دام برس:
بعض الأحداث والمسائل والوقائع يستطيع من اعتاد الكتابة واتخذها وسيلة للتعبير عما يسبح في بحيرات دماغه من أفكار وما يجيش في نفسه من مشاعر أن يتجاهلها ويرمي بها خارج مياهه وحدود دماغه ، لكن بعضها الآخر يتمسك بقاع الدماغ ويغوص في رماله ويعانق قطرات مياهه إن أنت حاولت التخلص منه ، فيستفزك ويستثيرك ويرغمك على التصدي له وتشريحه قبل رميه في أقرب مكب للقمامة . لقد استطعت والحق لا بد أن يقال من وضع واقعة القزم عقاب صقر وبصعوبةٍ بالغة في تصنيفات الملفات المهملة في أرشيف الدماغ وتقصدت تجاهلها وعدم التعرض لها وازدرائها كردة فعل طبيعية على حالة القرف حد الغثيان والإقياء ، تلك الحالة التي أصابتني ساعة معايشة الواقعة العقابية ، وكان لي ما أردت ، وكان ما ساعدني وأراحني وأزاح عن كاهلي عبء الإلحاح الذي لاحقني به ضميري وعقلي الباطن بوجوب قول كلمةٍ ما بهذا الخصوص ،، عدد المباضع الأدبية التي تصدت لذاك المخلوق وتكفلت العشرات منها بتعرية العقاب ونتف ريشه ثم تشريحه ونبش ما في جوفه من قاذورات وعرضها على الملأ ،، هذا ما كان بالنسبة لمن أخطأ ذووه يوم أسموه عقاباً وأخطأ أجداده يوم نسبوا إسم عائلتهم لفصيلة الصقور فيما تمخضت مزاوجة الصقر بالعقاب " عصفور فشتوكة " مع كل محبتي وإعتذاري من فشاتيك العصافير لهذا التشبيه ... .
الحال تكرر مع الولد العاق خالد مشعل ، هذا الذي تبنته سوريا ،، شعبها وجيشها وقيادتها يوم كان أشبه باللقيط الذي تبرأ منه الجميع وبات عاراً وعبئاً على الجميع ،،فما كان من الأسد إلا أن فتح له أبواب دمشق وخصه بما لم لم يلقه من كانوا ولا زالوا رمزاً للوفاء والإخلاص كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرها من الفصائل الفلسينية التي لطالما تمنت لو تحظى بجزء مما حظيت به حماس و زعيمها الذي طرح حماس عبره في سوق النخاسة الأعرابية فكان هناك أكثر من مشترٍ لكن البيعة رست أخيراً فوق كرش القطري حمد ، تحملنا تردد مشعل في إعلان موقف واضح في بداية الأزمة يرد عبره جزء من المكارم التي اغدقتها عليه سوريا ، وتغاضينا ببالغ الإشمئزاز عن الصفقات التي عقدها مع برميل الغاز القطري ، وتجاوزنا مع بالغ الإحتقار إنحناءاته هو و إسماعيل هنية لنيل الرضا والبركة من يدي القرضاوي الآثمة وتقبيلها ، لكن أصعب ما كان علينا حشره في أرشيف المهملات والملفات المحتقرة هو رفعه لعلم الإنتداب الفرنسي وتلويحه به مراتٍ عدة فكان كمن أطلق على رأسه رصاصة الرحمة وكمن قطع كل شعرات معاوية و شعرات والده أبو سفيان وولده يزيد في آنٍ معاً وفجر كل الطرق المؤدية إلى دمشق وأغلق إلى غير رجعة بوابات قلوب أهل الشام في وجه قبحه وعمالته ودناءته ، " لا بد هنا من القول أن الفلسطينيين وغيرهم بدؤوا منذ اليوم الأول لزيارته لغزة بالتندر على موافقة حكومة الإحتلال على دخوله بشفاعة مرسي وحمد في حين لم يحظى رفيق السلاح والدرب رمضان شلح على تلك الموافقة والرضا الخليجي المصري الإسرائيلي ،،وكان أطرف ما تردد بهذا الخصوص مقولة أن " احدهما كان خيار فيما كان الآخر فقوس " ، فيما يخصني أنا نجحت هذه المرة أيضاً في حشر موضوع حماس ومشعل في ركن الملفات المهملة " إلى حين " ، و أقول أنه يستحق فعلاً لقبه الجديد الذي ينتشر بكثافة بين فلسطنيي المخيمات بشكل خاص " خالد المخصي " في إشارةٍ لفقدانه لشهامة الرجال وأخلاق الرجال ونبل الرجال كما في متاجرته بالدم الفلسطيني يوم وضع الملف الفلسطيني على أرفف خزنة حمد وسحب منها ما سمح له أن يسحبه من أموال ، يحضرنا هنا بيت الشعر الذي ينطبق على مشعل قلباً وقالباً : إذا أنت أكرمت الكريم ملكته .. وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا ... .
لم يكن في نيتي أن أخوض في البحيرة الأعرابية والإسلامية الآسنة لكن المستنقع السوري يجبرني أن ادعوكم للغوص قليلاً وإلقاء نظرة فاحصة على ما عرفه وخبره بعضكم من قبل من الجراثيم والفيروسات والطفيليات والمستحاثات التي ترسو في قاعه ، تلك التي تتزاوج مع قطرات مياهه الضحلة . ادعوكم لمرافقتي في جولة مخبرية مجهرية فاحصة لتفاصيل المشهد الذي نعيش ، ويسعدني اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى انني أنشر مقالاتي عبر بعض الصحف والعديد من المواقع الإخبارية " العربية " الغير سورية ، يسعدني في هذا الخصوص أن يتصفح كلماتي ويقرأ حروفي أكبر عدد ممن ينتمون لتلك البلدان لأنني اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى سأبذل جهدي أن تكون مفرداتي كذرات الزجاج التي تشكل مرأةً للواقع ،،تتضح عبرها صورته وملامحه بشكلٍ واضح وجلي .. .
الفطرة الإنسانية والأخلاقية تفرض عادةً على المرء إن كان " طبيعياً " أن لا تتجاوز أقدام عقله حدود الخطوط الحمر فيلجم النوازع اللإنسانية المزروعة فيه من حيث أراد أو لم يرد منذ زمن جده آدم وولديه قابيل وهابيل ، وتفرض عليه أن يسجن حالة التوحش التي مارسها أسلافه في غابر الأزمان في أقفاص قضبانها إنسانية وحضارة ورقي ،، وبعضٌ من الأخلاق ، وإن هو لم يفعل كانت العواقب هي بعض ما تراه أعيننا من قبح وتسمعه آذاننا من كفر وترتجف له قلوبنا من رعب الثورة ، وتصاب بدوار الجهل بسببه ،، أرواحنا . لا بد لمن يفعل ما ذكرت أن يفتح بوابات عقله على مصراعيها ويطلق سراح ما سجنه السلف الطالح فيها عبر الجينات الوراثية من مورثات ، نرفع القبعة وننحني لمن يجرب ، ونقول هنيئاً لمن ينجح بالتجربة ... .
ما يهمنا من هذه العموميات هو خصوصية الحالة الأعرابية والإسلامية ، فلا وقت لدينا لبحث ملفات ظلام وظلم الكنيسة منذ قرون عديدة ولا طاقة لنا للخوض في وحشية المغول والتتار ، ولا نحن نملك صبراً لفتح ملفات المجازر الصهيونية وسفك الجيوش التي تعاقبت على إستعمار المنطقة جغرافياً وإستعمار عقول بعض أهلها أخلاقياً ، . ما يهمنا حقاً والوقت هنا فعلاً من ذهب أن نخوض في المجتمعات المذهبية الطائفية التي تتحكم بها وتسيرها الصفة أو النزعة القطيعية وشريعة الغاب حيث لا وجود للأنسنة أو الأعراف أو الأخلاق أو العقود الإجتماعية كما في الحالة السورية ، وهذا أمر طبيعي إذ لا وجود لكل ما سبق أن ذكرت عند من تعطلت في عقله مراكز التحكم وضاعت بوصلة وعيه فتشتت و تاه ما بين تعاليم الدين الحنيف عبر الفتاوى القرضاوية التي تحض على سفك الدم والقتل والوحشية فيما صاحبها مشغول بنكاح القاصرات واليافعات ولعق المؤخرات الأميرية والملكية ، ومابين سحنة وأفعال وأقوال " الولد العاق " الكركدن الثورجي حمد ، وبين أحاديث الثورات ونظرياتها وتعاليمها وأسسها ومساراتها المتوقعة ونهاياتها الحتمية القدرية على لسان عزمي بشارة ، ما بين هذا الطوفان الجارف من العواطف الإنسانية والمشاركة " بالمال والعتاد والسلاح والجهاديين " التي أغدق بها آل سعود على الشعب السوري هكذا لا لشيء سوى لوجه الله تعالى و رحمةً ورأفةً بحال هذا الشعب من " ظلم قيادته له " ، هذا الطوفان الذي إعتلى صهوة أمواجه العاتية الفارس المقدام سعود والبطل الجسور عبد اللات ، المواطن الذي تاه مابين عته وبلاهة محمد مرسي الإخونجي التكفيري قلباً وقالباً و أعز أصدقاء السفاح بيريز وبين حرص رجب باشا اردوغان على مصالح الشعب السوري ووحدة اراضيه و بشكل خاص حرصه على " اقليات هذا الشعب المسيحية والكردية والعلوية " وهو الذي يشهد له تاريخه كما تاريخ أجداده بصدق النوايا والأقوال وما دليل ذلك سوى الأفعال التي تمثلت عبر التاريخ مجازراً ارتكبت بحق هذه الأقليات وتهجيراً لأفرادها في أكثر من حقبة زمنية ... .
إن "البعض " ممن يسمح لعقله بالولوج إلى هذه المتاهة من الكذب والنفاق والخداع تتعطل لا شك عنده مراكز الإدراك والمحاكمة العقلية المنطقية ، ويصاب بضبابية ثورية تستحق الشفقة ، فلا هو يرى في أميركا ومنها سوى تمثال حريتها ولا هو يلحظ في السياسة الفرنسية اطماعاً استعمارية جديدة تخلف ما سبقها من اطماع وانما إنتصارها للحق والإنسان السوري ، ولا هو يميز في صورة الكيان الإسرائيلي سوى وجه النبي موسى ، وقد نراه بعد حين يرفع شعار شعب الله المختار ويجعر ويجعجع منادياً به ليطغى صوته على أصوات حكماء صهيون وعلى نشاذ صديقهم " المسيحي ،،اليهودي " سمير جعجع ، ولن يكون لهذا التائه والحالة هذه أن يلحظ اطماع العم سام ولا أحقاد " أبناء العمومة " من اعراب البادية ولا الهوس السلجوقي بالتمدد جنوباً وهواجس السيطرة على مركز القرار في سوريا ، ولا هو قادر وسط هذا الدوار والإعياء الفكري أن يستوعب فكرة أن لكل تلك الأطراف منفردة ومجتمعة مصلحة عليا في إطالة أمد الأزمة السورية و تدمير مقدرات الوطن السوري والقضاء على وحدة نسيجه الإجتماعي وصولاً للقضاء على وحدة اراضيه .... .
السؤال أخيراً وهنا أصل إلى ما استفزني ودفعني اليوم للكتابة ،، بل أجبرني على الكتابة ،، هل يستطيع اليوم سيغموند فرويد لو قيض له أن يكون بيننا أن يتحفنا بتحليلٍ نفسي منطقي يتقبله العقل البشري ويفتح له ذراعيه مرحباً ، هل يستطيع تفسير ظاهرة خيانة خالد مشعل أم تراه سيقتنع بها أو يجد لها المبررات أو حتى يتأثر بها ، وماذا عن شايلوكية عقاب صقر الذي يتاجر بالدم السوري أو سيده الحريري أو سيد السيد أبو متعب أو سيد الجوقة كاملةً أوباما ، أو عزمي بشارة أو القاسم أو الزيات أو معاذ الخطيب أو جورج صبرة وباقي فرقة الخونة ، هل يستطيع أن يفسر لنا كيف لألد الأعداء أن يكونوا أصدقاء " كما في إجتماع مراكش الأخير" ، هل كان سيجرؤ على إقحام رأسه في نافذةٍ لمزبلة وضع عليها يافطة كبيرة تقول نرحب بكم في معقل ثوار العالمين الأعرابي والإسلامي بقيادة جبهة النصرة ، هل كان سيستطيع أن يوضح أساس وحيثيات وأسباب ومقدمات تحول من كانوا يوماً أشباه بشر إلى وحوشٍ حقيقية لكنها معتوهة " وليس العته بالضرورة من سمة الوحوش " ، أولئك الذين عادوا بالبشرية إلى ما قبل أي تقويمٍ هجري أو ميلادي أو صيني ، يوم أتوا بضحاياهم وسلموا ذلك السيف " الإسلامي " لذلك الطفل ليقطع به رؤوس بعض أبناء الوطن فيما ذووا الطفل واصدقاءهم ورفاق نضالهم الثوري منتشون يجعرون بصيحات التكبير ، و هنا اضطر مرةً أخرى أن اكتب ما كتبته بشكلٍ مقتضب منذ أيام عن غرابة أن يلازم ويوائم ويرافق التكبير بإسم الله فعل القتل والذبح والدمار أو الإغتصاب وحز الرقاب ، أعتقد أن فرويد سوف يعلن استسلامه إن هو وضع في هكذا موقف ، بل ربما يعلن إسلامه والتحاقه بذباحي جبهة النصرة أو قاطعي الرؤوس من جماعة خالد إبن الوليد خوفاً من عواقب أن يحتسبه الثوار وداعميهم " عوايني أو شبيح " ، قد يعتزل مهنته في الطب النفسي ويلتحق " بقوافل الجهاديين " لمد يد العون للحلف الكوني الذي لا يهنأ افراده بنوم و لا يستلذ أفرقاؤه بطعامٍ أو شراب إلى حين إسقاط القيادة السورية ،،و تحديداً الرئيس الأسد ،، و ليكن بعدها ما يكون لا يهم . أجزم أخيراً أن فرويد كان سيقف عاجزاً عن التنظير أو التحليل أمام هذا الطوفان الأعرابي الإسلامي من "الهو والأنا " الذين يقضيان إن إجتمعا وتضافرا على كل أمل للأنا العليا عند الفرد في التحكم بميزان عقله وانفعالاته و بالتالي تصرفاته و التي تصل على الأرض السورية إلى مستوى الجنون المدعم بفراشٍ إسلامي تكفيري بدعوى محاربة " كل من لا يسير على درب محمد بن عبد الوهاب أو السلف الطالح أو يهود البادية " وصولاً إلى الجنان والحوريات ، وبغطاءٍ غربي بدعوى نيل المرتجى من الحقوق والحريات .... .
إن كان لله من كلمة حسم ورأي فاصل على هذه الأرض فنحن نترقبها وننتظر سماعها ومعايشتها ، وإن آثر أن " ينأى بنفسه " عن مزابل وموبقات وعهر هذه الثورة الكافرة ، فله ذلك دون شك ،، لكن لشعب هذه الأرض كلمات قالوها ولن تمل حناجرهم من تكرارها وتردادها ،، بأرواحنا نفتديها ،،، ولهم أفعال بدأوها ولن يتوقفوا قبل انهائها وانجازها ،، صون الوطن السوري و ملاحقة أفاعي الكفر وخلع أنيابها وقطع أذنابها وخنقها في جحورها بعد إستئصال سمومها وتنقية الوطن السوري من شرورها ... المجد لسوريا ، والعزة لمن إستشهد في سبيلها ، والقوة والصبر للمرابطين كما الجبال على ارضها من أهلها ،، وكل التقدير والتبجيل لتضحيات جيشها الباسل ... .
نمير سعد