مازلنا نتحدّث عن الذين أباحوا دماء المسلمين في سوريا فنفتح ملف التكفيريين المعاصرين .
الجماعات التكفيرية المعاصرة وما تخرج من تحت فكرها تعتبر امتداداً لخوارج الأمس. صحيح أنهم لم يفكروا علياً ومعاوية وأصحاب الجمل والمحكمين وغيرهم إلا أنهم كفروا كل من ليس معهم من المعاصرين ، وفي حين يرى بعض الباحثين (انظر احمد محمد جلي ، دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين "الخوارج والشيعة" طبع مركز الفيصل –الرياض 1986 ص79) إن أشهر تلك الجماعات ، جماعة التكفير والهجرة ، فإننا نرى أن أشهرهم وأشدهم في منهاج التكفير هي جماعة الإخوان المسلمين التي خرجت من تحت عباءتها كل فرق خوارج العصر الحديث وهم بمثابة (المحكمة) الطائفة الأولى من الخوارج القدامى .
وقد خطت هذه الجماعة خطوة أخرى فدعت إلى اتخاذ موقف تجاه المجتمع بأسره ، فأعلنوا المفاصلة التامّة بينهم وبين المجتمع الذي وصفوه بالجاهلية والكفر .. فذهبوا إلى أن المساجد هي معابد الجاهلية والذين يصلون فيها قد ارتدوا عن الإسلام وبالتالي لا ينبغي الصلاة مع من يؤمونها إذ أن الصلاة معهم شهادة لهم بالإيمان وهم كفار ، وقد استندوا في هذا الزعم إلى أقوال أسندوها إلى سيد قطب وأبي الأعلى المودودي .
إذن فهذه الأفكار هي إخوانية في الأصل هي وغيرها من الأفكار المتطرّفة – وليدة كتب سيد قطب أدت في النهاية إلى وجود مدارس إرهابية متطرّفة تعتمد على القتل ، والسلب ، والدمار إلى أن صارت صورة المسلمين المعاصرين بنظر أمم الأرض أسوء صورة ، ودينهم منبعاً للإرهاب بفعل ظلم هؤلاء وفساد عقيدتهم .
اعتقاد البعض أن رأيهم يمثل صحيح الدين ، وأن كل من يعارضهم يعارض صحيح الدين ، وبالتالي مخالف للإسلام . كما أن من يبتعد عنهم ، إنما يبتعد عن العقيدة الدينية ، قد حوّل المسألة من موقف صحيح وخاطئ ، إلى فكرة حلال وحرام . والمخالف في هذه الحالة يكون خارجاً عن صحيح الدين ، وبالتالي مرتداً ، ومن ثم كافراً يستحل دمه ، وبذلك نشأ الإرهاب . لذلك فإن عملية تسييس الدين هي ضد جوهر الدين ، وضد مصالح السياسة . ولقد برزت في القرن العشرين حركات سياسية إسلامية تستخدم العنف والقوة للوصول إلى أهدافها . وكان الإخوان المسلمون أول من وقف خلف فكرة الإرهاب واستخدموها بمنظورها السياسي في العصر الحديث ، حيث قال مؤسس الجماعة حسن البنا عام 1937 وهو يقدم منهاج عمل الجماعة إلى المؤتمر الرابع للجماعة عبارته المشهورة : (هذا المنهاج كله الإسلام وكل نقص منه يكون نقصاً من الإسلام ذاته) .
كما تعتبر هذه الجماعة أن خصومها السياسيين ، خصوم للإسلام . وآخر كتاب صدر عن هذه الجماعة في التسعينات للأستاذ محمد الصباغ (أحد قادة الإخوان) يحمل عنوان (التنظيم الخاص) ، يقول فيه في الصفحة 429 : (إن أعضاء الجهاز الخاص يمتلكون الحق في اغتيال من يشاءون من خصومهم السياسيين ، فكلهم قارئ لسنة الرسول في إباحة اغتيال أعداء الله) ، معتبراً هنا أن خصوم الجماعة السياسيين هم أعداء الله ، ويستحقون الاغتيال .
كما أورد في الصفحة 138 من نفس الكتاب عن أعضاء الجهاز الخاص : (كلهم يعلمون أن شرائع الإسلام تقر قتل أعداء الله كحيلة ، ومن حق المجاهد أن يضلل عدو الله بالكلام حتى يتمكن منه فيقتله) .
وقد كتب مقدمة هذا الكتاب الأستاذ مصطفى مشهور (المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر سابقاً) ، الذي لابد أن يكون قد قرأ ذلك الكتاب قبل أن يكتب مقدمته وأجاز ما جاء فيه .
كما عرفت البلاد العربية والإسلامية أفكاراً غريبة وتيارات تخالف الإسلام .
ومن ذلك المنهج الانقلابي الدموي ، الذي طلع به سيد قطب وتغلغل داخل جماعة الإخوان المسلمين ، والذي يتهم المجتمع الإسلامي الذي يحكم بالقانون الوضعي ، أو خضع له ، بالكفر والخروج عن الإسلام ، ودعا جماعته إلى القتل والسلب والتخريب في المجتمع الذي عده مجتمعاً جاهلياً حلل فيه الدم والمال .
ففي كتابه (معالم في الطريق) أوضح فيه آراءه وتوجهاته التكفيرية لجميع من حوله من حكومات وشعوب ، حيث ذكر فيه : (نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم ، كل ما حولنا جاهلية .. تصورات الناس وعقائدهم وعاداتهم وتقاليدهم .. حتى الكثير مما تحسبه ثقافة إسلامية ومراجع إسلامية) .
كما يصرح في هذا الكتاب كل الصراحة فيقول : (يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة) .
وفي كتابه (في ظلال القرآن) تتكرر – فكرة التكفير – لتصبح واضحة للعيان ، ففي الصفحة 1057 من المجلد الثالث ، طبع دار الشروق ، يقول سيد قطب : (لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بلا إله إلا الله .. فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد ، وإلى جور الأديان ، ونكست عن لا إله إلا الله ، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن : لا إله إلا الله دون أن يدرك مدلولها) .
وفي المجلد الثاني (صفحة 841) يؤكد سيد قطب أن من حكم بغير حكم الله ولو في جزئية واحدة منه ، فقد ارتد عن الإسلام ، حيث يقول : (فالخروج عن هذا المنهج في جزئية منه كالخروج عليه كله) ، معللاً ذلك بأن إعطاء خصائص الألوهية لبعض البشر هو اعتداء على سلطان الله في الأرض .
نحن نؤمن أن الخروج على العقيدة في جزئية منها كالخروج عليها ، ولكن العقيدة لا غير العقيدة كما يدعو سيد قطب الناس إلى حمل السلاح والثورة على الأنظمة والحكومات ، ففي المجلد الثالث من كتابه (في ظلال القرآن) الصفحة 1451 ، أعلن ذلك صراحة في قوله : (فالذي يؤمن بعقيدة ونظام ، فرداً كان أو جماعة ، مضطر بطبيعة عقيدته وإيمانه بها أن يسعى في القضاء على نظم الحكم القائمة على فكرة غير فكرته) .