كتبت غدي فرنسيس: حب الدب الإيراني

كتبت غدي فرنسيس: حب الدب الإيراني
2012-12-16 07:15:20
غدي فرنسيس- عربي برس- إيران

هنا الأهواز. هنا زاغروس. هنا قزوين. هنا طهران. هنا شيراز وأصفهان. هنا كيش هنا مشهد وهنا القلعة... قم المحزمة بدائرة جبلية. قم التي ولّدت الثورة الإسلامية مع إمامها الخميني، يوم تغير وجه الصراع في الشرق الأوسط وعليه.
ثلوج ثلوج فوق جبال بالألوان، يبدو لي هنا ان لإيران مئات من سهول كذاك المتمدد في بعلبك، مشكلاً هيكل لبنان.
للفرس أضعاف مضاعفة من المعادن والبراكين الراقدة كآثار انشقاق التاريخ. مدن مدن مدن. كل مدينة تساوي دولة من دويلاتنا. 75 مليون شهيق وزفير فوق أرضها المتماوجة كالصراع. تشتد أطراف الجبال تارة وتتكور طورا على بعضها. تنبت المياه في الجبل، تنبت في الحقل. تتصحر تشقر تغضب تحمر.
هنا الإمبراطورية الفارسية، التي لها حدود مع أكثر من 17 دولة. بحرها شمالاً نحو قزوين وبلاد الأفغان وجنوباً إلى خليج العرب. جزر وجبال ومساجد وتاريخ.. هنا حياكة شرق اوسطية كالمغناطيس، تذبذب من مصر إلى سوريا مروراً بفلسطين. تعرّج على جنوب اليمن. تغازل من يناهض السعودي. تغازل من يوالي القطري. تضرب سلاح التركي والخليجي في سوريا، تعلو تهبط تلعب تداعب. هنا الإيراني، الذي "يذبح بالقطنة".
يدرك الإيراني تماماً وبالتفاصيل ما يجري على أرض سوريا. يدرك أكثر من دوائر سلطة النظام ربما. هو سبب الإستمرار او مده. هذه هي نعمة النظام السوري. نعمة إيران، وليست "رحمة" إيران. نعمة إيران، لا بد أيضاً فيها نقمة. هكذا يقول حديث الشيوخ وعلماء الدين والسيّاد هنا، النعمة لا بد معها نقمة. يقول الإيراني مدركاً أن الدولة والمجتمع السوري يموت: من كثرة حب الدب، قتل صاحبه.
يروي بنكتة عن رواية فيها يعيش دب مع رجل في الجبل، ويحميه ويذود عنه ويؤنسه في ليل الجبل القاسي. ثم حين حطّت ذبابة على خدّه، ضربها الدب بالحجر، فصرع صاحبه. . .وعاش الدب كما ولد، في جباله دافئاً قوياً.
في إيران، لا تمسّك بشخص الأسد. ما يهمه الفارسي باية حال، تمدمد خطه من العراق إلى جنوب لبنان وتوسّعه في سوريا. ما يهمه، أبرز ما يهمه، أن تبقى صواريخ حزب الله وحماس بخير وأن يبني هيكلاً محصناً في سوريا على حلفائه (وجوديا وسياسياً وعسكرياً، وبالطبع، مذهبياً) ولو تغير وجه الحكم..
الفرق ما بين الإيراني والسوري، كالفرق بين الجبلي والساحلي. نحن اكثر هشاشة وعاطفية وكسل. الإيراني لا يمضي وقته في مشاهدة قنوات الموالاة السورية، بل يضخ المال ليحاول أن يبني إعلاماً يجابه في الحرب الإعلامية. يبنى محطات كبيرة بخبرات كثيرة وإرادات جدية. يبني مياديناً وقارّات وإتجاهات وعالم. بينما يتشمس السوري ويتحمس ويقذف بالنار في السماء والدنيا ، الإيراني على جبله "يعمل للآخرة" ويتعلّم كيفية تحويله إلى مزيد من النار على القصدير، ليعزز صرحه. الفرق بين السوري والإيراني، انه في التاريخ ربما، الفرس عبدوا النار والسوريون صنعوا الحرف والبشر. نحن قوم البشر، نعجن الغرب بالشرق نحن. اما هم، فرحم بلادهم تربط آسيا ربما. ولهم كما في سوريا نار، في كردستان العراق سلام.
اليوم، الإيراني ظهر "سوريا الأسد" ولا يزال الظهر قوي، بل يزداد قوة يوماً بعد يوم. يمد يسراه على مصر ويمناه على سوريا. ينفتح في مصر على كل الناس، على القومي العربي والإخواني، يستكشف أرض مجتمعها أكثر وبالتالي يوسع إمبراطوريته. اما في سوريا، يمد يمناه المتشددة، بالحديد والنار يقف، تشتد تعابير وجهه إذ تصل حقيبة يده إلى المطار. في سوريا، ياتي ليضرب، وفي مصر، يزور مصافحاً بضحكة ذكية.

من هنا، يبدو الامر مفتوحاً على كل الإحتمالات، فمنذ أشهر، وخز الإيراني مصر نحو مبادرة. كان في المبادرة المصرية ان يعلن الأسد أنه لم يعد رئيس الدولة ولكن يبقى في سوريا على عرينه. ثم تاتي الأمم لتضع دستورا جديداً في سوريا تحيكه يد المعارضة الداخلية مع الخارجية مع النظام، ويجلس الجيش في ثكناته بينما يحفظ الإيراني والمصري والتركي أرض سوريا امنياً من النزاع.. كان الطائف سيولد، لولا فيتو السعودية.. فالحلقة الرابعة ما بعد التركي والمصري، ترقد في المدينة.
يروي الإيراني عن التسوية ويقول، انا مدرك أننا نتصارع في سوريا، ولكن تعالوا لنتكلم عن المرحلة المقبلة. ورشاشات العرب على يد المراهقين في سوريا، تجلب المزيد من الطائرات والمدافع.. من هنا، لا يبدو الرهان على وعي او قيادة سورية خالصة نابتة من الارض. يبدو انه في الأول وفي الآخر، سوف يكون هناك طاولة. وفي الطاولة سوف تتلوى الخطابات. وما بعد قطرات الشعر والنثر المقفى، سوف تكتب رايات لحكام جدد، باسم الصراع نفسه.
السوري الحكيم اليوم يقول شيء واحد، يبدو ان هناك إجماع دولي، على تجميع الإسلام الجهادي كله في سوريا وقصفه هناك. لا فرق من ينفذ ماذا ومن يموت. ما بعد هذه المرحلة، سوف تعاد الإستثمارات. سيأتي النفط من الشرق والمصانع من الغرب .. وستبقى النار إيرانية.
هدمت الدولة في لبنان، وهدمت الأحزاب العلمانية المقاومة، وهدم المجتمع، لكن بقيت المقاومة. تحولت لتصبح المقاومة دولة قائمة، وأكثر تنظيماً من الدولة اللبنانية. جيشها أكثر عقائدية، ونصرها اكثر إشعاعاً. إسرائيل سقطت. هكذا أحب ان أفكر. وبالافكار ستسقط أيضاً كما بالصواريخ. بقي لها أردنها.. وأردنها مرتبك. الولايات المتحدة لم تعد تلعب في "خليج فارس" على هواها، بات في راسها مشاغل.
من يدري ما مولود سوريا الغد.. عام 2013 هم عام الحسم. عام الطيران انتهى. الآن، إما يكون استقرار على قمة، أو معمودية في دم.. صدق الرحباني دائماً، اللعبة أكبر منّا يا عبد.

» كتبت غدي فرنسيس: في رنكوس وجدنا "بالوش"
» كتبت غدي فرنسيس: لولا الحدود السورية
» كتبت غدي فرنسيس: أسطورة النأي بالنفس تفضحها الوقائع اللبنانية
» كتبت غدي فرنسيس: في سوريا " قاعدة " وناشطة اميركية في مهمة سرية
» كتبت غدي فرنسيس: عن خدعة موت القاشوش ، وخُدع اخرى