هل تفلح "رسائل" القوى الإقليمية والدولية بوضع "الأزمة السورية" على سكة السياسة مجدداً؟ (1)

هل تفلح "رسائل" القوى الإقليمية والدولية بوضع "الأزمة السورية" على سكة السياسة مجدداً؟ (1)

[rtl]
(فراس عدره)
بعد مرور نحو أربع سنواتٍ على انطلاقة شرارة "الثورة" في سوريا، لا زالت "الأزمة السورية" تراوح على حبال الجدل بين من يرى فيها "مؤامرة" غربية دمرت البلاد وآخر يراها "حقاً مشروعاً" لشعبٍ استعاد إرادته من قبضة "الديكتاتورية البعثية"، وبين هذا وذاك، ومع دخول الأزمة منعطفاً حادّاً متمثلاً بـ"تورط" الغرب في محاربة "الإرهاب الداعشي" والذي قضم ما يعادل ثلث الجغرافية السورية فضلاً عن ما يعادلها من العراق، عادت بعض الأطراف الإقليمية والدولية لتنفض الغبار مجدداً عن مبادراتٍ سياسيّة – قد تبدو جادة - لحل الأزمة، وتصاحب ذلك مع تبادلٍ علني وغير مسبوق للرسائل بين معظم هذه الأطراف، فهل ترسي هذه الرسائل المتبادلة "خارطة طريق" حقيقية للحل في سوريا؟ أم أن الحل السياسي لا زال بعيد المنال وما تلعبه هذه الرسائل السياسية المتبادلة من دور لا يتعدى إعلان مواقف لنفض اليد لاحقاً من تبعات ما بات يوصف بـ"أزمة القرن"؟

يتمحور معظم الجدل الدائر اليوم بين الأطراف المعنية بإيجاد حل للأزمة السورية حول ماهية "الأزمة السورية" ذاتها. ويمكن اختزال هذا الجدل بثنائية (ثورة/ مؤامرة)، فمن يرى بهذه الأزمة "ثورة" لا يزال مصرّاً على إسقاط النظام السوري بكامل رموزه التي تعتبر برأيه "متورطة" بالدم السوري، ومن يرى فيها العكس، أي مؤامرة، لا يجد مانعاً من الحفاظ على النظام – خاصةً منصب الرئاسة – مع تسهيل تولي المعارضة بعض المناصب الحكومية والعسكرية، وبين هذا وذاك يبرز خيار العودة إلى جنيف شريطة البدء من الصفر مع تغيير الوسيط، وهنا كان لافتاً مؤخراً ترجيح عدة مصادر لأن يلعب دور الوسيط هذه المرة "دولة الإمارات العربية المتحدة"، ومن هذا الترجيح نبدأ بالإشارة لبعض الرسائل العلنية المتبادلة بين معظم الأطراف.

فخلال لقائه بقناة "الآن"، التي تبث من الإمارات، امتدح الفريق ضاحي خلفان، قائد عام شرطة دبي السابق، وعضو المجلس التنفيذي في حكومة دبي، الرئيس السوري "بشار الأسد"، واصفاً إياه بـ"الرجل الطيب الذي كان يريد إصلاح بلده سوريا"، ولم يفته أثناء الحلقة وصف "الربيع العربي" بكامله بأنه "الربيع الإسرائيلي"، كما أكد أن "الثورات السنية في العراق وسوريا تهدف إلى تقسيم سوريا لتلتحق بالعراق".

لم يسبق لمسؤول إماراتي الحديث عن الأزمة السورية خلال السنوات الماضية بهذه الطريقة أبداً، ويعتبر خلفان أحد أرفع المسؤولين الإماراتيين، فضلاً عن كونه شخصية عالمية لها وزنها في الأوساط السياسية رفيعة المستوى، وحديثه عن سوريا – والنظام السوري – بهذه الطريقة يوحي بما لا يترك مجالاً للشك أن للإمارات دور قادم في طرح حل سياسي للأزمة السورية، خصوصاً مع فشل كلا الدورين "السعودي والقطري" مع الأخذ بعين الاعتبار طبعاً الفروق بينهما.

ومع تركيز خلفان بالمقابلة نفسها على "مصر– السيسي"، حين توقع لها "مستقبل مزدهر وقيادة ناجحة وعودة الارتباط بينها وبين دول الخليج، خاصةً في تلاحم عربي قومي جديد يقف متصدياً لكل المحاولات لتقسيم ما تبقى من الوطن العربي"، وفق تعبير خلفان نفسه في مقابلته على شاشة "الآن"، نعود للحديث عن مزيد من الرسائل المتبادلة بين الأطراف وهذه المرّة من على "الجبهة المصرية"، إن جاز التعبير.

كثر حديث وكالات الأنباء مؤخراً عن دور مصري لحل الأزمة السورية، لكن ما هي ماهية هذا الدور؟ هذا ما كشفه نعوم سركيس في مقاله في جريدة "النهار" اللبنانية حين كتب يقول: "الرئيس (السوري) بشار الأسد، الذي يسعى باتصالاته الدبلوماسية مع (مصر) إلى إقناعها بالتوسط لدى السعودية (حليفتها) الكبرى حالياً، لتعديل موقفها المتشدّد منه ومن نظامه، وهي اتصالات موثقة. وهو يحاول الإيحاء في اتصالاته بوجود خلافات أساسية بينه وبين إيران، وخصوصاً حول دور الدين في الدولة والنظام. علماً بأن تجاوب مصر حالياً قد يكون مستبعداً". انتهى كلام الكاتب نعوم سركيس.

لنرجع قليلاً إلى الأعلى ونعيد ترتيب ما يحصل، هناك دور إماراتي مقبل لحل الأزمة السورية – وبالمناسبة هو مدعوم من قوى دولية كبرى وبالذات روسيا وأمريكا -. والإمارات (حليفة كل من السعودية ومصر) تقوم بإرسال رسالة علنيّة على لسان أبرز رجالات استخباراتها ضاحي خلفان عن دور مصري محوري "في تلاحم عربي قومي جديد يقف متصدياً لكل المحاولات لتقسيم ما تبقى من الوطن العربي"، و"مصر – السيسي" كما هو معروف حليف قوي وبارز للسعودية.. وسط كل هذا يأتي الكاتب نعوم سركيس ليكشف عن اتصالات يصفها بـ"الموثقة" عن محاولات الرئيس بشار الأسد لتوسيط مصر بينه وبين السعودية لتعديل موقفها المتشدد من نظامه، أي بما يعني لتتنازل عن مطلبها المحوري بـ"إسقاط النظام السوري" بكامل رموزه، حتى تركب "الأزمة السورية" سكّة السياسة وتذهب إلى مؤتمر جنيف، فكيف جاء جواب المملكة على مجمل هذه الرسائل؟

جواب السعودية جاء سريعاً وحاداً من صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، وتحديداً على لسان الكاتب عبد الرحمن الراشد الذي أفرد مقالاً له تحت عنوان "هل من وساطة مصرية لبشار الأسد؟" للرد على ما كشفه سركيس من محاولاتٍ لتوسط مصر بإنقاذ النظام السوري.

يقول الراشد في مقاله: "استعانة الأسد بالقاهرة تؤكد كل ما لدينا من معلومات؛ إنه يعيش أسوأ مراحله منذ قيام الثورة في مطلع عام 2011. فهل فعلاً هو على خلاف مع الإيرانيين؟ وهل القيادة المصرية مستعدة للتوسط لإنقاذ أسوأ ديكتاتور عرفته المنطقة في مائة عام؟ وهل يعقل أن تقبل السعودية أن تعيد العلاقة معه؟"، يتصدى الراشد بنفسه للإجابة عن أسئلته بتوكيده: "من المستحيل أن ترضى السعودية بعقد صفقة، مهما كان الوسيط وكان عرض الوساطة، لأسباب من بينها أن هناك ربع مليون إنسان قتلهم النظام، أمر لا يمكن أن يغتفر، مهما كانت توبة الأسد. وثانيا، لقد أصبح الصراع أكبر من الأسد. ولا أستبعد أن يلجأ الرئيس السوري، المحاصر في الزاوية، إلى مصر طلباً لشفاعتها وفك الحبل عن رقبته، إنما من المستبعد تماماً أن تجد رغبته صدى في الرياض".

ويضيف الراشد قاطعاً الطريق على أية مبادرة مصرية تصب في إطار إنقاذ الأسد: "في المملكة رأي عام مطابق لموقف الحكومة، وحاد جداً، يستحيل أن يقبل بمصالحة مع الأسد الذي يعتبره أبشع حاكم عرفته المنطقة في تاريخها. وبالتالي لا بد من القول إن على الأسد أن ينسى فكرة المصالحة، وأن يسلك الطريق الوحيد أمامه، أن يحزم حقيبته ويرحل إلى موسكو أو طهران. وبإمكان مصر، إن كانت تشعر بشيء نحوه أو تريد مقايضته، أن تمنحه إقامة في واحد من بيوت الضيافة العديدة، مع أن ذلك سيغضب الكثيرين". انتهى كلام الراشد.

وبرأينا كلام الراشد أنهى المبادرة "المصرية" نفسها – إن كانت قد وجدت أصلاً –، لكن الذي لم ينته هو الدور الإماراتي بالمسألة، فكيف يمكن أن تلتف الإمارات – المدعومة كما قلنا دولياً - على الموقف السعودي الرافض لفكرة التغاضي عن بقاء الأسد؟ هذا ما سنناقشه في الجزء الثاني من الملف مع مزيدٍ من إلقاء الضوء على رسائل أخرى تبادلتها القوى الدولية هذه المرة على طريق إيجاد حل لـ"أزمة القرن".[/rtl]

» هل تفلح "رسائل" القوى الإقليمية والدولية بوضع "الأزمة السورية" على سكة السياسة مجدداً؟ (2)
» "الغارديان": حل الأزمة السورية بعد الاعتراف بمصالح القوى الإقليمية
» خالد العبود : بعض القوى الإقليمية والدولية لا تريد إحلال هدنة في سوريا
» «نيويورك تايمز»: تحوّل في السياسة الأميركية لإنهاء الأزمة في سورية
» رسائل ردع أم استفزاز ؟ طائرة حيفا وصدى الأزمة السورية ...ابراهيم الامين