في خطوة لم تكن مفاجئة للمتتبعين لسير العدوان ومراحله، علق المراقبون الدوليون في سورية اعمالهم بانتظار مستجدات تتيح لهم العمل مستقبلا على حد قولهم. ولكن تبقى اسئلة عدة لا بد من اثارتها لدى الباحث المتابع للشأن
. وهنا وقبل مقاربة الاسباب والخلفية التي بني عليها القرار لا بد من ان نذكر بان هذه المهمة اعتمدت اصلا كتدبير من التدابير التنفيذية لمهمة انان السلمية، وان مرحلة الاسابيع السبعة من عملهم مضت دون ان تحقق مهمة انان اي تقدم ملموس رغم اعلان الجميع ظاهرا القبول بها، ولكن جاء عمل الجهة المعتدية بشكل ممنهج لاجهاضها. ثم ان الحركات المسلحة المنضوية تحت عنوان «جيش الارهاب السوري الحر » او «تنظيم القاعدة» او فرعها « جبهة النصرة » او سواها من التنظيمات، استفادت من وجود المراقبين ايما استفادة مستندة الى تصور بان القوات النظامية السورية الشرعية « لن تقوم باي تصرف يضعها في مواجهة المراقبين ويحملها مسؤولية فشل مهمتهم وتاليا فشل مهمة انان «. لذلك جهدت هذه التنظيمات الى توسيع رقعة تواجدها ورفع وتيرة ونمط عملياتها الارهابية بشكل عولت عليه للتغيير في الواقع الميداني والخريطة الامنية لسورية لجهة اخراج مناطق من سيطرة الدولة تستغل في الاروقة الدولية لدى البحث عن حل للازمة القائمة.
نعم لم تكن الخطوة مفاجئة لنا كما قلنا لانه كان بديهيا ان يتخذها المراقبون التابعون للجهاز التنفيذي في الامم المتحدة برئاسة بان كي مون المعروف الولاء والتبعية لاميركا قائدة العدوان على سورية. ولان القصد الاساسي من مهمة المراقبين لم يكن بعيدا عن مهمة المراقبين العرب والقصد منها، فكلا المهمتين كان مبنيا على فكرة التوطئة والتمهيد لعمل لاحق بعد تحميل سورية تلفيقاً مسؤولية اعمال العنف في الميدان ودفع الامور فيها لوضعها تحت الفصل السابع كما هو حال كل الدول التي دخلتها اميركا بعدوانها من افغانستان الى العراق الى لبنان الى ليبيا وغيرها. لكن الفطنة واليقظة السورية، مترافقة مع السلوك الروسي الصيني في مجلس الامن، منعت نجاح الخطة بعد ان منعت اعتماد صيغة للقرارين 2042 و2043، ولبروتوكل عمل المراقبين، بشكل يسهل تنفيذ النية الاجرامية للغرب وقيادته الاميركية. حيث رفض تسليح المراقبين، وكان تمسك بالسيادة السورية في عملهم.و هنا نذكر بان سوزان رايس المندوبة الاميركية في مجلس الامن التي امتعضت من هذه الصيغة هددت ولحظة اتخاذ القرار بايفاد المراقبين بانها لن توافق على التجديد لهم، ثم كانت مواقف الاطراف التابعة والملحقة ، والتي جاءت كلها بعد ذلك لتؤكد فشل مهمة انان ونعيها حتى قبل ان ينطلق المراقبون في عملهم.
أ. و الان وبعد تعليق المهمة – التي لا يستبعد تجميدها حتى اعادة النظر بها اصلاً كما بدأ الغربيون يروجون وكما طالب هيغ من بريطانيا مقتديا بمواقف الخارجية الاميركية –نطرح استفسارات او اسئلة حول ما ترمي اليه الخطوة الان ونرى وانطلاقا من الوقائع التي تشكلت في الاسبوعين الاخيرين، ان الجنرال مود رئيس بعثة المراقبين اتخذ قراره او املي عليه القرار من الجهة التنفيذية في الامم المتحدة ( لا ننسى هنا ان المسؤول المباشر هناك كان قد ادعى بان في سورية الان حربا اهلية، ولم يتراجع بان كي مون عن الموقف الا بعد ان رفضته الخارجية السورية ) اتخذ القرار بدافع او من اجل سبب او اكثر مما يلي :
1) ان تكون الجهة المعتدية رأت بان المراقبين قاموا بالحد الممكن مما هو مطلوب منهم في سوريا، ان لجهة عمليات الاستطلاع والبحث ورسم الخرائط العسكرية والامنية للواقع او لجهة تقييد القوات العسكرية السورية في عملها، وافساح المجال للارهابيين بتوسيع نشاطهم وانتشارهم. وان لا حاجة اليهم بعد ان تم انجاز الحد الممكن من المهمة.
2) تحميل الحكومة السورية مسؤولية التعليق وتاليا افشال مهمة انان، بغية الضغط عليها وعلى الاطراف التي تدعم سورية للقبول بتطوير عمل المراقبين من حيث طبيعة وتشكيل القوى و مهمتها وطريق عملها.وهنا يطمح المعتدون الى تسليحها وزيادة عديدها للتحول الى قوات فصل او قوت حفظ سلام كما ردد جماعة مجلس استنبول المتهالك، والسعي لاطلاق يدها وحركتها بعيدا عن اي تنسيق مع الحكومة السورية بعد ان ينقل قرار اعتمادها الى الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.و هنا نجد كيف ان ناصر القدوة المعين ليكون نائبا عربيا لانان ( وهو مرفوض سورياً لان سورية لم تعد تعترف بدور الجامعة العربية لديها منذ ان تحولت الجامعة الى منظمة صهيونية ) كيف ان هذا المرفوض سارع الى تحميل «النظام في سورية مسؤولية قرار التعليق «، وطالب بالفصل السابع كما يطالب دائما الامين العام لتلك الجامعة.
3) التمهيد لاعلان فشل مهمة انان، وبالتالي قطع الطريق امام المبادرة الروسية والتي تستند الى هذه المهمة في سعيها لعقد المؤتمر الدولي حول سورية لايجاد حل سلمي لها لا يتخطى الواقع والسيادة السورية وحرية قرار الشعب السوري، وكلها معايير تغيظ المعتدين في حال تطبيقها لانها ستؤكد فشل مؤامرتهم .
4) الاشعار بان التهويل بالعمل العسكري المركب، او ان ما يروج له من حرب اهلية هو حقيقة، ما يعني ان مهمة المراقبين لا يمكن ان تستمر مع هذا الوضع المستجد.
5) و نذكر ايضاً السبب الامني الذي اتخذ ظاهرا مبررا لوقف المهمة او تعليقها وهو خوف المراقبين على سلامتهم وامنهم وهو امر ملقى على عاتق الحكومة لسورية، ويكون القول بان المراقبين غير آمنين على انفسهم في عملهم بسبب اختلال الوضع الامني هو بمثابة الاقرار الضمني او التأكيد على ما قيل سابقاً بان الحكومة فقدت السيطرة على اجزاء من الارض السورية.
6) و اخيرا يمكن ان تصور شيئا آخر من طبيعة القول بان المراقبين الذين اذاقهم الارهابيون المرارة والاعتداء، اوقفوا مهامهم من اجل توجيه رسالة لهؤلاء بان عليهم التعاون والا حرموا من خدمات المراقبين ( وهو احتمال ضعيف ولكن لا يمكن الا ان نذكره)
ب. هذا بعض مما قد يكون سببا لتعليق المهمة، وهي تتمحور كلها عن رغبة مبيتة عند المعتدين لمتابعة الاعتداء واعتماد العمل العسكري الارهابي او اكثر من ذلك معطوفة على الامال المعلقة على مجلس الامن لتغيير موقفه من الازمة، او احتمال التحضير لعمل ما خارج السياق الان فهل سيحقق التعليق اهدافه. ؟ وبالاجابة هنا نرى :
1) مهما كانت الحيل والالاعيب فان القول بان عملاً عسكريا آت، هو امر لا ينطلي على احد فالعدوان القى الان بكل ثقله عسكريا بالقدر الممكن والمتاح وبلغت اعداد المسلحين الخارجين على القانون في سورية عشرات الالاف وتعهد الخارج المعتدي بتقديم كل ما يمكن لهم من سلاح وذخائر ووسائل اتصال هذا فضلا عن الاموال والاعلام، وبالتالي لن يكون بمقدور المعتدين فعل اكثر مما فعلوا، ثم انهم يعلمون ان المواجهة الحاسمة التي ابتدأت حققت وفي زمن قياسي فوق ما توقع المنفذون لها.
2) ان الضغوط على سورية وتحميل حكومتها المسؤولية عن تعليق المهمة وما قد ينجم عنها مسقبلا امر لن يغير في مسار الاحداث والمواجهة فالعالم بات منقسما بين معسكرين احدهما يحتضن سورية والاخر يعتدي عليها ومهما فعل المعتدي ولفق من اكاذيب فانه لن يحمل المدافع على التخلي عن مهامه الدفاعية خاصة وانه سجل انجازات هامة في المواجهة.
3) ان التحذير المتتالي ووقف مهمة المراقبين بقصد وقف العمل الامني الذي تقوم به قوات حفظ النظام لاستعادة الامن في المناطق التي زعزع الارهابيون منها، سلوك لن يؤدي اهدافه، فالقرار بالمواجهة الحاسمة لانقاذ امن الوطن اتخذته الحكومة لسورية وحققت عبره الكثير في مهل قصيرة ، ولن يتراجع المسؤول عن عمل ظهر نجاحه.
و في الخلاصة نقول، قد يكون قرار المراقبين بتعليق المهمة يخفي نوايا مبيتة ويهدف الى تحقيق اغراض تخدم جبهة العدوان على سورية، وقد يكون صحيحا التبرير الامني ايضاً، ولكن وفي كل الاحوال نرى انه دليل على نجاح سورية في التعامل مع الملف وتفلتها من فخ شاءه اصحاب النيات الخبيثة بما يذكر بمهمة المراقبين العرب الذين انهيت اعمالهم عندما جاءت تقاريرهم خلافا لما اريد لها من قيادة العدوان الدولي على سورية. واننا لا نرى في الحقيقة قيمة فعلية لهذا التعليق لجهة استثماره ضد سوريا، فقرار المواجهة اتخذ، وسورية لن تكون الا لاهلها وثابتة في محورها مهما لفق المعتدون والطريق الوحيد المتاح الان للمعتدي على سورية هو استغلال المبادرة الروسية للخروج بخسارة تحفظ ماء وجهه، وهذا ما اعتقد انه سيكون .