العراق.. سورية.. ماذا بعد ؟

العراق.. سورية.. ماذا بعد ؟ ...سليم سعدو سالم"البناء"
حتى لدى المجنون دائماً ما يبرّر له عمله، ولكن ما هي مبرّرات هذه التفجيرات كلّها في سورية وقبلها ومعها العراق؟ هل يستطيع عاقل في أقصى اليمين أو اليسار،
بالمعنى الاجتماعي والدينيّ أيضاً، أن يبرّر عملية القتل والتدمير إلّا أن تكون خدمةً لأعداء الأمّة وأعداء المنطقة كلّها؟ يجب أن نلاحظ أنّ الخطط السياسية والعسكرية والمالية و.. و.. تتحدّث كلّها عن الشرق الأوسط ولا تتحدّث عن شمال أفريقيا أو جنوبها، ولا عن دول البلقان مثلاً، أو عن دول أميركا اللاتينية. التركيز كلّه على الشرق الأوسط، ولعِلم من لا يعلم أنّ مصطلح الشرق الأوسط اختُرع بديلاً من مصطلح الشرق الأدنى الذي اقترن بتعابير وزارة المستعمرات البريطانية بدءاً من تعاملها مع شريف مكة الحسين بن عون في مطلع القرن الماضي، بديلاً من «سورية الطبيعية» أو بلاد الشام. التركيز إذن على تدمير بلاد الشام، وكانت الخطوة الأولى في معاهدة سايكس ـ بيكو. كثيرون لا يعرفون أنّ مجموعات من خبراء الآثار كانت ترافق تمثّل الفرقة الأولى من الجيش البريطاني حين دخلت مدينة القدس في بدايات عام 1918، ثم تتابعت البعثات إلى دمشق. لماذا البعثات الأثرية مع الجيوش الغازية، إن لم تكن من أجل سلب منطقتنا تاريخها المتجلّي في آثارها وشواهد حضارتها وعمرانها.

حين دخلت الجيوش الأميركية بغداد عام 2003 كان من أعمالها الأولى الإشراف على سرقة الكثير من محتويات المتحف الوطني ونقلها، ثم تركوا للّصوص أن يسرقوا ما تبقى بعدهم ليباع في أسواق أوروبا ومتاحفها. حين سيطر المسلّحون على قسم من بغداد وشمال سورية كان عملهم الأكثر أهمية سرقة الآثار أيضاً لتباع في الخارج، وسرقة المصانع التي تشكّل عماد البلد الاقتصادي. فكان إلى جانب تلك السرقات الموصوفة، تدمير الاقتصاد بالسيّارات المفخّخة، إحراق السوق القديمة في حلب مثال على ذلك. ويسمّون عملهم «حرّية وتحريراً ونضالاً للتخلّص من استبداد النظام ومن شخص الرئيس بشار الأسد».

يحرقون وينسفون ويغتالون ويقتلون ويختطفون.. من أجل ماذا؟ تحرير سورية؟ ألم يقولوا العبارات نفسها في العراق؟ وأنّهم يحاربون الاحتلال الأميركيّ. ماذا حدث بعد سحب الجيوش الأميركية من العراق؟ استمرّ مسلسل التفجيرات. لا لأنّهم يريدون تحرير الوطن، بل لأنّهم يريدون ـ عفواً، بل لأنّهم ينفّذون أوامر من يريد تدمير البلد والمنطقة كلّها.

منذ يومين هاجموا بالقذائف الصاروخية جامعة حلب وقتلوا أكثر من ثمانين ضحية، معظمهم طلاب في الجامعة كانوا يؤدّون الامتحانات. العقل الجهنميّ وراء هذه العملية، قتل طلاب جامعيّين، قد يبرز من بينهم في المستقبل عالم ذرّة أو عالم أحياء أو مختبر أو مناضل. إذن اقتلوهم في مراحل باكرة، أليس هذا ما كان يردّده آرييل شارون واسحق رابين ومن قبلهما مناحيم بيغن. أوليست هذه هي تعاليمهم التي تقول: اقتلوا النساء والأطفال، حتى الأتان (الحمارة) ولا تتركوا بيتاً قائماً أو شجرة؟

الذين يقومون بعمليات التفجير – انتحاريين كانوا أو غير انتحاريين، هل يعرفون ما يفعلون؟ وإذا كانوا يتحرّكون تحت مسمّيات دينية، فهل سأل أحدهم نفسه أين هذا القتل والتدمير من أوامر الدين ووصاياه؟

آخر الأخبار أمس وقوع تفجيرات في كركوك وعلى مقربة من مقرّ حزب العمل الكردستاني، هل هو صدفة اختيار هذا الموقع أو هو ضمن المخطّط الجهنميّ لتفتيت المنطقة ونشر النزاعات المذهبية والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد؟ ودفع المتعصّبين والانفصاليّين من العراقيّين الأكراد إلى التشدّد في مطالب الانفصال عن الوطن الأمّ بحجّة الحماية الذاتية؟ تماماً كما حدث في لبنان إبّان الحرب الأهلية التي سمّوها «حرب الآخرين على أرضنا».

اللافت أنّ معظم ـ إن لم يكن كلّ – المنظّمات المسلّحة في سورية تحمل مسمّيات دينية إسلامية، من كتائب الصحابة إلى جيش الإسلام إلى النصرة وكتائب الفاروق وغير ذلك، فهل لعاقلٍ أن يسأل أو يتسائل: هل باتت مقاتلة الجيش السوريّ جهاداً أهمّ من العمل على تحرير المسجد الأقصى الذي يوصف بأنّه أولى القبلتين؟ وهل بات التخلّص من الرئيس بشار الأسد أهم من محاربة نتنياهو وشارون وليبرمان؟ فأيّ إسلام هو هذا؟ وأيّ مستوى تأخذه فتاوى بعض رجال الدين التي تهادن اليهوديّ المحتلّ وتحارب من يدلّ بالإصبع والبندقية على العدوّ المبين؟

هل يذكر أحد تفجيراً واحداً في الكيان الغاصب قامت به تلك الجماعات المتأسلمة كلّها. أفتوا لنا يا أصحاب الفتاوى في هذا التناقض بين ما تقولون وما تفعلون.

» ماذا اذا انفجر العراق ؟
» كتب ناصر قنديل - ماذا في العراق ؟
» بين العراق وسوريا.. ماذا يفضل السوريون؟
» «بي بي سي» تشكك بصحة صور مجزرة «داعش» في العراق.. على ماذا إستندت؟
» فتنة العراق.. بعد سورية (2)