السعودية... حرب خفية على النفوذ داخل العائلة المالكة
(أنا الذي يقرر وليس عبد الرحمن وهيئة البيعة، وما في داعي ينعاد اللي صار)، هكذا كان جواب الملك عبدالله بن عبد العزيز، للمعترضين على تعيين سلمان بن عبد العزيز وليا للعهد خلفا لنايف، الذي كان تعيينه أيضا قد شهد خلافات كبيرة على أساس انه ليس الأكبر سنا وبسبب مطالبة طلال بالمنصب كونه أكبر من نايف فضلا عن رفض عبد الرحمن لبيعة نايف في وقتها، وظهر هذا الرفض بعدم حضور طلال دفن نايف والصلاة عليه وعدم تقديمه العزاء للملك عبدالله ولأبناء نايف فيما اكتفى عبد الرحمن بتعزية أبناء نايف وغادر فورا إلى أمريكا.
يومها كانت بيعة مشعل بن عبد العزيز وشقيقه متعب لنايف صمام الأمان الذي منع انفجار اجتماع هيئة البيعة وانفجار العائلة ما جعل الملك عبد الله يتعلم من الدرس السابق ويتفادى المشاكل داخل العائلة عبر قرار بتعيين سلمان وليا للعهد بقرار شخصي ودون الرجوع الى هيئة البيعة التي لم يسمح لها عبد الله بعقد اجتماع لانتخاب ولي للعهد. هذا الكلام لمصادر دبلوماسية عربية في باريس .
وتروي المصادر العربية تفاصيل عن الخلافات التي حصلت في هيئة البيعة عند تعيين نايف، فتقول أن عبد الرحمن بن عبد العزيز رئيس الهيئة قال حينها في اجتماع هيئة البيعة التي خرج بنهايته نايف وليا للعهد أن وصية الملك عبد العزيز أن يكون الملك هو الأكبر سنا، وفي حال تنازل الكبير يتم انتخاب الأصغر منه وهذا ما حصل مع سعود ومع فيصل، مذكرا انه هو نفسه لم يبايع خالد إلا عندما أعلن محمد شقيقهم عدم رغبته بالحكم ، وهذا أيضا حصل في بيعة عبدالله وسلطان بعد عزوف بندر بن عبد العزيز الأكبر سنا، واليوم أتى دورنا نحن في أحقية العمر، والترتيب الصحيح بعد سلطان هو عبد الرحمن ومن ثم متعب ومن ثم طلال، ويجب آن يتنازل هؤلاء لتتم بيعة نايف قال عبد الرحمن، لكن الملك عبدالله حسم الأمر حينها وساعده على هذا نائب الرئيس الأمريكي (جوزيف بايدن) الذي زار السعودية خصيصا لحسم هذا الأمر.
المصادر تقول أيضا أن الملك عبدالله تفادى انفجار العائلة المالكة وعين سلمان وليا للعهد بعد مشاورة مستشاره خالد بن عبد العزيز التويجري، وكانت الحجة التي أعطاها التويجري لعبد الله لتبرير قراره في عدم دعوة الهيئة للانتخاب هي غياب رئيس هيئة البيعة عبد الرحمن بن عبد العزيز عن المملكة بسبب المرض .
وتضيف المصادر الدبلوماسية العربية أن موت نايف خلق اضطرابا لدى الملك عبدا لله كون المتوفي كان أيضا وزيرا للداخلية وكان على الملك استعجال فرض أمر واقع على الأمراء من أشقائه وأبنائهم في المناصب التي كان يتولاها نايف لذلك اتخذ قرارا بتعيين سلمان وليا للعهد بالتزامن مع تعيين أحمد بن نايف وزيرا للداخلية، رغم أن وزير الداخلية الفعلي هو محمد بن نايف، لكن مشورة من التويجري باستبعاد محمد بن نايف بسبب سمعته السيئة في الخارج أقنعت عبد الله الذي عين أحمد بن نايف وزيرا للداخلية على أن يبقى الملف الأمني في يد محمد بن نايف، فيما حرص الملك على استمرار الحلف بينه وبين أبناء نايف المسيطرين على وزارة الداخلية عبر تعيين الشقيق الأكبر من أولاد نايف سعود بن نايف رئيسا للديوان الملكي رغم أن سلمان بن عبد العزيز لم يكن مرتاحا لهذا التعيين وهو يريد هذا المنصب لأحد أبنائه لكن حجة عبد الله كانت أن ثلاثة من أبناء نايف في وزارة الداخلية المهمة والقوية سوف يثير حساسية أبناء عمومتهم.
المصادر تقول أن سلمان الغير مطمئن لوضعه بسبب تعيينه خارج هيئة البيعة وبعد حصوله على بيعة الأمراء في جدة وعلى بيعة المناطق عبر الأمراء يريد أن تتم بيعة ثانية له في قصر الحكم في الرياض، وهذا ما يرفضه الباقون محتجين أن كل أبناء عبد العزيز الذين تمت بيعتهم في جدة اكتفوا ببيعة جدة ولم يطلبوا بيعة في الرياض.
وتشهد العائلة السعودية المالكة غياب وجوهها الكبار الذين حكموا بعد والدهم مؤسس المملكة لمدة تزيد عن نصف قرن من الزمن، وهذا الغياب المتسارع والمتكرر بسبب كبر السن الذي بلغه حكام المملكة من أولاد عبد العزيز آل سعود، تزامن من فورة مالية هائلة تنزل يوميا على المملكة وظهور الجيل الثالث من الأحفاد الذي يرى في غياب الجيل الأول صراعا للوصول للحكم أكثر منه فرصة للوصول إليه، وقد أدى موت نايف وهو رجل الأمن القوي في العائلة والمقرب من المنظومة الدينية الوهابية الى تسارع احتدام الخلاف داخل أقطاب العائلة .
المصادر الدبلوماسية العربية تقول أن أولاد سلطان يشعرون أنهم في طريقهم إلى الخروج من السلطة في حال استمر سلمان وزيرا للدفاع، المنصب الذي تولاه والدهم نصف قرن من الزمن وهذا ما جعلهم يطالبون بعودة وزارة الدفاع إليهم عبر تعين خالد بن سلطان قائد سلاح الطيران وزيرا للدفاع كون سلمان الوزير الحالي أصبح وليا للعهد، لكن عبد الله يريد
أن يسحب الجيش من أولاد سلطان ويفتح تحالفا لأبنائه مع سلمان وأولاده خصوصا أن ابنه متعب رئيس الحرس الوطني القوة العسكرية الأكبر في المملكة والتي تتألف من أبناء القبائل، فيما تم استبعاد بندر بن سلطان في عملية تقليم أظافر أبناء سلطان في إطار العملية الكبرى الجارية لتنظيم توزيع مراكز الحكم في الأبناء بسبب هرم الآباء.
وتقول المصادر الدبلوماسية العربية أن أولاد فهد غير راضين أيضا، ووصلت العلاقة بين محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية والملك عبدالله إلى شبه قطيعة بعد رفض محمد بن فهد كل التعيينات التي اقترحتها الرياض في منطقته وهذا من حقه دستوريا حسب نظام الحكم في مملكة آل سعود، وعلى خلفية هذا الخلاف العائلي حول تقاسم السلطة والنفوذ بدأ محمد بن فهد عملية تقارب مع الشيعة وهم الغالبية الساحقة من سكان المنطقة الشرقية، مع أن هذا التقارب ما زال خجولا لكنه يسعى عبر هذه السياسة إلى فرض نفسه في أي توزيع مستقبلي للسلطة بين الأحفاد خصوصا إن أولاد فهد لا يملكون سلطة عسكرية وأمنية كما هي الحال عند أولاد عبد الله ونايف وسلطان وسلمان.
ويعيش سلمان كما عبدالله وضعا صحيا لا يقل سوأ عن وضع نايف لذلك من المتوقع أن تشهد الفترة القليلة المقبلة تفسخا كبيرا في المملكة في حال غياب عبد الله أو سلمان خصوصا أن الوضع في اليمن بدأ بالخروج عن الاحتواء الذي أرادته السعودية، فضلا عن أن عدم سقوط النظام السوري يجعل آل سعود عرضة لمخاطر انتقال الربيع العربي الى دارهم هذا مع الإقرار بفشل القبضة العسكرية السعودية في إخماد الانتفاضة في البحرين تختم المصادر الدبلوماسية العربية حديثها...