الصراع العالمي...بقلم : مضر جلال خيربك

الصراع العالمي...

مضر جلال خيربك

الإنسانية ليست مجموعة من الأعراق المتصارعة على أحجامها الجغرافية ومواردها، وليست صراعاً على الروحانيات وأمجادها البائدة، ومخطئ من يظن ذلك، وعليه أن يرى منهجيات الصراع التي تدور واقعياً حول التفوق الحضاري وتجسداته العلمية والصناعية ومردودها السياسي - الاقتصادي في الصراع العالمي، وعليه رؤية الفارق بين الأجندة الفئوية المحلية، والأجندة الوطنية القومية العامة.

والوصف الحقيقي للخلل الإقليمي، يظهر بصراع القوى المحلية وأجنداتها الفئوية حول وهم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية: من أجل التنمية والتطور الحضاري، لتظهر النتيجة الحتمية: حالة فوضى وصراع دموي بين القوى الفئوية العرقية والطبقية والطائفية، يذكي ناره ويضاعف من دمويته: شيطان الإفتاء السياسي: مرشد هذه القوى الذي يُشرِّع لها المضي قُدُماً بالمناورة والتكتيك!!...

ويتكور بصميمه: تصريح تدمير وإجهاض أي إنجاز وطني مادي ومعنوي مُحرز، فالمهم لمفرزات التقيح العربي: الوصول لسدة الحكم مهما كانت النتائج والخسائر المادية منها والبشرية، ويمكن بعدها كما يتوهم: تشكيل الصيغة المجتمعية وعلاقاتها حسب برنامجه الفئوي، محللاً لنفسه حق التجربة الذي يمنحه له سراب وضعه: أغلبية حجمه الشعبي المزعوم، حتى ولو استجلبها بالرشوة، واستغل فقرها وجهلها، ولعب على المقدس الديني والوطني والمعيشي، فهو في تناقض وظلامية، يوظف لصالحه الأمراض المجتمعية التي يدعي محاربتها!!...

وقد استعانت القوى الأصولية على وطنها بالأجنبي من أجل تشريع مناورتها وتكتيكها السياسي، وإبرام الصفقات الخيانية التي تحقق أهداف الغازي الأجنبي بمعونة إقليمية، لتعزيز نفوذها على حساب حالة الاستقلال والاستقرار الأمني والسيادة الوطنية الموجودة فعلياً، ومكنت من تحديد دور واتجاه حركة هذه المواقع في الصراع بين مراكز القوة والاستعمار العالمي، وزادت من وتيرة وتسعير الصراع العالمي، بعكس الطموح المفترض لكل مسار تطور حضاري قومي هدفه المفترض: الأمن والسلام والاستقرار والوحدة والتكافؤ والاحترام القومي...

إن فارق منهجية وبرنامجية قوى (الديمقراطية المحلية) في مجتمعات مراكز القوة العالمية السياسية، عن منهجية قوى (الديمقراطية المحلية) في المجتمعات المتخلفة، يكمن في أن قوى المراكز العالمية تقرأ دورها القومي على الصعيد العالمي، في حين تقرأ القوى المحلية دورها العرقي والطبقي والطائفي على الصعيد المحلي، إذ لا تعني لها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية: سوى التفرد بالفتاوى والاقتصاد وتسريع الإثراء!!...

فقراءة المراكز الاستعمارية للمنطقة العربية، وجدت أن حجم انتشار التيار الإسلامي، يشكل العامل المشترك بين مجتمعاتها، ويمكن توظيفه لضبط اتجاه حركتها السياسية في الصراع العالمي، فسارعت لعقد الصفقات معها بعد أن ابتزتها طويلاً بكذبة العصر المتجلية بكلمة: الإرهاب!!...

وسهلت لها الانقضاض على منجزات حالة المبادرة الليبرالية في التحرك الشعبي بدءاً بتونس، وقد نجحت كثيراً واشنطن كأقوى مستعمر حالي، واستطاعت بمختلف الوسائل: دفع جماعة الأخوان المسلمين إلى السلطة، ما أثار حفيظة باقي المراكز العالمية، التي فجرت الخلافات الداخلية لتيارات القوى الإسلامية، وبالأخص ضمن جماعة الأخوان المسلمين والجماعات السلفية، إلى جانب استعار الصراع التقليدي بين القوى المذهبية الإسلامية...

والشكل الأكثر عنفاً ودموية لانعكاسات صراع المراكز العالمية على توظيف خلافات القوى الإسلامية، يتجسد في الأزمة السورية، يليها اليمن، وتتصاعد وتيرة تحوله من السلمي إلى العنيف المسلح في كل من مصر وليبيا وتونس، حيث تتشابك تفاعلات التدخلات الأجنبية المشروطة، فتعمل على تعديل أوضاع موازين القوى بين أطراف الصراع المحلي...

والكيان العبري مشترك بفاعلية كبيرة في تأجيج لهيب الصراع الدموي، يحركه العامل الحاسم والأهم: وجود تفاوت وتباين بين برنامجه الصهيوني المستقل بمصالحه المتفاوتة، وبين برامج باقي مراكز القوى العالمية في آسيا كالصين وروسيا، وفي أوروبا كألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وأخيراً واشنطن...

إن طريق بني صهيون لتحقيق ذلك، يعتمد على المناورة بعدة اتجاهات ومسارات تتقاطع عند نقطة تعزيز استقلال قراره السياسي عن قرارات هذه المراكز، من خلال إشغالها بقضايا إقليمية تضعف انتباهها، للاستفراد بتحديد مصير القومية الفلسطينية، وإضعاف قدرة الدول الإقليمية على مواجهة التفوق الصهيوني، عبر اللعب على وتيرة تناقضاتها الداخلية وتفعيلها!!...

تحقيق هذا الهدف، بات يشكل شرط بناء صيغة المشروع القومي الصهيوني، وأصبح الملهم الأيديولوجي الروحاني الذي يعزز بقوة الاتجاه اليميني وبرنامجيته العنصرية الانحلالية في المجتمع الإسرائيلي، فنتنياهو وليبرمان سيكونان معتدلين جداً مقارنة بما سيفرزه الاتجاه الإسرائيلي المتشدد مستقبلاً من رموز وإدارات سياسية.

إن وعياً مجتمعياً له مطالب سياسية لا يعلم مكونها وسقفها وهوامشها، غير قادر على الانتصار، ولو سُئل أبواق الإصلاح السياسي المزعوم الجدد، عن كيفية التجسيد العملي لمقولة العدالة الاجتماعية: لعجزوا عن الإجابة، وكذلك الأمر بالنسبة لمساحة الديمقراطية التي يطالبون بممارستها، حيث تختلط بعقولهم مفاهيم المساواة ومفاهيم الانفتاح الليبرالي!!...

فنجاح العم سام بتعزيز هيمنته على المنطقة عبر تعزيز علاقته بالإخوان المسلمين، دفعت بالصين وروسيا لتعزيز مساندتهم للأنظمة الرسمية، ودفعت بتل أبيب لتعزيز دور ومهام الجماعات السلفية، إذ ليس مهماً لهذه المراكز، مستوى دموية وسلمية الصراع بين القوى المحلية، بل المهم أين يحصل، ولمصلحة من تكون نتائجه!!...

ملفات أزمات المنطقة تستحضر كل مستويات الصراع هذه، وتستدعي منها توظيف إمكانياتها لتحديد نتائجه، فبذخ المال في المعارك الانتخابية: مصر، والتهديد السياسي بتقسيم المجتمع طائفياً وعرقياً: سوريا، كما التهديد العبري بإعادة ملف سيناء للأضواء، وتسليح القوى المتصارعة: ليبيا، هي وسائل وأساليب وإمكانيات صراع عالمي، ينتج عنه إعادة تمكين قوى التخلف والرجعية من تقرير مصير مجتمعات المنطقة، وأصبح ضرورياً تبلور أجندات قومية وطنية استقلالية سيادية تطيح ببرامج القوى الأصولية الراهنة: أشواك الجحيم العربي المرسوم بيد ماسونية عالمية...

» باب الحارة!!!!! بقلم : مضر جلال خيربك
» كلمة حق ...بقلم : مضر جلال خيربك
» عيد شهيد!!... بقلم : مضر جلال خيربك
» نظام الفوترة... (1)..بقلم: مضر جلال خيربك
» سلخ لواء الاسكندرون... (1) بقلم: مضر جلال خيربك