تجسّد الإله ليؤله الإنسان ... وإلى جميع العالم كل عام وأنتم بألف خير بميلاد المسيح.
كاتب الموضوع
رسالة
الياس مراقب عام
عدد المساهمات : 6669 تاريخ الميلاد : 07/04/1964 تاريخ التسجيل : 15/09/2012 العمر : 60 العمل/الترفيه : دكتور في تاريخ ومقارنة الأديان المزاج : متفائل بنعمة الله
موضوع: تجسّد الإله ليؤله الإنسان ... وإلى جميع العالم كل عام وأنتم بألف خير بميلاد المسيح. الإثنين ديسمبر 24, 2012 4:32 am
تجسّد الإله ليؤله الإنسان
لمّا ولد يسوع في بيت لحم, في غفلة من أنظار الناس, لم يكن أحد ليتصّور أن هذا المولد المحجوب عن الأضواء, المحفوف بالتواضع والفقر, سوف يعطف مجرى التاريخ, ويفتتح مسيرة الله الجديدة على دروبنا الأرضيّة وفي تضاعيف مأساتنا البشرّية. أولاً - الله في صورتنا: وهذه هي المعجزة الكبرى والبشرى العظمى التي يذكّرنا بها عيد الميلاد: أن الله أصبح له, مع يسوع وجه إنسانيّ, وملامح المعانات التي يعاينها بنو البشر, فانهدم الجدار القائم بين الخالق وخليقته. ولم يعد الله، كما توهمه الناس في عهد جاهليّتهم، هو الكئنَ الأبعد, والقدرة المرعبة, والإرادةالطاغية المتحكّمة بمصائر البشر, وعمانوئيل أي الله معنا, الله بقربنا، الله في صورتنا, الله في صميم حياتنا وبشريّتنا. "والكلمة صار بشراً وسكن بيننا". [يو1: 14]. ولم يعد للبشرّية من ثمّ حاجة الى التخّوف من تلك القوّة المجهولة, والتزلّف اليها بالقرابين والذبائح, واتقاء شرّها بالتعاويذ, وقد ظهر لنا الله, منذ تلك الليلة الفريدة, طفلاً بريئاً وديعاً ومتواضعاً, قريباً إلينا وساكناً سكنانا, آكلاً من طعامنا, خفاقاً لأحزاننا, مبتسماً لأفراحنا, مُعرَّضاً لجروحنا, متفهمّاً لضعفنا, راثياً لخطايانا, ساعياً للتقريب بيننا وبين حلم السعادة المطوّية عله طبيعتنا. ما أحوجنا اليوم الى التما ذاك الوجه الذي تجلّت فيه رحمة الله الأزليّة "لأن إلى الأبد رحمته"..."رحمةٌ من لطف إلهنا - على حدّ ما جاء في نشيد زخريّا والد المعمدان - يتفقدنا الشارق من العلى ليضيء للقاعدين في الظلمة وظلال الموت, ويسدّدَ خطانا لسبيل السلام" [لو1: 78]. ولا عجب " فإن الله بلغ من حبّه للعالم - يقول يوحنا الإنجيليّ - أنه جاد بابنه الوحيد لكي لا يهلك من يؤمن به, بل ينلَ الحياة الأبديّة. فإن الله لم يرسل ابنه إلى العالم ليحكم على العالم, بل ليخلص به العالم" [يو3: 16-17]. "ومع أن المسيح - يقول القديس بولس - هو صورة الله, لم يعدّ مساواته لله غنيمة, بل تجرّد من ذاته متخذاً صورة العبد, وصار على مثال البشر, وظهر بمظهر الإِنسان" [فل2: 6-7]. مدّة أجيال وأجيال، تلمَّست البشرية وجه الله من خلال خلائقه وبدائعه، ثم من خلال كلام رسله وأنبيائه، فانعقدت بين الله والإنسان قصّة طويلة متعرّجة تعاقب فيها الإيمان والإلحاد، والصدود والرجوع، والرفض والقبول, وظلّت البشرية عبر تلمّساتها الدهريّة، تلمح الله ولا تراه، تسمعه ولا تشاهده، تسمّيه ولا تدركه، تصفه ولا تتذوّقه, "إلى أن تمّ الزمان، فأرسل الله ابنه مولوداً لإمرأة، مولوداً في حكم الشريعة ليفتدي الذين هم في حكم الشريعة, فنحظى بالتبنّي. والدليل على كونكم أبناء الله أرسل روح ابنه إلى قلوبنا, الروح الذي ينادي: يا أبتا! فلست بعد عبداً بل ابن، وإذا كنت ابناً فأنت وارث بفضل الله". [غل4:4-7]. "فبعد أن كلّم الله آباءنا قديماً مرّات كثيرة بلسان الأنبياء, كلاماً مختلف الوسائل, كلمنا في هذه الأيام... بلسان الإبن الذي جعله وارثاً لكل شيء وبه أنشأ العالمين" [عبرا1:1]. ونحن اليوم, بعد عشرين قرناً من ظهور المسيح في الأرض, أفلا يتحقق فينا قول المعمدان لمعاصريه: "في ما بينكم واحد لا تعرفونه". المسيح بيننا منذ عشرين قرناً, ونحن لا نزال نجهل وجهه, ونلصق به أقنعة زائفة ونشوِّه ملامحه بتصوّراتنا الخادعة أو المخدوعة. ثانياً - وجه الله الإنساني: أجل, "إن الله لم يره أحد قطّ", على حد قول القديس يوحنا, ولكننا أصبحنا نعرف وجه الله من خلال وجه المسيح, الذي هو "صورة الله غير المنظور" [قول1: 15]. "ومن رأى الابن فقد رأى الآب" يقول لنا المسيح. فمن خلال الابن تجلّى لنا الآب "نوراً ينير كل إنسان" [يو1: 9], "وحياة لكل موجود [يو1: 4], وأباً رحيماً "كونوا رحماء كما أنّ أباكم السماويّ هو رحيم!",وصديقاً ""إني لا أدعوكم عبيداً بل أدعوكم أحبّائي" [يو15:15], وراعياً يبذل نفسه عن القطيع ويسعى وراء الضال من خرافه, ويضمّ بين ذراعيه أبناءه الشاردين. تلك هي صورة الآب كما تجلّت في الإبن, وتلك هي الملامح التي انتسخت معها الصنميّة وأوهام الوثنيّة القديمةِ والحديثةِ التي وصَمْنا بها وجه الخالق عزّ وجلّ. هذه هي المعجزة الكبرى والبشرى العظمى التي يذكرنا بها عيد الميلاد: أن الله, مع يسوع المولود في بيت لحم أصبح له وجه إنسانيّ! ثالثاً - وجه الإنساني الإلهي: والمعجزة الأخرى التي تشبهها هي أن الإنسان, مع المسيح المتجسّد, أصبح له وجه إلهيّ. فالله قد أصبح إنساناً لكي يصبح الإنسان إلهاً, على حدّ تعبير الآباء القديسين. هذا الإله الضعيف, المرميّ في الدنيا, المقذوف في مطاوي الكون, لعبة للزمن ومطيّةً للأقدار, هذا الذي قيل عنه في المزامير:" ما الإنسان حتى تذكره وابن الإنسان حتى تفتقده" [مز8-4], هذا الإِنسان بضعفه وخطيئته أراد الله في رحمته الفائقة وحبّه العظيم, أن يشرّفه بنعمة البنوّة الإلهيّة. "ففي التجسّد- يقول الذهبّي الفم- زرع كلمة الحياة في الأرض, كما تزرع حبة الحنطة. الخليقة كلّها زرعت ببذار الحياة الإلهيّة. الخميرة السماويّة وضعت في العجنة البشريّة بل في العجنة الكونيّة. فكل ما هو بشريّ يجب أن يعلو ويسمو, وكل ما هو ترابيّ يجب أن يرتفع ويؤتي ثماراً سماويّة...". رابعاً- ماذا فعلت بأخيك؟ ونحن ماذا فعلنا بهذا الإنسان الذي رضي الله أن يتّخذه, من خلال إبنه الوحيد, إبناً له وأخاً وصديقاً وشريكاً ووريثاً؟ "هذا هو ابني الحبيب". يقول لنا الله, هذا هو أخوك, فماذا فعلت به؟... سؤال ألقاه الله على قايين يوماً بعد أن قتل أخاه, ويُطرح اليوم على ضمائرنا, وقد تفاقم غدر الإِنسان بأخيه الإِنسان. لسنا بحاجة إلى الذهاب بعيداً لكي نشهد الجلجلة التي يُسحق فيها الإِنسان كل يوم, ويُصلب ويُعرىّ ويطعن في قلبه وكرامته, وتُداس حقوقه وتُستلَب أرزاقه وأمواله. منذ سنوات ونحن نعيش في هذا الكابوس المرهق, ونشهد إحتضار صورة المسيح في الإِنسان, وتحطّم قلبه تحت الطعنات الموجّهة إلى خليقته... الخليقة التي أبدعت على صورة الله ومثاله. تلك هي الضحيّة. فمن هم الجلاّدون يا ترى؟ كلّنا, وكلٌ بمقدار مسؤوليته, من قمة الهَرَم إلى قاعدته. فهناك الفريسيّون الذين يُظهِرون التقوى ويُبَطِنُون الكفر, الذين يَعِدون ولا يُحقِّقون, الذين يُشبعون الناس أقوالاً ويُتْخِمونهم مبادىء وقرارات, يتسلّحون بحقوق الإنسان وهم يدوسونها, يبشّرون بالسلام وهم يؤجِّجون الحرب, يُخّدرون السُذّج بمعسول عهودهم وهم يُعْمِلُون بهم شِفَارِهم ومَخِارِزَهم... وهناك البيلاطسّيون الذين يتبرأُون من دم الصّديق, ويغسلون أيديهم لكي يدنسّوا ضمائرهم, يخفون جُبْنهم بستار صمتهم, ويحكمون على الأبرياء خوفاً على وظيفة وذوداً عن مصلحة... وهناك المتفَّرجون العابثون المتلهّون بمأساة الآخرين والمساومون عليها. عرفوا كيف تُستَغّل الفتن, ليُتاجِرُوا بالدمع والدم, فراحوا يُجنّدون اسم الله والدين والطائفة, لتنفيذ مآرب وتحقيق منافع, هي أبعد ما يكون البعد عن الله والدين والطائفة. إلى جانب هؤلاء الجلاّدين, هناك الذين لبثوا "ينظرون عن بعد" وقد خفقت قلوبهم وتحرّكت ضمائرهم, واستيقظت فيهم المروءة, فأيقنوا أنهم لا يستطيعون الاكتفاء بهذا القدر من التعاطف السلبيّ. لقد اكتشفوا- وهم ينظرون عن بعد إلى مأساة الإنسان في العالم العربي- ضرورة التقّرب من الصليب, والوقوف إلى جانب الضحيّة أسوةً بالسامريّ الرحيم وتعهُّدها بالمؤاساة والمؤاواة والمداواة. لقد عرف هؤلاء أن من الخطأ ما ينجم عن الفعل, ومنه ما ينجم عن الإهمال واللاّمبالاة. ولو عرفنا, منذ اللحظة الاولى ألاّ نهادن الشرّ ولا نتخاذل أمام الظلم, ولا نصمت أمام الجريمة, ولا نخنق صوت الضمير بألوان شتّى من التعاليل والحجج, لماّ حَلّ بِنَا ما حَلْ. ولما استفقنا هذه الإستفاقة الرهيبة, أرضنا دمار وشعبنا مشرّد ونفوسنا محطّمة, ولماّ تبينّ لنا ما قاله بولس الرسول: من أن ثمرة الخطيئة هي الموت... موت آبائنا وأمهاتنا, موت أبنائنا, موت جيراننا وأصدقائنا, موت أرضنا, موت ضميرنا وأخلاقنا وقيمنا, وفي آخر المطاف: موت المسيح, موت البارّ, موت المخلّص موت المحبة... فإنه كل مرة يولد طفل في الأرض فهو تجدّد ميلاد المسيح في بيت لحم, وكل مرة يُضطهَدُ بريء ويُمتَهن ويُذلّ ويُصلب ويُمات, فهو تجدّد موت المسيح فوق الجلجلة. هذا هو الميلاد بِمُعْجِزَتَيِهْ: فمنذ أن وُلد يسوع في بيت لحم, أصبح لله وجه إنسانيّ, وللإِنسان وجه إِلهيّ, فالتقى أفِله والإنسان في سر التجسّد في سّر تلك المغارة التي أصبحت سماء, وسّر تلك البتول التي أصبحت لله هيكلاً وعرشاً. وطوبى للذين عرفوا أن يميّزوا وجه الله من خلال وجه الإِنسان, ويتوسّموا وجه الإِنسان من خلال وجه المسيح. هؤلاء هم اليوم أصحاب العيد, الموعودون بإشراق نور المعرفة عليهم, وإطلالة شمس المسيح على حياتهم, شمس العدل والمحبّة والفرح والسلام. والمسيح ولِدَّ... فمجدوه
الياس مراقب عام
عدد المساهمات : 6669 تاريخ الميلاد : 07/04/1964 تاريخ التسجيل : 15/09/2012 العمر : 60 العمل/الترفيه : دكتور في تاريخ ومقارنة الأديان المزاج : متفائل بنعمة الله
موضوع: رد: تجسّد الإله ليؤله الإنسان ... وإلى جميع العالم كل عام وأنتم بألف خير بميلاد المسيح. الإثنين ديسمبر 24, 2012 4:35 am
إلى جميع أخوتي في سوريا الحبيبة وإلى أخوتي بالرب يسوع المسيح في كل الأرض:
كل عام وأنتم وبلدنا الحبيب بألف خير.
لا تخافوا من كلمة الله أكبر التي يستعملوها الأرهابيون ... لأنه سيكون كبيراً عليهم ... وأكبر دليل على صيحتهم الله أكبر ...
أنه كان طفلاً صغيراً وتجسد من العذراء مريم بمشيئة الآب ... وكَبُرَ وصعد إلى السماء ليكون أكبر من كل المخلوقات.
وهديتي لكم هي كما قال الرب يسوع: "أحبوا بعضكم بعضاً"
وإليكم تراتيل الميلاد بالطقس البيزنطي.
تجسّد الإله ليؤله الإنسان ... وإلى جميع العالم كل عام وأنتم بألف خير بميلاد المسيح.