هل تفلح "رسائل" القوى الإقليمية والدولية بوضع "الأزمة السورية" على سكة السياسة مجدداً؟ (2)

هل تفلح "رسائل" القوى الإقليمية والدولية بوضع "الأزمة السورية" على سكة السياسة مجدداً؟ (2)

[rtl]
(فراس عدره )
في الجزء الأول من هذا الملف تحدثنا عن مجمل الرسائل (الإقليمية - العربية) المتبادلة مؤخراً بين الأطراف المعنية في الأزمة السورية، وطرحنا في نهايته تساؤلاً حول قدرة دولة الإمارات بإحداث خرق في جدار التصلب السعودي من النظام السوري، وقبل الخوض في الإجابة على ذلك، لنعرّج سريعاً على "بنك" أهداف التحالف الدولي للقضاء على "داعش".

كان لافتاً لنظر المراقبين أن يقصف التحالف الدولي أهدافاً تتبع لـ"جبهة النصرة" في أول يومٍ من بدء غاراته في سوريا، وهو الأمر الذي أثار استهجان كثيرين، فالنصرة ليست "داعش" بأية حالٍ من الأحوال، أقله أنها – وحتى ذلك الوقت – لم توجه بندقيتها لغير النظام إلا في حوادث ليست بذي بال، فما الذي حصل بعد ذلك؟

قبل أن يتحول استهجان قصف التحالف لـ"النصرة" لانتقاداتٍ تصيب التحالف نفسه وتتهمه بالتخبط على الأقل، بدأت "جبهة النصرة" وبصورةٍ مفاجئة بالاشتباك - غير المبرر – مع أكثر تشكيلات "الجيش الحر" اعتدالاً حسب وصف المعارضة، ومنذ أيام قليلة حاصرت قرية جمال معروف قائد جبهة ثوار سوريا ونالت منه، كما اشتبكت مع حركة "حزم" وهي من أكثر مجموعات الجيش الحر "اعتدالاً" والتي اشتهرت بعد نيلها ثقة واشنطن وحصولها منها على أسلحة نوعية أبرزها صواريخ "تاو" المضادة للدروع. وهو الأمر الذي يفرض التساؤل عن حقيقة ما يجري على الأرض؟

يعتقد بعض المراقبين أن قصف "التحالف الدولي" لـ"جبهة النصرة" كان مقصوداً، ومواقعها ضمن بنك أهداف طائرات التحالف على قدرٍ من المساواة مع تنظيم "داعش"، ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك حين يرى أن اشتباك "النصرة" اللاحق مع أكثر تشكيلات الحر اعتدالاً كان فخّاً وقعت الجبهة فيه حتى تقدّم للتحالف مبرر قصفها على طبقٍ من ذهب، لكن من الذي أوقع "جبهة النصرة" بهذا الفخ، ولماذا يقصف التحالف هذا الفصيل المسلح وهو أحد أشرس أعداء "النظام السوري"؟

أصابع الاتهام بتحريك "جبهة النصرة" ضد فصائل الجيش الحر وجهت سريعاً نحو "قطر" (الاتهام هذا مبني على فرضية سيطرة قطر على الجبهة من خلال التمويل وهو ما يشير إليه كثير من الصفقات منها صفقة الإفراج عن راهبات معلولا أو انسحاب "النصرة" من جبهة القلمون) التي وجهت – حسب كثيرين - بعض أكثر عناصر الجبهة تشدداً لتحريك الجبهات الساكنة مع أكثر الفصائل اعتدالاً من الجيش الحر، ليسقط لاحقاً أي حرج للتحالف حين ينوي بالفعل تدمير "جبهة النصرة". ويبقى السؤال: لماذا؟ ولصالح من يدمر التحالف الدولي فصيلاً يحارب "النظام السوري"؟

للإجابة على هذا السؤال المفصلي نصل بالحديث عن الرسائل التي تبادلتها القوى الإقليمية والدولية المعنية بحل الأزمة السورية، والتي تشير بصورةٍ أو أخرى إلى محاولات إعادة تسويق "النظام السوري".

لقد أعلنت أمريكا منذ بدء تشكيلها للتحالف الدولي أنه لن يكون من أهداف التحالف "إسقاط النظام السوري"، تزامن ذلك مع بدء الروس حملة دبلوماسية واسعة حملت في طياتها بذور دعوة جديدة لمؤتمر جنيف جديد، وكان آخر ما صرح به وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وصفه استبعاد إيران والسعودية عن المفاوضات حول سوريا بـ"الخطأ الفادح".

بالتأكيد لافروف يعني بالخطأ هو "استبعاد إيران" وليس السعودية، فهو أكثر من يعلم أن السعودية ستشارك في أية مفاوضات مزمعة، سواء أرفضت روسيا أم قبلت بذلك، لكن ما الجديد في جعبة "إيران" لحل الأزمة السورية حتى يصر لافروف على حضورها؟

في حقيقة الأمر، قد لا يكون هناك من جديد، فلطالما روّجت إيران لحل الأزمة السورية على أساس إبقاء النظام السوري، وهو ما اصطدم باستمرار بمعارضة أطراف إقليمية ودولية، إلا أن الروس يسعون هذه المرة إلى تعديل كفّة الصفقة التي قد تتفق عليها الأطراف الدولية، وذلك بإشراك ملفات إيران على طاولة البحث وليس إيران بالذات، فإيران - كما بات الجميع يعلم – جزء من المشكلة السورية وليس الحل، إنما الملفات الشائكة التي تحملها (من الملف النووي إلى ملف أمن الخليج) قد يفلح في تعديل المزاج الدولي حيال النظام السوري نفسه.

لكن ماذا عن تركيا (التي اشتبكت مؤخراً إعلاميّاً مع إيران حين تبادلت الاتهامات وعلى أعلى مستوى سياسي في البلدين في تعقيد الأزمة السورية)؟ تركيا التي أعلن رئيسها صراحةً عن رفض بلاده للمشاركة في التحالف الدولي إذا ما حقق التحالف رغباته التي يتمثل أبرزها في إسقاط النظام السوري وإقامة "منطقة آمنة" – حسب إصرار الأتراك على التسمية تمييزاً لها عن المنطقة العازلة التي تتطلب الرجوع إلى مجلس الأمن لتحقيقها -، هل ترضى تركيا بإشراك إيران في مفاوضات الحل السوري، وبالتالي سكوتها عن بقاء النظام إذا ما توافق المزاج الدولي مع هذه الرؤية؟

لتركيا مطالب تكتيكية وأخرى إستراتيجية من الغرب عموماً ومن الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، المطالب التكتيكية يتمثل أبرزها في مساعدة تركيا في تحمل أعباء اللاجئين السوريين الذين ناهز عددهم المليون ونصف، وهو ما يستطيع تلبيته الغرب لكنه لا زال يسوف فيه لزيادة الضغط على تركيا، ولو نحن استفضنا في هذه الجزئية قليلاً، لكان لافتاً موافقة تركيا على مساعدة الغرب في منع تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا مقابل سماح الاتحاد الأوروبي للمواطنين الأتراك بالتجول في دول الاتحاد في فترةٍ أقصاها عامين، ومن هنا ننتقل إلى المطلب الاستراتيجي التركي الأبرز وهو انضمامها للاتحاد الأوروبي والذي طالما داعب مخيلة الأتراك منذ فترة الحرب الباردة، فهل يفلح الغرب بإقناع تركيا بالسكوت عن النظام في حال موافقته على ضم تركيا للاتحاد الأوروبي؟

كل الاحتمالات لا تزال واردة. ولو نحن عدنا إلى ثنائية (ثورة/ مؤامرة) التي تحدثنا عنها لاختزال احتمالات الحل السياسي المزمع بخياري (بقاء النظام/ وإسقاطه) لكان الأمر أيسر من ناحية رصد الحراك الحاصل على الأقل.

ففي الوقت الحالي هناك زيارة مزمعة لوزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى موسكو، وهي زيارة تعيد إلى الذاكرة صفقة الكيماوي الشهيرة قبل نحو ما يربو على العام بقليل. فهل يعيد التاريخ نفسه بمفاجئة جديدة من قبيل تنازل كبير يقدم عليه النظام السوري على أرض حلفائه الروس؟

كثيرٌ من المراقبين يرى إمكانية حصول ذلك، فالأمور تقترب كثيراً من الحسم ولو بدا عكس ذلك، وكنا قد أشرنا في بداية هذا الجزء إلى تحركات غريبة تجري على أرض المعركة في سوريا من ناحية ضرب التحالف الدولي لـ"جبهة النصرة"، وهو يعزز احتمالية قرار مبيت اتخذته القوى الكبرى لتصفية رافضي الحل السياسي، أو لنقل رافضي فكرة "تقديم تنازلات" حتى تركب "أزمة القرن" سكة السياسة مجدداً..[/rtl]

» هل تفلح "رسائل" القوى الإقليمية والدولية بوضع "الأزمة السورية" على سكة السياسة مجدداً؟ (1)
» "الغارديان": حل الأزمة السورية بعد الاعتراف بمصالح القوى الإقليمية
» خالد العبود : بعض القوى الإقليمية والدولية لا تريد إحلال هدنة في سوريا
» «نيويورك تايمز»: تحوّل في السياسة الأميركية لإنهاء الأزمة في سورية
» رسائل ردع أم استفزاز ؟ طائرة حيفا وصدى الأزمة السورية ...ابراهيم الامين