في سورية تسوية، ام صناعة تاريخ جديد

كتب محمد سعيد حمادة: في سورية تسوية، ام صناعة تاريخ جديد
2013-01-19 08:36:41

يجري الحديث اليوم عن التسوية في سوريا، البعض يتحدّث عن تسوية دولية بمشاركة أطراف إقليمية، والبعض الآخر يغلّب فكرة أن التسوية داخلية في أساسها وتقوم على مبدأ اللاغالب واللامغلوب وبرعاية إقليمية ودولية، وأعين جميع "البعض" لا ترى إلا ما هو خارج سوريا من لقاءات ومؤتمرات واتفاقات دولية حول سوريا ولا تعرف ما الذي أفرزته الأحداث في الداخل السوري شعبيًّا، أو هي لا تريد أن تعرف أو ترى التغيّرات على الأرض، لأنها تعدّها غير مهمّة طالما أن التسوية الدولية ستُفرض بالقوة ولا أحد يستطيع الوقوف بوجه الاتفاق الروسي الأميركي إن حصل. كلّ ذلك يتوصّل إليه المتابعون للشأن السوري من وسائل الإعلام الصديقة لسوريا قبل العدوّة لها، والتي تركّز على انقسامات اجتماعية طائفية ومذهبية وعرقية وغيرها مما كان يُتداول في أوساط "النخبة" ويروّج له قبل الأزمة. وبالمناسبة، هذا التفكير ليس جديدًا على نمط النخبة هذا لأنه وريث ثقافة الانحطاط والعقيدة الهزائمية التي لا تنظر لتاريخها إلا على أنه سلسلة من الهزائم وأن ذلك قدره، وبالتالي يكون مصيره مرهون بالإرادات الأجنبية.
والواقع يقول عكس ذلك، فبعد هذه الأشهر الطوال في عمر الأزمة، وبعد اتضاح الحرب على سوريا وأهدافها الظاهرة والمخفية لأغلبية الشعب السوري، توضّحت أمور كثيرة كان الجميع يحاول التعتيم عليها وطمسها كالموضوع الطائفي، الذي كان ينفخ فيه بعض الكتّاب "العلمانيين" مراهنين على أن هناك "طَرْشًا" سوريًّا يصفّق لهم ويتبعهم. ولعلّ خير ما ربحته سوريا بعد كل الدم المراق فيها منذ سنتين وحتى اليوم هو سقوط المشروع الطائفي ومنظّروه شعبيًّا، ومن يعرف كيف تجري الأمور في سوريا يدرك أن هذا المشروع ولّى ومحاولات إحيائه في ما يدور من تسويات وغيرها ميتة في مهدها، وما ينطبق عليه ينطبق على الموضوع الأثني، والأمثلة على سقوط كليهما لا تعدّ.
لقد ولدت اليوم معادلات جديدة على الأرض السورية كان الحديث بها قبل الأزمة يُعدّ ضربًا عصبويًّا من ضروب الراديكالية القومية، وهي أن فئات كثيرة من أبناء سوريا باتت مقتنعة أن خير سبيل للحفاظ على بلدها هو الهجوم على كل أولئك الذين ساهموا بسفك دماء السوريين وشجّعوا عليه وليس على من قام بالجريمة وحسب، فهم اليوم يبحثون عن القتال ولا يبحث عنهم، وهم وإن كانوا جماعة رويّة في القتال فسيختارون زمانه ومكانه ولن تُفرض عليهم شروطه بعد اليوم، واستيقظت الفكرة القائلة "لانعتدي على أحد لكنا لسنا نعاجًا اذا ما اعتدي علينا بل أسودًا تدافع عن عرينها"، وهذه العبارة بالمناسبة ليست وليدة ردّ على نعاج الجامعة العربية بل عمرها عشرات السنين. وبروح قتالية عالية تتبلور عند السوريين اليوم فكرة أن السوريين في حالة الحرب التي يخوضونها لن يتنازلوا عن شبر من أرضهم وعن أي جزء من حقهم، وعندما يأتي زمن السلم فالسلم لا يعني لهم سوى أن يسلّم أعداء سوريا بحقّها، ولن يكونوا وتحت أي ظرف من الظروف أسرى اتفاقات الغير عليهم لأن الحرب التي يخوضونها هي حرب تاريخ بل معركة تحوّل فاصل في التاريخ حيث يستعيد السوريون المبادرة ويمسكون بدفة قرارهم ومصيرهم ويدفعون الرياح التي تعصف الآن في أشرعة مركبهم باتجاه صاعد في هذا التاريخ، ولا يُنظر للتاريخ أبدًا على أنه تسوية. وهم إن قبلوا التسوية حكموا على أنفسهم بأنهم جماعة بعيدة عن أن تكون مستقلّة في قرار مصيرها، بل هم جماعة يصنع مصيرها الآخرون والأحداث الجارية. فسوريا اليوم قد شبّت عن الطوق، ولا ينفع معها منطق انتداب صريح أو مقنّع، والسوريون يعون أنهم إن لم ينظروا للأحداث ويحاكموها على هذا الأساس فحرام عليهم وطنهم وكل قطرة دم من شهيد أو جريح، بل حرام عليهم دموع أمهات الشهداء وزوجاتهم وبناتهم.
من هذا الواقع الجديد الذي نهضت فيه روح التحدّي والقتال، وارتفعت فيه أصوات مطالبة بالهجوم على مصالح الأعداء في عقر دارهم، تبدو نغمة التسوية التي يطلقها الفاضلون والأشرار، على حدّ سواء، بلهجة المساومة والحلول الوسطية وبمنطق ثقافة الاعتدال والواقعية هزيلة، وقد وقعوا جميعًا في مطبّ سوء الحساب والتقدير في تصوّر وتصوير طبيعة الحرب القائمة في سوريا التي هي ما بين حقّ وباطل وما بين حياة وموت ولا نهاية لها إلا بأن يسحق أبناء سوريا المخلصين أولئك الذين باعوا شرفهم للأجنبي وارتضوا أن يكونوا أداته المجرمة. والسوريون تحت سقف سوريا الوطن القوي الذي يفرض شروطه لا تحت سقف التسويات الدولية، ولا حياة لمن يراهن على إرادة أجنبية وخصوصًا مرتزقة الناتو وأعوانهم والذين يغطّون جرائمهم بحجة أنهم يحملون مشاريع سياسية.
أخيرًا، وبما أن "التطرّف في الحقّ فضيلة"، فالمعركة هي معركة التاريخ المستقل لسوريا، بل معركة اشتراكها الفاعل والمتقدم في صناعة تاريخ العالم. وإذا لم تكن هذه هي الآفاق التي تسمو نفوسنا إليها فإننا نكون قد خذلنا شهداءنا وأجيالنا الناشئة وحتى التي لم تولد بعد.

» بين فرنسا و بريطانيا و سورية ...تاريخ
» يجب بناء سورية من جديد يجب بناء ادارة جديدة واعلام جديد وقضاء جديد يجب تحقيق اختراق في مؤسسة الادارة لاجتثاث الفساد
» كتاب جديد لهاشم عثمان عن تاريخ سوريا الحديث يتناول حقبة حافظ الأسد
» صناعة الموت ...في سورية - بقلم زهير ماجد
» مصر لن تعترف بـ«ائتلاف الدوحة»..هيئة التنسيق: وحدة المعارضة يجب أن تكون صناعة سورية