المنافقون الواهمون

المنافقون الواهمون
2013-01-11 03:38:41

اليوم وبعد مضي ما يقارب السنتين على الأزمة السورية وقد تبيّن للقاصي والداني أن رشد "الثورة" قتلٌ وتقطيع أوصال ونهب وسرقة واغتصاب وتدمير كل ما بناه شعب سوريا بدمه وعرقه لعقود وأن كل ما يفعله "ثوارها" لا يخدم سوريا عزيزة حرة قوية بل يريدونها عكس ذلك ذليلة تابعة ضعيفة، وأن غيّها مما لا يخطر على بال بشر وأرقاه وأكثره تحضّرًا فتاوى النكاح وبربرية الخيال الصحراوي في الافتراس والغدر. بعد سنتين من الذبح المجّاني للسوريين وتصوير ذلك على أنه دفاع عن النفس وقد سقطت هذه الذريعة في أول جريمة طائفية منذ نيسان 2011 بالطريقة القذرة التي قُتل بها المواطن نضال جنّود في بانياس، وهي واحدة من بين كثيرات لم يعرف عنها الرأي العام شيئًا، وبعد أن تبيّن لكل ذي لبّ أن "ثوّار" سوريا هم مجموعات من المرتزقة ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا رهائن للأجنبي، شريك "إسرائيل"، الذي يريد وربيبته تدمير سوريا، ولما يُسمّى العربي الذي يدور في فلك "إسرائيل" ويعمل عبدًا ذليلاً لاستخباراتها. بعد كلّ هذا، وهو غيض من فيض "الثورة" واستراتيجياتها، فإن كلّ من يُعيد ما وصلت إليه الأمور إلى بدايات الأزمة محتجًّا بأن الحلّ الأمني الذي اختاره النظام هو السبب في واقع الحال هو شريك في الجريمة يعتقد أنه ذكي، ولا يحرّكه سوى حقده وكيديته السياسية للنظام، وهذا هو حال الأغلب الأعم من الكتّاب والسياسيين والنشطاء على اختلاف مشاربهم، سواء كانوا ممن يرفعون يافطات قومية أو من فلول اليسار، وقد ظهرت أنانياتهم وطائفيتهم التي يحاولون تغطيتها بغرابيل الديمقراطية الزائفة. ورئيس هيئة التنسيق الوطنية حسن عبد العظيم خير دليل على الكيدية والحقد المشار إليهما، وتكرّ حبّات السبّحة مرورًا بميشيل كيلو اليساري السعودي وانتهاء بصادق جلال العظم "المفكّر" الطليعي السنّي الذي بنى اسمه على "نقد الفكر الديني".
لكن الأخطر من هؤلاء أولئك الذين "يمشّطون ذقونهم" مجهّزين أنفسهم لدور قادم في سوريا، وهم مشغولون بعناية فائقة من أسيادهم، فيدغدغون وطنية السوريين تارة ويتحدّثون عن عنف المسلّحين والتطرّف الديني وخطره على "الثورة" تارة أخرى، وعلى رأس هؤلاء رئيس هيئة التنسيق في الخارج هيثم منّاع الذي يظهر على شاشات التلفزة واثقًا من دوره القادم وكأن السوريين غافلين عنه وعن أسياده. فهيثم منّاع الذي يحسب أنه قادم على دبّابة حقوق الإنسان والتغيير الديمقراطي بحديثه عن "عنف القوات النظامية" الذي مهّد الطريق للتطرّف المقابل هو برقع أوروبي، شبيه بمنصف المرزوقي، لسوريا الضعيفة المفككة الضامنة لأمن "إسرائيل" ورغدها وهناء عيشها. وما حديثه عن مرحلة انتقالية وثقته الزائدة بها لدرجة أنه بدأ يحدد من سيكون فاعلاً فيها إلا تأكيدات من أسياده في أنه شريك أساس في سوريا الجديدة التي يحلم من غرّروا به أنها ستكون على هواهم وحسبما يريدون، وهؤلاء لا يعرفون السوريين ولا يعلمون من أي طينة جُبل هذا الشعب ومدى وعيه وحبّه للحياة وتمسّكه بكرامته الحقيقية لا كما حاولت تصويرها له وسائل إعلام مأجورة في أنها ارتهان للأجنبي. فالسوريون الذين دفعوا دماء غالية وضحوا بخيرة أبنائهم وما زالوا، لا يمكن أن يقبلوا وتحت أية ظروف بحلول مطبوخة في الدوائر الأجنبية. وهم لم يضحّوا كي ينتقل بهم خيال مريض إلى تسوية طائفية يحاول الإبراهيمي ومنّاع إخراجها، ولا يمكن لهم أن يتخيّلوا أن أيًّا من هؤلاء أو من رؤوس أسيادهم يمكن له أن يأتي بالحلّ، وإنما يؤمنون أن الحلّ في سوريا لا يمكن أن يأتي إلا من أحذية جنود سوريا الذين يكتب التاريخ اليوم الملاحم عن بطولاتهم وعنفوانهم ودفاعهم عن حضارة سوريا وكبريائها وعزّتها ووجودها المتميّز، فداء لوجهها الحقيقي أرضًا وإنسانًا جديدًا لم يعد يقبل، بعد كلّ ما حدث، إلا أن يكون مواطنًا ممتازًا، ولم تعد الدساتير ولا الأعراف السياسية القديمة تحدّ أو تقيّد سوريّته سواء على أساس ديني أو طائفي أو عرقي أو غيره. ولن يرضى السوريون، وبأي شكل من الأشكال، إلا ملاحقة أولئك المرتزقة الذين دمّروا الحجر والبشر وتصفيتهم لأنهم عار على سوريا وتاريخها ومستقبلها، وليذهب المتحذلقون أبناء الألسنيات القديمة الجديدة إلى حظائر أوهامهم.