دام برس:
كلنا نتابع ما يحدث في مصر بعين المشاهد او الخائف او المستغرب , وهو ما يجعلنا دوما مثل دروايش الصوفية ندور في حلقات من الانسلاخ الوجودي الى الارتقاء الروحي , ونبحث عن الحلّ لهذه الظاهرة الصوتية التي أحالت بحر الحياة الى شطين شط المؤمنين وشط الكفرة , وكأن الله استقال من عمله مؤخراً وترك الأمر لخلفائه على الأرض , يقررون من يدخل الجنة ومن يدخل النار , ومن يستحق العذاب ومن يستحق الرحمة , وصار الأمر شبيهاً بما حدث يوما للكنيسة البابوية في المجمع الثاني عشر المنعقد في روما سنة 1512 م حين أصدرت صكوك الغفران , كي تغسل العبد من خطاياه والتي بموجبه تمنح من تشاء صك الغفران أو تحرمه منه والذي صار شبيهاً بأيامنا هذه كجوازات سفر الى الجنة مع تحيات خطوط الاخوان للطيران ..؟؟
لم يكن المطبخ بعيداً عنا أبدا , فرائحة البهارات الاسرائيلية كانت تهلّ على ميدان التحرير منذ اندلاع الثورة , والاشراف المهني من امريكا كان واضحاً جلياً حتى أن ست المطبخ الأبيض هيلاري كلينتون عرضت مساعدتها لشباب الثورة , لكن لم ينتبه أحد لهذا الأمر لأن الانظار كانت كلها تتجه بشكل غريزي الى العجلّ الذي سيسقط عما قريب ويصير على موائد الجائعين لقمة سائغة تلوكها الأفواه بلا شبع , وحين صار المطبخ جاهزاً لتنفيذ عملية سلخّ النظام على رغبات الثورة وأهدافها أو هذا ما كانوا يظنوه للأسف , جاء من ينتحلّ سمّة الدين كي يقول بأعلى صوته : وهل على الجائع من حرجّ ..؟؟
وبدأت مقادير الطبخة تعرض على القنوات الموالية لتلك الوجبة القادمة , وبدأت الأصابع الخفية أو ما يسموه الطرف الثالث بخلط المقادير التي جهزوها مسبقاً باسم الربيع العربي . وها هي مقاديرالوجبة الاخونجية :
· كيلو من الفتاوي المحرضة على الفتنة بدون جلدّ أو عظم
· كيلو من القنوات الداعرة المنقوعة بماء زمزم
· نصف كيلو من الأصوات الناعقة ليلا نهاراً خوفاً على الدين
· كوب من الاسماء البارزة في الدعوة الاسلامية المتأسلمة
· كوب ونصف من الكلام الرفيع على أهداف الثورة
· رشة بهارات عبرية سلمية من الاراضي الاسرائيلية
· ملعقة من التوافق الرخيص بين مرسي وحماس واسرائيل
· ملعقة ونصف من التحريض على ما يسمى الفلول السابقة
· ملعقتين من الشريعة على حسب المزاج و الرغبة
· شريحة كبيرة من اللحمّ الحلال المذبوح حسب الشريعة الامريكية
· قطعة كنيسة مفرومة باسم الصليب لزوم تأجيج الوضع الساخن
· قليلا من الدماء المصرية التي تستعمل مرة واحدة فقط
· قليلا من الصمت العربي الذي ربما تحتاجه كثيرا أثناء الطهي
· والكثير من الدهشة والصدمة والتصفيق والنعيق لأجل تزيين الطبق الفاخر .
خطوات تحضير الوجبة
لا يهم خطوات تحضير هذه الوجبة , أم أيمن تقول لنا المهم هي النية فقط , وعليه اخلط ماشئت كيفما شئت ما دامت النية سليمة وبما يرضي الله وستكون النتيجة باهرة تسلتذّ به العيون ويسيل لأجله اللعاب , وستكون مأدبة لم يشهدها التاريخ تتكالب عليه كل طوائف الهمجّ والرعاع كي يأكلوا ما طاب لهم بعد حرمان طويل من الوصول الى سدنة الحكم . وكل من يتصور أن أصحاب الدعوة لهذه الوليمة سيتخلى عن طاولته فهو لا يفقه في علم الجوع المذهبي شيء أبدا . وكل من يظن أن أصحاب الحفلة سيتركوا كراسيهم لأجل الوطن فهو مسكين لا يفهم في علمّ اللاصق الطبيعي شيء .في الوقت الذي كان يظن أن طناجرهم من نوع تيفال لا تلصق أبداً . كل من يظنّ أن هؤلاء الذين خرجوا من جحورهم بعد غياب طويل سيتنازلوا عن حقهم في القاء الكلمة الاولى والاخيرة في هذا التأبين فهو لم يسمع كلمة الداعر الأكبر ومفتي الناتو بأن التصويت على الدستور بلا سيكلف مصر 20 مليار دولار .
لقد جاء موسى بألواحه ووصاياه , وترك أخوه هارون فريسة الثورة , وكنا نظنّ أن فرعون قد غرق في البحر وتركه الله لنا دلالة وعلامة على أنه بشر وليس ربنا الأعلى , فتبين بعد حين أن موسى طلع فرعون ولكن بلحية ومسبحة وبكلمة الله أكبر . لقد تعلم فرعون الخطأالذي وقع فيه سلفه في العصور الغابرة , وبدلّ لونه وجلده كما تفعل الحرباء تماماً , وتماشت مع ظروف الطقس المجحفة بحقه . وفهم أصول اللعبة من جديد , وأصبح شاطراً في الخطابات التي تلهب مشاعر الحمير وأكداس البشر التي تتجمع لأجل اعلاء كلمة الله . وكأن الله كانت كلمته سفلى قبل أن يأتوا هؤلاء كي يأججوا سعير الاسلام بأساليب قذرة .
الوجبة صارت جاهزة وأم أيمن فرشت كل ما لديها من أواني ملمعة بالشريعة والدين وجعلت دستور الأسياد يعلو ولا يعلى عليه , وكل هذا بما يرضي الله , ولا يتنافى مع شرع الله ما داموا على تواصل مع الله وكل ما يفعلوه باسم الله فصاروا يحللوا ويحرموا وصار دخول الجنة شرطاً أساسيا له أن تكون منتسباً لهذه الجماعة . وكل من سيتعففّ عن أكل هذه الوجبة فهو عاق ويستوجب الجلد أو الرمي أو القذف أو القتل . لا يهم ما دام داعيتهم وربهم الاكبر يقولقتلاهم في النار وقتلانا في الجنة . وعلى كل المدعوون الالتزام بخصوصية الجماعة الربانية في انتعال لحية جميلة وثوب قصير شرعي لا يتنافى مع اصول المهنة الدينية , ومسبحة لا يهم لونها ما دامت تسر الناظرين والحاضرين . والتأكيد على احضار بطاقة الدعوة المرسومة على الجباه العالية والمختومة من فرع مناجاة السجود الطويل في أدبار الليل .
فتافيت ترحب بكم وتقول لكم الحياة لحية , حتى لو كنت تيساً المهم أن تكون اللحية موجودة , المهم أن يكون المرشد هو ربك الأعلى , المهم أن يكون صحنك فارغاً من الافكار الليبرالية والعلمانية , المهم ان تكون شوكتك حادة وأسنانك بيضاء والسواك لا يفارقك , المهم أن يكون ثوبك طاهر حتى لو كان قلبك كافر , فالناس لها الظاهر والباطن لا يعلمه سوى الرحمن القاهر , المهم أن تقول كلمة آمين على أي شي تقوله الجماعة , حتى لو لم تفهم شيء , فليس مهمتكأن تفهم بل مهمتك كعضو فعلا في هذه الجماعة فقط الاتباع وليس الابداع , المهم أن بكل بساطة عاشقاً لله ومحباً لرسوله كي تقتل باسمه وتشتم باسمه وتبصق باسمه , المهم أن لا ترفع صوتك على صوت أسيادك , المهم أن يكون الدستور أهم من قرآنك , المهم أن لا تهتم أين آخرتك في الدنيا فالآخرة مضمونة في مطبخ أم أيمن , المهم أن تكون جائعا في النهاية لأن كل عقل مملوء سلفاً سيكون عقلا سلفياً , المهم أن تكون معطاء كريما وهاباً للجماعة كي تكملدينك وطقوسك الوهابية , المهم أن تؤمن أن يد الله مع الجماعة فقط وغيرهم يد الشيطان معهم , المهم أن تصدقّ أن أيام الجاهلية ليست ببعيدة عنا , وأن الأصنام التي ابتدعها الليبرالييون ستحطمّ من فوق كعبة أفكارهم المريضة , المهم أن تقتنع أن مطبخ أم أيمن أعظم من مطبخ الشيف رمزي وأجمل من مطبخ منال العالم وألطف من كل مطابخ فتافيت . لأن شعار فتافيت الحياة حلوة ولكن شعار أم أيمن الحياة لحية ...؟؟
على حافة المطبخ
الطبخة الاخونجية لا طعم فيها سوى الفتنة ولا رائحة فيها سوى التكفير
وكل سندويش العالم لا يأتي شيء مقارنة بسندويشة أم أيمن المشهورة
فسندويشة واحدة فقط قادرة على خلق حالة اسهال منقطعة النظير
تعجز كل مراحيض العالم عن ابتلاع الفقه من هذا الدستور الفرعوني ...؟؟
بلال فوراني
جريدة عرب تايمز ArabTimes
http://www.arabtimes.com/portal/article_display.cfm?ArticleID