ماذا عن منحبكجية آل سعود؟
بعد وقوف غالبية السوريين مع الدولة ضد المخربين والإرهابيين بمختلف مسمياتهم وانتماءاتهم "الفكريّة" والتكفيرية, وضد استهداف الدولة ومقوماتها وبناها التحتية, "اشتق" رموز المعارضة السورية المتأمركة والمتسعودة مصطلحاً لتلك الغالبية من السوريين فنعتوها بـ"المنحبكجية" وتارة يصفونها بـ"الشبيحة" دون أدنى احترام منهم لهذه الغالبية بما فيها من نخبة المجتمع السوري (أطباء, مهندسون, أساتذة جامعات, صحفيون, كتّاب, مثقفون, طلبة جامعات, كادحون... الخ), في حين أسبلوا على الإرهابيين القادمين من أربع رياح الأرض صفة الثوار كما خصّوهم بآيات التعظيم! ولم يتناسوا (رموز المعارضة) أن يوهموا الرأي العام بأن مرتزقة حلف الناتو في الداخل السوري مع شركائهم في تنظيم القاعدة ممثلاً بجبهة النصرة سلميون(في المراحل الأولى من عمر الأزمة رغم رؤية السوريين لإرهابهم في طول البلاد وعرضها) ويدافعون عن الشعب السوري من آلة بطش النظام وفق زعمهم وبحسب أدبيات إعلامهم الوهابي, ويجاهدون في سبيل قضية مركزية ومقدسة اسمها "الحرية"!
طبعاً لا يجيبك من نعني من أصدقاء حلف الناتو بالرابط بين تدمير محطات توليد الطاقة والكهرباء وبين الحرية, علماً أن استهداف تلك المحطات وسواها من بنى تحتية بدأ منذ الأسبوع الأول لطلاّب "الحرية" وعشّاقها, ومنطق الأمور يؤكد أنهم لم يدمروها بأغصان الزيتون التي كانوا يحملونها في "سلميتهم" كما زعموا.. وليس بمقدور ذلك الصنف من مثقفي المعارضة أن يشفي غليلك فيفيدك بعلاقة الحرية المزعومة بالذبح "الحلال" على الهوية والتمثيل بالجثث واغتصاب النساء والحرائر تحت شعار "الله أكبر"! هل تذكرون مسلسل جرائهم بدءاً من ذبح عناصر مفرزة الأمن في نوى بمحافظة درعا مروراً بمجزرة جسر الشغور الشهيرة في الخامس من حزيران 2011 وليس انتهاء بتفجيرات جرمانا ووزارة الداخلية؟
إذاً, نحن أمام نوع من المعارضات ومثقفيها يضحك ويبكي في آن, ويمكن أن نطلق على هذا النوع من الكائنات/المعارضات بـ"منحبكجية آل سعود", وهذا الصنف من المنحبكجية ليس المطلوب منه الإفصاح عن محبته لآل سعود, ولا التشدق بمناسبة وغير مناسبة عن ولهه بـ"الديمقراطية" التي يعيشها الشعب السعودي في ظل الأسرة الحاكمة منذ قرابة القرن, ولا أن يلهج لسانه بمديح الملك عبد الله بن عبد العزيز أو الأمير مقرن وكلاهما من رعاة الإرهاب في سوريا.. فببساطة مهمة منحبكجية آل سعود من حملة الجنسيّة السوريّة (واللبنانية إن شئتم) هي تزوير الحقائق في سوريا وتزييفها أمام الرأي العام المحلي والعربي و الدولي, مستغلين استضافتهم شبه المستمرة في الإعلام الوهابي عامة وفضائيات آل سعود خاصة, وعادة ما يترجمون ذلك بأن يغضوا النظر عن كل الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها مجرمو المعارضة من ذوي العقيدة الوهابية التكفيرية ولا بأس من اتهام النظام ببعضها إن أمكن دونما دليل طبعاً.. لا بل كانت إحدى مهام منحبكجية آل سعود في إحدى مراحل الأزمة في سوريا هي تسويق جرائم الإرهابيين ونسبها إلى النظام البعثي أو الأسدي وفق "أدبيات" المنحبكجية ذاتهم! والأمثلة في هذا الصدد أكثر من أن تحصى! (سبق أن مررنا على بعضها).
ولم يجد منحبكجية آل سعود حرجاً في أن يكذبوا على الشعب السوري بخصوص جرائم ثوارهم التي دائماً يجدون لها تبريراً, مكذّبين بذلك إعلام أولياء نعمتهم في الغرب الذي تحدّث في وقت مبكّر نسبياً عن تلك الجرائم التي يندى لها جبين البشرية, وهذه مفارقة كانت وما زالت عصية على التفسير!
وإذا ما عدنا إلى الوراء قليلاً سنجد إن إحدى مهام منحبكجية آل سعود كانت في تسويقهم للاعترافات المبكرة التي عرضها الإعلام السوري لإرهابيين أقروا بارتكابهم جرائم باعتبارها من فبركات النظام السوري وإن هؤلاء الإرهابيين أجبروا عليها!
بيد أن الوظيفة الجوهرية والعضوية لمنحبكجية آل سعود كانت ومازالت هي تسويغ الإرهاب في سوريا وإضفاء الشرعية "الأخلاقية" عليه وإيجاد المبررات له مهما كانت الجرائم التي يرتكبها أولئك الإرهابيون والوهابيون المجرمون غاية في الوحشية والبربرية, والاستبسال في شيطنة النظام السوري أمام الرأيين المحلي والدولي من خلال إعلام آل سعود وما شابهه.
ولا نكون قد بالغنا إن قلنا إن منحبكجية آل سعود من "مثقفي" ما يسمى بالثورة هم أكثر خطراً وضرراً وإرهاباً من إرهابيي "جبهة النصرة" وآية ذلك إن المنتمي لجبهة النصرة عادة ما يكون تحت تأثير "مخدر" إما إيديولوجي غيبي/وهمي وإما دوائي (حبوب بالنتان)؛ في حين نفترض أن منحبكجية آل سعود ليسوا تحت تأثير أي من المخدرين السابقين, على الأقل كما يقدمون أنفسهم للجمهور! وإن أحسنا النيّة سنقول: إنهم في كامل وعيهم! فكيف يصح لمن كان في كامل وعيه أن يصمت عن جرائم جبهة النصرة لو لم يكن يفوقها شرّاً وشيطنة؟
نعم, منحبكجية آل سعود وهم من قبيل حسن عبد العظيم وميشيل كيلو وجرثومة الإرهاب ياسين الحاج صالح ومنذر ماخوس وجورج صبرا واحمد معاذ الخطيب والمفقود عبد العزيز الخيّر وخزّان الأحقاد رياض الترك مثالا لا حصراً, ليس من مهامهم تدبيج مقالات المديح في الحرية الكائنة في مهلكة آل سعود, وبالتأكيد ليست وظيفتهم الإشارة إلى القهر الذي يمارسه آل سعود على رعاياهم في المنطقة الشرقية وغيرها من مناطق في نجد والحجاز وعسير, ولا كيف يقمعون انتفاضة الشعب السعودي المحقة.. ولا بأس أن يتغافل أولئك المنحبكجية الإشادة بحكمة قرار آل سعود في دخول البحرين وسحق الثورة السلمية حقاً للشعب البحريني, ولا الدفاع عن الشعراء القطريين الذين يسجنهم حمد لمجرد انتقادهم لـ"سمو" الأمير(؟!), ولا المنافحة عن مفاسد آل سعود وموبقات حكّام الخليج وخطر سياساتهم على الوجود العربي... الخ, بل من وظائف هذا الصنف من المنحبكجية هي تصوير سوريا باعتبارها مملكة قهر, وإن الاستبداد فيها لا يطاق وإن الشعب السوري سجين عن بكرة أبيه, وإن لا حريّات فردية فيها على الإطلاق وان النظام يقمع معارضيه(؟!) نعم يقمع معارضيه في حين معظم هؤلاء خرجوا من سوريا عبر بوابة مطار دمشق وبحواز سفر سوري دون أن يتعرضوا لأدنى مضايقة, وكان بمقدور نظام "الاستبداد" الأسدي أن يمنعهم من مغادرة سوريا لا بل كان بمقدوره أن يضعهم في السجن بتهم فاقعة غير آبه بأحد, خاصة أنها تُهم (حال كان اعتقلهم) يحاكم عليها القانون السوري! ولن يشطح بنا الخيال لنقول: إنه كان بمقدور النظام تصفية معظمهم دون أن يسمع بهم أحد, وهو لم يفعل أي شيء مما سبق ذكره كونه –على سلبياته- أقل استبداداً وفساداً من خصومه أي منحبكجية آل سعود ومن على شاكلتهم, إن جاز القياس, اللهم.
وبعد..
هل أخطأ النظام؟ نعم أخطأ النظام.. أخطأ بحق الشعب السوري خطأ يرقى إلى مستوى الجريمة عندما سمح لأولئك المنحبكجية بمغادرة البلاد عوضاً عن وضعه لهم في مكانهم الطبيعي.. ومازال النظام يُخطئ عندما يسمح لبقاياهم وذيولهم بالبقاء يعيثون فساداً في أرض الله المقدسة سوريا..