سورية إلى أين ؟:د. حسن أحمد حسن

سورية إلى أين ؟

د. حسن أحمد حسن

من حق كل مهتم بالشأن السياسي وقضايا الأمن والاستقرار الدوليين أن يتساءل: إلى أين تتجه الأمور في سورية؟ وهل تترك أمريكا وزبانيتها السوريين وشانهم، أم أن الأطراف المشتركة في العدوان على سورية ستفعل المستحيل إن أمكنها ذلك لمنع أبناء سورية من اقتلاع أشواكهم بشكل ذاتي، لأن ما أنفق من مال وسلاح وجهود إعلامية واقتصادية ودبلوماسية تجعل المتورطين بسفك الدم السوري أكثر إصراراً على إحكام الطوق على سورية ومحاولة تفتيتها بشتى السبل لأن خروج سورية سليمة من هذه الحرب التي لم يعرف لهل التاريخ مثيلاً يعني انهيار أنظمة إقليمية وتغير موازين القوى الدولية بشكل يترك آثاره المباشرة على العلاقات الدولية برمتها، فما يحدث في سورية بتداعياته و مفرزاته لم يعد شأناً سورياً داخلياً ، بل أصبح هاجساً إقليمياً ودولياً،و نتائج المواجهة في هذا البلد المتمتع بموقع جيو استراتيجي ستترك آثارها المباشرة وغير المباشرة على الجميع وقد تكون تلك الآثار ذات مفعول رجعي كما هو الحال في مصر التي تشهد ثورة مضادة تحاول استعادة ألق الثورة المصرية التي استطاع الإخوان المسلمون مصادرتها لمصلحتهم وإقصاء جميع القوى الفاعلة التي كانت صاحبة الفضل الأول في إسقاط حسني مبارك مع الحفاظ على السياسات التي كان يتبعها وتجاوزها أحياناً بما يتناقض والأهداف الحقيقية التي رفعتها ثورة /25/ يناير في مصر بداية انطلاقتها.

فإلى أين تتجه الأمور في سورية؟ وهل يعقل أن تتخلى إدارة أوباما عمن عملوا تحت عباءتها، وأخذوا على عاتقهم مسؤولية إسقاط النظام في سورية، أم أنها ستجد لهم مخرجاً يحافظ على دورهم الجديد بعد انكماشه جراء الإخفاق في إسقاط سورية وتفتيتها؟ وقبل هذا أو ذاك إلى متى يستطيع الجيش النظامي الصمود والحفاظ على بنيته التنظيمية وقوته النارية والقتالية في مواجهة الآلاف الذين تم تجنيدهم من الخارج فضلاً عن عشرات الآلاف من المنشقين وحملة السلاح في الداخل السوري؟ ولماذا لم يتمكن أولئك من اقتطاع أية محافظة أو منطقة من الأرض السورية وإعلان سيطرتهم المطلقة عليها على الرغم من تزويدهم بشتى أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة والمتوسطة, فضلاً عن الدعم المالي واللوجستي المتدفق من دول الخليج عبر تركيا وغيرها من دول الجوار؟ وهل يعقل أن روسيا تجري مناورات عسكرية في البحر المتوسط والأسود وهي الأضخم من نوعها من دون موافقة أمريكية؟ وكيف يمكن تفسير الغارة الإسرائيلية على مركز البحوث العلمية في منطقة جمرايا بريف دمشق؟ وهل يرد الجيش العربي السوري بشكل مباشر، أم أن تسوية ملفات المنطقة كرزمة واحدة قد نضجت، وما يتم منذ أسابيع ليس أكثر من عملية تدوير للزوايا الحادة التي لم تعد صالحة للاستخدام في عصر الأقطاب المتعددة؟

أسئلة كثيرة متشعبة، ولا يمكن تقديم إجابة قاطعة على أي منها، إلا أن متابعة الحراك السياسي والدبلوماسي إقليمياً ودولياً، وتقاطع دلالات ذلك مع نتائج المواجهات الميدانية بين الميليشيات الخليجية ـ التركية وعصابات القتل والإجرام من قاعدة ووهابيين وإخوان مسلمين ومرتزقة من جهة وبين الجيش العربي السوري وبقية أبناء سورية الأوفياء من جهة ثانية تؤكد جملة من المعطيات الغنية بالدلالات والمعاني, ومنها:

1- عجز المعارضة السورية عن تشكيل إطار سياسي يجمعها تحت برنامج محدد يعبر عن تطلعات الشعب السوري، وخشية تلك العارضات بعناوينها ومسمياتها المختلفة أن تكون واشنطن قد تيقنت من عجز الجميع عن إنجاز شيء يمكن البناء عليه في الداخل السوري، ولذا قررت التخلي عنهم دفعة واحدة، وما تعديل مجلس اسطنبول بمجلس الائتلاف الوطني الذي أعلن في الدوحة إلا دليل على الامتعاض الأمريكي من أداء المعارضة، كما أن تصريحات وزير الخارجية الفرنسي /فابيوس/ عشية انعقاد مؤتمر باريس وما نجم عن هذا المؤتمر يشير إلى تراجع الدعم الدولي لمجلس الائتلاف، ويدل على أدائه المتعثر الذي لا يشجع على المراهنة عليه: كما أن قيام الكيان الصهيوني بشن غارة جوية على مركز البحوث العلمية يؤكد قناعة حكام تل أبيب بعجز الوكلاء مما استدعى تدخل الأصيل بشكل مباشر.

2- ارتفاع حدة التصريحات الروسية وإجراء مناورات غير مسبوقة يؤكد ازدياد النفوذ الروسي في المنطقة، وقد يكون جرى الاتفاق على تقاسم مناطق النفوذ في العالم بين الروس والأمريكيين, بما لا يثير حفيظة القوى الصاعدة وفي مقدمتها الصين وإيران ودول البريكس وسورية بطبيعة الحال لأنها الرحم التي وفرت البيئة الإستراتيجية لكل التداعيات الحالية والمستقبلية، وهذا يعني ترك المعارضات السورية الهزيلة ومن دعمها بلا غطاء، مما يلزم فرنسا وتركيا ودول الخليج بالتفتيش عن مخرج بخسائر يمكن تحملها, وقد يكون المخرج الوحيد هي تقنين إمداد المسلحين بالمال والسلاح وتحميلهم المسؤولية عن الفشل في إسقاط النظام.

3- تغير المزاج الداخلي السوري وتحول البيئة الشعبية من بيئة حاضنة بالإكراه للمسلحين إلى بيئة محايدة أحياناً, ومحابية للنظام وجيشه في معظم الأحيان والأماكن بسبب الممارسات العدوانية للمسلحين الذين وصل إرهابهم مستويات لا يمكن لعاقل أن يقبل بها ، فالاعتداء على ممتلكات الناس وكراماتهم أمر مرفوض في العقلية السورية ، وقد تمكن الإعلام الوطني السوري وبقية وسائل الإعلام الموضوعي من تحقيق قفزات نوعية في رصد إرهاب المسلحين وتعرية جرائمهم التي يندى لهل جبين الإنسانية .

4- إعلان إيران أن أي اعتداء على سورية هو اعتداء على إيران يعني أن الأمور كادت أن تصل إلى الخطوط الحمراء، وأن أي تهديد فعلي لكينونة الدولة السورية يبعني توسيع لتوسيع دائرة التهديدات والأخطار لتتجاوز الجغرافيا السياسية السورية ، والقوى الفاعلة على الساحة الدولية غير مهيأة حالياً لتوسيع دائرة النار والتورط بحرب إقليمية تشل الاقتصاد الأوروبي وتضع المنطقة ومستقبلها عل كف عفريت.

5- التكتيكات الجديدة التي يستخدمها الجيش العربي السوري تدل على أنه مازال مؤسسة متماسكة وقادرة على قلب الطاولة على رؤوس جميع اللاعبين الإقليميين عندما يتطلب الأمر ذلك، ولعل أحد أهداف الغارة الإسرائيلية عل مركز البحوث العلمية للتشويش على هذه الحقيقة التي تقض مضاجع دوائر صنع القرار الإقليمي والدولي.

6- استمرار قيام الجيش بقصف مواقع المسلحين عندما يتطلب الأمر ذلك يدل على أن لا أحد مخولاً بمساءلة دولة تريد أن تحارب الإرهاب بغض النظر عمن يدعمه ويرعاه، وكل الدلائل تشير إلى أن القدرة النارية والقتالية للجيش العربي السوري هي أضعاف ما يملكه المسلحون بغض النظر عن حجم الإمداد العسكري واللوجستي الذي ما يزال مستمراً، وهذا يعني حسم المعركة مع مرور الوقت أمر محتوم في ظل عجز دولي عن استهداف سورية بعدوان عسكري خارجي، وهذا يتضمن العديد من الدلالات التي لا يمكن تجاوزها أو القفز فوقها.

خلاصة :

إذا بقيت الأمور تسير وفق ما هي عليه فالنتائج لن تكون في صالح أعداء سورية في الداخل كانوا أم في الخارج، بل قد تزداد الأعباء على الدول التي تدعمهم جراء زيادة تدفق اللاجئين السوريين من جهة والعجز الميداني عن إنجاز ما يمكن البناء عليه من جهة أخرى، وواشنطن الراعية لهذه الحرب على سورية مشغولة مع موسكو في لملمة الأوضاع والحيلولة دون انفجار دراماتيكي محتم إذا قررت سورية الرد المباشر على الغارة الإسرائيلية على مركز البحوث العلمية في جمرايا، وعلى الأرجح في ظل الإنجازات الميدانية النوعية لرجال الجيش العربي السوري وتدني سقف مواقف أطراف العدوان أن�' تسارع بعض القوى المعارضة إلى ركوب الموجة والالتحاق بالحوار الذي أعلنت عنه الدولة السورية لضمان حصة في السلطة ، وما اجتماع مؤتمر جينيف إلا دليل على ذلك، فإذا كانت هيئة التنسيق المعروفة بمواقفها العدائية الصريحة من النظام وسقفها المرتفع الذي أعلتنه قد بدأت تتحدث بلاءات جديدة تحت عناوين لا للعنف ولا للقتل ولا ولا ... فهذا يدل على أن "أول الرقص حنجلة"، وأن بقية الأطراف المعارضة وبخاصة في الداخل ستبني على تجربة دخول وزراء فاعلين من المحسوبين على المعارضة في الحكومة القائمة، وهذا يعني المسارعة لركوب الموجة وترك المسلحين يواجهون مصيرهم وحيدين في ساحة المواجهة، فهل يعي أولئك الحمقى هذه الحقيقة ويسارعون لإلقاء السلاح والعودة من حيث أتوا أم ينتظرون مصيراً واحداً محتوماً ومعروفاً؟.

دمشق في 4-2-2013م

» من يحمي سورية الوطن ؟ .. محمد أحمد
» المعارضة والسلطة في سورية -1- بقلم: محمد أحمد
» سورية وحلفاؤها.. موسم الحصاد ...أحمد زين الدين
» سورية تجاوزت الإنكسار .. كيف تتعافى ؟محمد أحمد
» أعداء سورية في مأزقهم الكبير ..أحمد زين الدين "الثبات"