروجردي: أمريكا أشعلت حربا بالنيابة في سورية عبر دعمها للتنظيمات الإرهابية
» كذبَ الإعلام وصدقَ الأسد .. كيف أسقطت سورية أكذوبة الانتصار الإعلامي عليها؟
» عبد الحكيم جمال عبد الناصر: نقف مع سورية وجيشها الذي يخوض حربا ضد إرهابيين ومرتزقة يخدمون "إسرائيل"