هل باتت تسوية الأزمة السورية خياراً نهائياً؟ (2)
حميدي العبدالله
17-2-2013
مقابل المؤشرات التي تدفع باتجاه إيجاد حل سياسي للأزمة السورية, هناك عوامل أخرى تعرقل الوصول إلى هذه النتيجة, ومن أبرز هذه العوامل:
أولاً، هيمنة التنظيمات المسلحة التي ترفض مبدأ التسوية على المعارضة السورية، وحتى لو أرادت الإدارة الأميركية إلزام عناصر المعارضة المقيمة بالخارج بالتسوية, فإنها غير قادرة على إلزام التنظيمات المسلحة بها.
ثانياً، تركيا وقطر، وحتى السعودية، ترفض خيار التسوية السياسية, وبالنسبة لتركيا وقطر فإن هناك قلق شديد من أن التسوية ستقود إلى تداعيات لن تكون في مصلحتهما. الحكومة التركية التي تخشى أن تدفع ثمن تدخلها وتدهور علاقاتها مع دول الجوار بتحول الناخبين عنها, وبالتالي باتت قضية إسقاط الدولة السورية بالنسبة لحكومة حزب العدالة والتنمية مسألة حياة أو موت, ولهذا ستعرقل الوصول إلى حل بأي ثمن كان. قطر بدورها ترى أن مكانتها ودورها العربي والإقليمي سيتأثر سلباً في حال التوصل إلى تسوية.أما الولايات المتحدة التي جندت هذه الدول وشجعتها في بداية الأزمة للذهاب بعيداً في خيار المواجهة المسلحة، فهي الآن بوضع يجعل الكثير من المحللين والخبراء يعتقدون بأن قدرتها على إلزام بعض الحكومات التابعة لها قدرة ضعيفة لأسباب عديدة أبرزها الانشقاق داخل النخبة الأميركية الحاكمة حول الأزمة، حيث لا يزال هناك تيار يدعو إلى تسليح المعارضة وخوض المواجهة إلى النهاية, وتردد الإدارة ذاتها في اتخاذ موقف حاسم نتيجة لهذا الانقسام, وبالتالي فإن احتمال تمرد بعض أدواتها وعرقلة جهودها للسير في خيار التسوية, هو احتمال قائم، سيما وأن هناك جناح داخل الإدارة، إضافةً إلى إسرائيل لا يريد التسوية، ويصر على خوض المواجهة مهما طال أمدها.
ثالثاً، الإدارة الأميركية، ولاسيما الجناح المرتبط بإسرائيل، لم يقبل خيار التسوية عن قناعة، بل بسبب فشله في إسقاط النظام، وقلقه من انتشار الجماعات المتطرفة وتحديداً تنظيم القاعدة، وهو يرى أن النظام بنهجه الممانع لسياسات الهيمنة الغربية ودعمه لقوى المقاومة يشكل تحدياً أخطر من تنظيمات القاعدة، ولهذا حتى وإن وافق من حيث المبدأ على التسوية، فإنه سيظل يعمل من أجل تصعيد المواجهة العسكرية ودعم المعارضة من أجل تحقيق واحد من هدفين:
الهدف الأول، تحسين شروطه التفاوضية في حال انطلاق الحوار لتطبيق تفاهمات جنيف.
الهدف الثاني، اغتنام أي فرصة تلوح في الأفق لإسقاط الدولة السورية، أو اقتطاع جزء من الأراضي السورية ووضعه تحت سيطرة المعارضة، وبالتالي إطالة أمد الحرب الطاحنة بما يقود إلى استنـزاف سورية ومنعها من استعادة قوتها ودورها في منظومة المقاومة والممانعة.
رابعاً، التسوية وفقاً لما نصت علية تفاهمات جنيف لن تبصر النور من دون وقف العنف. ولكن المنظمات المتطرفة التي تمارس العنف وتسيطر على مناطق عديدة من سورية لا تقبل بتفاهمات جنيف، ولا تقبل التسوية عبر الحوار، وتصر على إسقاط النظام، فهل الولايات المتحدة والدول الغربية وبعض المعارضة الذي يرتبط بالغرب على استعداد للانفصال عن تلك المعارضة، والعمل على محاصرتها بالمال والسلاح، واستهدافها إعلامياً وسياسياً، وتوفير الغطاء للجيش العربي السوري لضرب هذه الجماعات؟
هذه العوامل مجتمعة تؤكد على أن طريق التسوية ليس سالكاً بعد، ولا يمكن أن يتحول إلى واقع جدي إذا ظل توازن القوى الميداني على حالـه، حيث لا تزال المجموعات المسلحة تتحدث عن مكاسب و«انتصارات» تحققها في بعض المناطق ولاسيما القريبة من الحدود التركية، ومن دون أن يستعيد الجيش العربي السوري سيطرته الكاملة على مدينة حلب وبعض المناطق الاستراتيجية في ريف المحافظات الشمالية والشرقية، فإن أحلام سقوط الدولة السورية ستظل تراود الولايات المتحدة والدول الغربية، وتحد من اندفاعها باتجاه العمل لإنجاز تسوية حقيقة للصراع، وستظل تكتفي بالحديث عن التسوية بدلاً من الشروع بتنفيذها بانتظار معرفة مسار الأحداث الميدانية وتحديد الخيار النهائي في ضوء نتائج هذه الأحداث.