«المأزق» السعودي عجّل في الصراع على «جلد الدبّ» قبل اصطياده

«المأزق» السعودي عجّل في الصراع على «جلد الدبّ» قبل اصطياده

«المأزق» السعودي عجّل في الصراع على «جلد الدبّ» قبل اصطياده

ابراهيم ناصرالدين
ثمة فرصة أخيرة للدول الاقليمية الراعية لقوى 14 آذار لتقليل الخسائر على الساحة اللبنانية من خلال قبول عرض الطرف الآخر بالشركة الحكومية والاتفاق على رئيس جديد للجمهورية يدير الازمة الراهنة والمرشحة للاستمرار في المدى المنظور. أما الاكثار من «الدلع» والمراوغة والرهان على احداث امنية قد تغير الوقائع فهو مجرد «وهم» بحسب اوساط في فريق 8 آذار لن يؤدي سوى الى مزيد من الخسائر غير المنظورة. وخلاصة المشهد السياسي اللبناني اليوم يمكن اختصارها باسترجاع كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل اسابيع الذي قال فيه للفريق الآخر «اقبلوا اليوم بما هو معروض عليكم لانه قد لا يكون متاحا في المستقبل». فهل وصلت القوى اللبنانية المناهضة لحزب الله ورعاتها الاقليميين الى هذه القناعة؟ أم سيدفع هذا الفريق ثمن القرارات والحسابات الخاطئة مجددا؟
الاوساط تشير الى وجود قناعة تامة لدى هؤلاء بان الامور تذهب نحو الاسوإ بالنسبة الى رهاناتهم في المنطقة، والدليل الابرز على ذلك هو الخطوة «الانتحارية» المتمثلة بقرار المواجهة بين «المجموعات المسلحة» السورية. فهذا القرار المتخذ «بضوء اخضر» سعودي، وهو قرار «المضطر»، جاء في توقيت خاطىء بعد ان فقدت المعارضة السورية «المعتدلة» اي فرصة بتأدية دور جوهري في مسارالاحداث على الارض. هذه المعارضة دفعت ثمن القرار الخاطىء الاول للدول المناهضة لمحور المقاومة، عندما ظنت ان استخدام «التكفيريين» سيؤتي بثمار سريعة وسيؤدي الى انهيار النظام، ثم تجري تصفية حساب سريعة مع هؤلاء ويتم التخلص منهم من قبل النظام الجديد. لكن «الوحش» خرج عن السيطرة، النظام لم يسقط، وبات الرعاة الاقليميون في مازق بعد ان فقدوا القدرة على تسويق «الثورة» السورية لدى الغرب، فكان القرار المتسرع بالمواجهة لتقليل الخسائر.
وبحسب تلك الاوساط، فان ثمة رهاناً على الوقت ستخسره السعودية هذه المرة ايضا، فالحديث عن امكانية تصفية «داعش» على يد «الجبهة الاسلامية»، لا يبدو انه بالامر السهل، وتشير الوقائع الى ان من اتخذ هذا القرار سيدفع ثمنا باهظا خلال الاسابيع المقبلة، لان استمرار المعارك دون تمكن اي من الجانبين في حسمها سيؤدي الى حرب استنزاف لقدراتهما، وسيكون الجيش السوري اكثر المستفيدين منها. فطول فترة الصراع ستستغلها القيادة العسكرية السورية، المنهمكة حاليا، في وضع الخطط الآيلة لملء الفراغ واستعادة مناطق المعارضة في التوقيت المناسب. وهذا يعني ان هذه الحرب لن تنتهي «بتلميع» صورة «جبهة النصرة» او «الجبهة الاسلامية»، كبديل عن تطرف «داعش»، لاستخدامها ورقة رابحة على «طاولة المفاوضات»، وانما ستنتهي بخسارة مدوية لتلك التنظيمات التي دخلت في صراع على «جلد الدب» قبل اصطياده.
واذا كانت ما تدعيه الدول الداعمة للمجموعات المسلحة السورية بان «داعش» هو تنظيم من ابتكار النظام السوري وطهران، فهذا يصب ايضاً بحسب الاوساط في خانة ارباح هذا المعسكر ولا يمكن ان يكون نقطة سلبية، فما يحصل حرب لن تغير من وقائعها الميدانية حملات اعلامية كانت مفيدة عند بدء الازمة قبل ثلاث سنوات، اما اليوم فلا صوت يعلو على صوت المعركة التي لا تخاض بأبعاد تكتيكية فقط بل ببعد استراتيجي بعيد المدى، ومن لا يرى في جولات وزير الخارجية الأميركي جون كيري المكوكية الى الدول العربية والبلدان المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط ولادة شبح نظام سياسيّ جديد يذكر بما أفضى اليه اجتماع يالطا في شباط 1945 الذي اتفقت فيه الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وبريطانيا على تقاسم أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، فهو لا يفقه في علم السياسة شيئا.
وهنا تكمن في رأي تلك الاوساط، «الطامة» الكبرى بالنسبة الى المعسكر الذي تقوده المملكة العربية السعودية، خصوصا انها اختبرت قبل أشهر من اليوم جدية الولايات المتحدة في التدخل لحماية حلفائها في المنطقة وتبين لها من خلال النموذج المصري ان واشنطن اتخذت قرارا جديا بعدم التدخل لفرض اجندتها حتى لو ادى ذلك لخسارة رهاناتها، وربما من المفيد التذكير هنا بما دار في اللقاء الأخير بين الفريق عبد الفتاح السيسي والرئيس المصري المخلوع محمد مرسي عندما قال السيسي: انتهى الأمر اعتبر نفسك موقوفا، فرد مرسي يومذاك : لكن الأميركيين لن يسمحوا لك بذلك. وتبين لاحقا ان وعود الاميركيين «للاخوان» ذهبت ادراج الرياح، وتحرك السيسي بـ«ضوء اخضر» سعودي وقلب الاوضاع في مصر «رأسا» على عقب.
لكن ما ربحته السعودية «مرحليا» في مصر تعرف جيدا انها خسرته في سوريا، تضيف الاوساط فهي تعرف جيدا ان كل ما يحكى عن مؤتمر «جنيف 2» في الاعلام مجرد «فقاقيع صابون»، وهي باتت مقتنعة انه تحول الى مهرجان دولي لترميم شرعية الرئيس بشار الأسد، بعد ان تحول الاميركيين الى شهود للزور، فيما الدول الداعمة لدمشق، وعلى رأسها روسيا وإيران والصين، تراهن على رفض المعارضة السورية المشاركة في المؤتمر من أجل تحميلها مسؤولية افشاله. وحتى الرهان على استبعاد ايران من مؤتمر جنيف2 لم يعد بالامكان تصنيفه على انه اضعاف لدور طهران، فالجمهورية الإسلامية رفضت الموافقة الصريحة على مرجعية «جنيف-2» وأهدافه المعلنة، أي تنفيذ بيان «جنيف-1». وثمة من يعتقد ان طهران ليست مستاءة من عدم مشاركتها في المؤتمر وما يهمها هو القناة الخلفية للمفاوضات حيث تؤدي دورا محوريا ومركزيا بعيدا عن الشكليات التي لن تقدم او تؤخر في طبيعة الدور الايراني الفاعل.
وبحسب تلك الاوساط، فان المشكلة بالنسبة الى الرياض أن تراجع الأميركيين وصل إلى حد انهم تخلوا عن كل مواقفهم السابقة تجاه الرئيس الأسد، وأتجاه المعارضة السورية التي لم يكتفوا بإيقاف دعمهم لها بل وباتوا لا يراهنون على أي دور فعلي لها في حاضر سوريا ولا في مستقبلها وبالتالي فإنهم، أي الأميركيين، كما يعتقد السعوديون سيؤيدون، في حال انعقاد هذا المؤتمر معادلة تقول إن الأولوية لم تعد لإزاحة الأسد وإنما للقضاء على الإرهاب، وباتت المعادلة «إما الإرهاب وإما الأسد». ويعرف السعوديون جيدا أن الرئيس السوري بشار الأسد، وخصوصا بعد اتفاقية التخلص من أسلحته الكيمائية، لم يعد مكترثا باتفاق »جنيف 1« ولا بقرار مجلس الأمن الدولي، الذي صوت عليه الروس والصينيون إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وهو بعد نجاحه في احتواء هذه الأزمة لم يعد على استعداد لتقديم أكثر من بعض التغييرات الشكلية.
لكن القلق السعودي الحقيقي تقول الاوساط نفسها يكمن في قناعة باتت راسخة لدى القيادات في الرياض، بان الولايات المتحدة ودولاً أوروبية باتت تنظر الى حزب الله والنظام في دمشق وطهران بأنهم حلفاء الأمر الواقع في مكافحة الإرهاب «التكفيري»، وهذا الامر سيرسخ الشركة مع الأقطاب الثلاثة في هذه الحرب. وجاء قرار الولايات بإرسال أسلحة إلى الحكومة العراقية التي تساند النظام السوري يعني أنها اختارت الوقوف إلى جانب هذا «المحور»، وفي المقابل اوقف الاميركيون المساعدات العسكرية لمصر، وللمعارضة السورية، ولم يصدر أي بيان عن الخارجية الأميركية يدعو المالكي إلى تغيير سياسته، بل قال جون كيري ستساعد المالكي في مواجهة «القاعدة» وهناك قرار سيصدر خلال الساعات المقبلة بتزويد الجيش العراقي مروحيات «اباتشي».
هذه «الرؤية» السعودية سواء كانت مطابقة للواقع او تحمل شيئا من «المبالغة» لكنها تشير بوضوح الى وجود «مأزق» حقيقي يبرر «التخبط» في القرارات المرتبطة بالملفات التي تشرف عليها المملكة، ومنها الملف اللبناني الذي سيكون في الساعات القليلة المقبلة امام اختبار جدي لقدرة القيادة السياسية والامنية السعودية على اتخاذ القرارات الصائبة وعدم تكرار «الخطيئة» السورية على الساحة اللبنانية لما لهذا الامر من نتائج مكلفة وغير محدودة في الزمان والمكان.

» الصراع السعودي ـ القطري ينتقل إلى حوران
» الجبهة الاسلامية ضحية الصراع السعودي - القطري
» «الغارديان»: الصراع داخل القصر السعودي انتقل إلى العلن
» ما خلفية الصراع الخليجي والتظاهر السعودي بمحاربة الارهاب ؟ !
» حقيقة الصراع السعودي-القطري بعيون المعارضين السوريين!