سورية الحلقة الكبرى في علاقة الدولتين العظميين

أوباما في عهده الثاني سياسة خارجية مكبلة بقيود الأجندة الداخلية

ركز مركز الدراسات العربية الأميركية للأبحاث في تحليله الأسبوعي على السياسة الخارجية الأميركية في الفترة الثانية من ولاية أوباما ورأى أن الرئيس دشن عهده الثاني في خطوة عاجلة نحو السياسة الخارجية بإرسال وزير خارجيته الجديد جون كيري، في أولى جولاته الرسمية، بالتزامن مع مصادقة الكونغرس على تعيين تشك هيغل لوزارة الدفاع.
تباينت نتائج جولة كيري مقارنة بتوقعات بلقاءات حميمية وسلسة، فتسليط الأضواء على لقائه برموز المعارضة السورية في روما، سبقها تشدد بتصريحات المعارضة بعدم استعدادهم للقائه تعبيرا عن عدم رضاهم للمساعدات العينية المطلوبة من أميركا.
وأطلقت المعارضة سلسلة تصريحات تدل على مدى الإحباط الذي لحقهم جراء وعود بالمساعدة لم تنفذ، وهددوا بعدم حضور مؤتمر "أصدقاء سورية" في روما الذي سيحضره كيري.
أطلقت الإدارة الأميركية وعودا جديدة بالمساعدة لإغراء قوى المعارضة بالحضور، منها إشارات صدرت عن البيت الأبيض عن نقلة نوعية في سياسة أباما قد ينتج عنها تزويد المعارضة المسلحة بمساعدات تشمل مجال التدريب العسكري.
مكافأة أميركا للمعارضة لحملها على حضور مؤتمر روما، تبعها تصريح لوزير الخارجية كيري بتقديم مساعدات عينية تتضمن حصصا غذائية للمقاتلين وعربات نقل وأجهزة اتصالات ومعدات للرؤية الليلية ومساعدات طبية.
ومضى كيري في إطلاق تصريحات تنقد الرئيس السوري، فقال في باريس "ينبغي على الرئيس الأسد إدراك عدم قدرته على الخروج من هذه الأزمة بالسبل العسكرية، والمعارضة بحاجة لمزيد من المساعدة".
يدرك كيري أن رؤيته لتطبيق حل أميركي في سورية تصطدم بالموقف الروسي الداعم للرئيس الأسد، ويضع بالحسبان حاجة بلاده لجهود روسيا بملفين حيويين الملف الإيراني، وانسحاب قواته بسلاسة وسلام من افغانستان، لا سيما وان روسيا تتحكم بإحدى الممرات الرئيسية التي ستسلكها، خطوط الإمداد الشمالية، والتي تمتد من كابول مرورا بنفق سالانغ وانتهاء بأراضي الجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا الوسطى.
كما أن إخلاء المعدات العسكرية الأميركية الثقيلة من أفغانستان يستوجب مساعدة روسية نظرا للاعتبارات الاقتصادية ففي حال قررت الإدارة الأميركية تزويد المعارضة السورية المسلحة بمعدات إضافية، وأسلحة ثقيلة ستخسر انسحاب آمن لقواتها.
تشكل سورية الحلقة الكبرى في علاقة الدولتين العظميين فامتلاك المعارضة المسلحة وسائل قتالية لشن هجمات على الجيش، يفاقم القلق الأميركي من تزعم القاعدة لقوى المعارضة.
أبلغت أميركا المعتدلين في قوى المعارضة ضرورة توفير الخدمات الحكومية الأساسية في المناطق الخاضعة تحت سيطرتها، لتعزيز سلطتها وعلاقاتها مع المدنيين السوريين في مسعى لإقناع الرئيس الأسد حتمية انتصار المتمردين.
بالمقابل روسيا تحذر من الإصرار المسبق على رحيل الرئيس الأسد كشرط مسبق لمفاوضات سلمية، مما سيؤدي لوأد المفاوضات بالكامل. أما المعارضة المدعومة أميركياً وأوروبيا وعربيا أبدت معارضتها التامة لأي دور مقبل للرئيس الأسد في سورية.
الرئيس أوباما بحاجة ماسة لعون روسي في جولة المفاوضات الجارية مع إيران، التي تحتل رأس سلم الأولويات لسياسته الشرق أوسطية فجولات العام الماضي لم تسفر عن أي تحول في المواقف المعلنة، وما تزال إيران متمسكة بموقفها حول حقها في تخصيب اليورانيوم.
جولة كيري العالمية بعد تسلمه مهام منصبه ببضعة أيام تؤشر على جدول أوليات السياسة الخارجية لإدارة أوباما بالمرور على الحلفاء الأوروبيين التقليديين بريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا قبل توجهه للشرق الأوسط.
تركيز خطابات أوباما في اوروبا حول سورية يؤكد تصدرها اهتماماته في زيارته للدول العربية وتركيا، التي تشكل خط الاشتباك الاول في الازمة السورية وموقعها الجغرافي كمحطة مرور للمساعدات المقررة للمعارضة السورية المسلحة.
أما دول الخليج العربي الثلاث فهي الممول والمسلح للمعارضة السورية ولا تخفي قلقها البالغ من طموحات ايران النووية التي قد تستغلها لاعاقة حركة الناقلات النفطية عبر مضيق هرمز.
من الملاحظ خلو السياسة الخارجية لاوباما من اية مبادرات تتعلق بالمنطقة، الأمر الذي يوفر له الجهد ليلتفت الى الملفات الداخلية الاميركية.خاصة مع غياب أي مؤشرات لميل حقيقي نحو تحقيق اتفاقية سلام بين "اسرائيل" والفلسطينيين في المدى المنظور.
إن أهم ما يشغل بال اوباما هو ابقاء القضايا الساخنة على نار هادئة كي لا تسبب له ازعاجا يعيق تحقيق تقدم في ملفات سياساته الداخلية، كاصلاحات قوانين الهجرة، والانفاق الحكومي، والحد من انتشار حيازة الاسلحة النارية الفردية.فمن شان اندلاع ازمة في الشرق الاوسط ان تكلفه بعض رصيده السياسي واشغال اهتمامات الكونغرس بعيدا عن اولوياته التي حددها مسبقا.
من غير المتوقع بل من المستبعد ان يدلي فريق سياسته الخارجية الجديد بآراء تغاير المعلن من السياسات او الذهاب الى بلورة مبادرات معينة. وقد تعود لطبيعة تكوين الفريق الذي لا يتمتع بقسط من القوة والنفوذ لسلفه.
في المرحلة المقبلة سيواصل مدير وكالة الاستخبارات المركزية، جون برينان"الحرب على الارهاب،" باساليب مجربة ابان عهدي الرئيس بوش الإبن واوباما في ولايته الاولى.
ويتمتع كل من وزير الخارجية جون كيري ووزير الدفاع تشاك هيغل بخبرة طويلة في الشؤون الخارجية ابان تسلم مهامهما السابقة في مجلس الشيوخ فالخبرة الاجمالية لفريق السياسة الخارجية تبلغ نحو 78 عاما.
فواجبات اعضاء مجلس الشيوخ لا تتضمن ادارة برامج معينة، او تنفيذ سياسات محددة، فاحراز تقدم ما في مسالة حساسة لا يمثل سوى الجزء الأول من التحدي، بينما الجزء الأكبر يتمثل في تطبيق الاتفاق ضمن ضوابط الفهم المشترك.
فمهمة عضو مجلس الشيوخ تقتصر في توفير نسبة الاغلبية البسيطة (50 + 1) من الاصوات للمصادقة على القرارات لذا لا يميلون لرؤية العالم وتشعباته من منظار استراتيجيات بعيدة الامد. بكلمة اخرى فريق اوباما للسياسة الخارجية لديه حس مرهف للتغلب على العقبات السياسية، مما سينعكس على آلية تناوله للازمات من منظار درء تفاقمها وليس حلها بالضرورة.
نظرا لتركيبة وطبيعة فريق السياسة الخارجية ونزعته لتفادي التصادم، فمن غير المرجح اقدام أوباما على تبني مبادرات أو صيغ للحل فيما يخص سورية او ايران، مما سيؤدي الى تطبيقات جزئية وغياب استراتيجية أشمل للتعامل مع قضايا المنطقة، وارسال رسائل متناقضة للحلفاء، وتبني سياسة خارجية تأخذ في الحسبان اتجاهات استطلاعات الرأي على حساب اعتبارات المصالح الاميركية او الاقليمية ومن المرجح ان يبرز الدور القيادي في المنطقة من مواقع اخرى وليس من البيت الأبيض.(س.خ)

» حرب الاستخبارات في سورية : تحالف اسرائيل و السعودية في مواجهة سورية ...الحلقة الاولى
» ما علاقة الجنوب السوري بشماله وما علاقة الساحة السورية بأوكرانيا؟!
» توقيف 13 سوريا على علاقة بمجموعة سورية مسلحة في شمال لبنان
» غداً عندما تكشف اوراق القصير ..ستكون الفضيحة الكبرى.. الحقيقة الكبرى
» الحلقة الاولى : بين بوغدانوف وتحذير الاوروبيين لرعاياهم...هل ستنقل سورية المعركة الى شمال لبنان؟