المسألة الكردية لا تنفصل عن سائر مسائل الأقليات في سوريا

المسألة الكردية لا تنفصل عن سائر مسائل الأقليات في سوريا
2013-01-24 05:16:05
مجدداً تخرج المسألة الكردية إلى الظهور في الأحداث السورية لتضع المتابعين للشأن السوري في حيرة من موقف الكرد في الأحداث الجارية وخصوصاً في الشمال السوري. فبينما يشكّل الكرد درعاً في وجه التغلغل التركي وأعوانه في مناطق تواجدهم، يلتبس موقفهم في العلاقة مع مركز القرار الوطني في دمشق، وكأنهم يريدون تقديم صكوك تطمين لأصحاب النزعة الانفصالية التي وُضع الكرد عموماً بأجوائها من جهة، وليضمنوا لهم حصة في ما يسمى التسوية الإقليمية، وهي بعيدة المنال، من جهة أخرى. وليس هذا بغريب، نتيجة لما عاناه الكرد، عبر تاريخ البلاد الطويل، من جور وتهميش واستبعاد. وأصبح مجرد ذكر الكرد، نتيجة للوثة التعريب والعصبية العربية وضخّها الإعلامي، مترافقاً مع الانفصال والانعزال، وكأن الكرد مجموعة سكانية هبطت بمظلات فجائية واستوطنت أرضاً لعرب وجب عليهم ترويض الوافد الجديد، وهذا ما جعل الكرد أصحاب توجّس وريبة من كل ما يفعله الشقّ "العربي" الممسك بالقرار السياسي المركزي.
لكن وبقليل من التحقيق والتدقيق بكل ما هو كردي ستبرز حقيقة واحدة جلية، تكمن فيها الإشكالية وينبثق منها الحل، وهي أن المسألة الكردية مسألة سورية كليّاً (ســورية الطبيعية) جغرافياً وسكانياً وجوهر حياة، ولا تختلف ولا تنفصل عن سائر مسائل الأقليات، أو ما اصطلح على تسميته كذلك. وهذا موضوع يحتاج لبحث خاص ينتج عنه إلغاء لهذا المصطلح من التداول في ثقافتنا السياسية الوطنية الناهضة بكل تسمياتها، إذ لا تختلف هذه المسألة عن سائر المسائل بتسميات مختلفة إلا بحدتها وتأثيرها الظاهر في الوقت الراهن، وما لم يدرك كل المتورطين أو المتداخلين أو المقدمين على التفاعل مع هذه المسألة، هذه الحقيقة وما لم يعملوا على أساسها فإن الآلام والكوارث والطرق المسدودة ستواجه كل سكان سوريا الطبيعية، الهلال الخصيب، الذي بات واضحاً أنه ينقسم بتأزم إلى قسمين (شقين شقيقين): عربي، في اعتقاده، بسبب إشكالية مفهوم الانتماء، وغياب مفهوم الوطن الحاضن لوحدة الحياة، وغير عربي، وتقع ضمن هذه التسمية فئات كثيرة منها دينية أو مذهبية وهي عديدة ومنها عرقية أو سلالية وهي عديدة، ومن بينها الكردية وهي الآن الأكثر التهابا وحساسية. الشقّ الأول يتمتع بالسلطة لأسباب جغرافية، وجود العواصم ومراكز القرار في مناطقه، ويتمتع بوجوده تحت الأضواء السياسية الدولية وما يمكن تسميته الشرعيات الدولية الإعلامية، وآخر مقموع ومحكوم ومهمش وهو بعيد عن العواصم ومراكز القرار والأضواء الإعلامية ولذلك وصف دائماً بغير الشرعي و المتمرد والخارج على القانون وما إلى ذلك من تسميات وتهم تؤدي، على أقل تقدير، إلى إقصاء هذا الشقّ عن حقوقه الأساسية وأهمها حق الانتماء الطبيعي لوطن طبيعي. بل إن الثقافة التي حكمت تاريخ نشوء واستمرار هذا الانقسام أسست للعداء بين هذين الشقين الشقيقين وأطلقت ثقافة استعدائية يسودها الخوف والتوجس والوساوس والمفاهيم والمعلومات الخاطئة والمغلوطة، جوهرها الجهل بحقيقة الشق الآخر، وإسباغ كل الأوصاف السيئة عليه وكيل التهم عليه بالجملة في قيامه أو تحضيره للقيام بأدوار سيئة في صياغة المصير العام، وهو ما أسس لحرب طويلة وتاريخية بين هذين الشقين. وإذا كان لابد من المعالجة الجذرية، وهي أمر حتمي لا مفر منه، فإن الصراحة التامة والوضوح التام يفرضان علينا القول: إن الشق العربي الذي احتضن مراكز السلطة والقرار تاريخياً قد أسس لهذا الإشكال، لأن المفاهيم السياسية الإقطاعية التي حكمت الدول السورية كانت تقطع مناطق سكن واستيطان الشق الثاني لمتنفذيها والفئات المحسوبة عليها. إذ إن نظرة سريعة على الواقع الجغرافي تدل بوضوح لا لبس فيه أن مناطق وجود الشق الثاني هي المناطق الريفية النائية وذات الطبيعة الجبلية الصعبة، حيث لا تقوم عواصم ولا مراكز قرار. لذلك فإن الجهد الأكبر في عملية تصحيح الثقافة العامة بهذا الخصوص سيقوم على طرف الشق العربي لكثرة الجهل الذي يحكم فهمه وموقفه وسلوكه تجاه فئات الشق الآخر، ولأنه كما أسلفنا يحتضن عواصم القرار في الوطن، ويبدو أنه مستفيد من هذا الوضع الخاطئ. من هنا وإذا كانت المعالجة الجذرية الجسورة والتاريخية يراد لها النجاح بل والنصر، مما لنتائجها من أهمية على تاريخنا ومصيرنا، فإن العمل يجب أن يقوم مجتهداً على طرفي الإشكال في هذه المسألة التي تختصر حقيقة صراعاتنا الداخلية التاريخية في جوهرها. وإن مصالحة شاملة على جميع الصعد الحياتية من ثقافية إلى سياسية إلى حقوقية إلى كل ما يؤلف حياة المجتمع، بين هذين الشقين الشقيقين هي الهدف من كل هذا المشروع الحضاري التاريخي. إنه المشروع الحقيقي لوحدة مستقرة بقوة، ومن أجل سلامة حياتنا وضمان مستقبلنا كما يشتهي المخلصون والأحرار.
إن أمة رزحت طويلاً تحت مفاعيل الإقطاع السياسي وتحملت آلاماً كبيرة جراء انقساماتها الناتجة عنها تنتظر قيادة مجتمعية حضارية شجاعة جسورة وقوية، قادرة على تصحيح مسيرة التاريخ وتؤسس لثقافة جديدة هي ثقافة الانتماء المقدس للوطن المقدس الحاضن للحياة الواحدة، الموحد لكل الفئات المتجذرة فيه، والتي على أساسها تتساوى جميعها في الحقوق والواجبات، لتخرج بها إلى تاريخ جديد، لابد من دخوله، وهي تستحقه.
لكن يجب القول اليوم إن من يدفعون الكرد للانعزال، إن كان من القوى التي لا تريد لشعبنا الخير أو من غوغاء الكرد وقياداتهم الإقطاعية المتطلّعة إلى الأجنبي، هم من يريدونهم خارج حركة الفعل في صناعة مستقبل المنطقة. ومن يفعل منهم فهو يستجيب مباشرة لمضطهديه الذين يريدونه منكفئاً محدود الفعالية. والقيادات الكردية التي يُعوّل عليها تبدو اليوم وكأنها تجاري هذه النزعة وتباركها، بل وتسير خلفها، وكأن عبدالله أوجلان كبطل ورائد كان من دون تلاميذ، بل بأتباع لم يفقهوا عمق تفكيره الاستراتيجي.

» عن الأقليات في سوريا! - بقلم أكرم البني
» الأم أغنيس: "البرابرة الجدد" هم استخدموا الكيميائي في سوريا وارتكبوا مجازر بحق الأقليات
» الريبة الكردية في سوريا من المسلحين والمتشددين... وتركيا
» «حرب الطواحين».. الغوطة الشرقية على شفير إقتتال سائر الفصائل
» الشيخة موزة تنفصل عن الامير بعد زواجه من فتاة بعمر 17 سنة