استراتيجية الأكراد بعد نجاح إضرابهم في فك العزلة عن "أوجلان"

استراتيجية الأكراد بعد نجاح إضرابهم في فك العزلة عن "أوجلان"
2012-11-20 06:23:44
سومر سلطان-عربي برس- اسطنبول

تأكد في اليوم السابع والستين للإضراب عن الطعام الذي بدأه السجناء الأكراد، وانضم إليهم نواب حزب السلام والديمقراطية الكردي وعدد من الناشطين الأكراد فيما بعد، أن رئيس حزب العمال الكردستاني "عبد الله أوجلان" لا زال يتمتع بنفس القوة والمكانة والسلطة لدى محازبيه التي كان يتمتع بها لحظة دخوله السجن قبل اثني عشر عاماً، لا بل قد تكون سلطته الزمنية والمعنوية قد ترسخت أكثر في هذه المدة، فبكلمة واحدة منه فحسب، وجهها عبر شقيقه "محمد أوجلان"، استطاع اقناع ما يقارب الستمائة مضرب عن الطعام بايقاف إضرابهم، والبعض منهم كان قد دخل في مرحلة التوقف النهائي عن الطعام، والتي يطلق عليها اسم "صوم الموت".
ينقل "عمر شاهين" من صحيفة "راديكال" عما سماه "كواليس العاصمة" أن "ضباطاً من الاستخبارات التركية فاموا بالتفاوض مع "أوجلان" في سجنه في جزيرة "امرالي"، وإحدى جلسات التفاوض حضرها مسؤول كبير في جهاز الاستخبارات القومية.. وبعد التوصل للاتفاق، واقناعه بالتحدث إلى شقيقه حالياً وليس محاميه، تم ايفاد شقيقه "محمد" الذي وجه عبره رسالة إلى كافة المضربين"
ويبدو أن "أوجلان" قبل على مضض عدم وجود هيئة محاميه، الذين كان يرسل عبرهم تعليمات سياسية إلى كافة أنصاره؛ سواء في الجناح المقاتل لحزب العمال الكردستاني في الجبال، أو في حزب السلام والديمقراطية الممثل في مجلس الشعب، أو في اتحاد المنظومات الكردستانية (امتداد حزب العمال داخل المدن) وإلى كافة جمهوره في تركيا، أو ما يسمى بأدبياتهم "شمال كردستان"، وفي بقية المناطق، ومنها "غرب كردستان" (أكراد سورية). ونقلت صحيفة "ملييت" عن نائبة كردية في مجلس الشعب قولها "إن "أوجلان" أخبر شقيقه أنه كان من المفترض أن يكون محاموه، وليس هو، من يلتقيه الآن"
بأية حال، فقد وجه "أوجلان" إلى المضربين رسالة نقل شقيقه نصها كالتالي: "هذه العملية وصلت لمبتغاها، وحققت أهدافها. فلينهوا الإضراب حالاً ودون تردد.. وأنا أرسل تحياتي إلى كافة المضربين وخاصة المجموعة الأولى والثانية منهم". وعلى الفور قام نواب حزب السلام والديمقراطية بايصال هذا النص القصير إلى كافة السجون التي فيها مضربون، والشرطة التركية بدورها أذاعت النبأ في مظاهرة احتجاجية خرجت للتضامن مع المضربين في "دياربكر"، وقالت: "أوجلان أمر بايقاف الإضرابات، وأنتم كذلك عليكم ايقاف احتجاجاتكم"، وفعلاً انفضت المظاهرة. وكل هذه التطورات جرت في مساء اليوم السابع والستين. وفي صبيحة اليوم الثامن والستين أعلنت المتحدثة باسم المضربين انهاء الإضراب، وقالت: "بناءً على تعليمات قيادتنا لجهة انهاء الإضراب فإننا نعلن انهاءه حالاً". وتدخلت الكوادر الطبية لمعالجة من ساءت حالتهم.
ولفتت العديد من وسائل الإعلام إلى المفاوضات الحثيثة التي جرت قبل ارسال شقيق "أوجلان" إليه، وقالت صحيفة "راديكال" أن "المفاوضات تكثفت بشكل خاص في الستة والثلاثين ساعة الأخيرة"، وبشكل عام فقد تمحورت حول ارسال وفد من مكتب "آسرين" الحقوقي الذي يدافع عن "أوجلان" أو وفد من نواب حزب السلام والديمقراطية، أو ارسال وفد حقوقي مستقل يضم شخصيات يقبل بها الطرفان، أو ارسال احد الأقارب. وكان معاون رئيس الوزراء قد أدلى قبل يوم من انهاء الإضراب بتصريح متفائل قال فيه "من الممكن أن تنتهي حالات الإضراب في أية لحظة". وبحسب صحيفة "هورييت" فقد قام "أوجلان" بـ "كتابة نص الرسالة بخط يده منعاً لأي التباس أو سوء فهم قد ينشأ، وسلمه إلى شقيقه، آمراً إياه بالتوجه إلى مكتب "آسرين" الذي تعرف على الخط، وأذاع النبأ"
وكان رئيس الوزراء التركي "رجب طيب أردوغان" قد استعمل لغة قاسية ومتهجمة في قضية الأكراد، فهو نفى في البداية وجود إضراب، ثم نشر صورة لعدد من نواب حزب السلام والديمقراطية الكردي حول مائدة طعام قائلاً: "نواب حزب السلام يتناولون أسياخ كباب الخروف، فيما يقولون للمضربين في السجون: موتوا" وتبين أن الصورة قديمة ولا تمت بصلة إلى فترة الإضراب. وعندما انضم النواب نفسهم إلى الإضراب طالبين إلى السجناء الكف عنه وتسليم المهمة لهم، نشر صورة ثانية لهم قائلاً "إنهم يتناولون لحم السودا (وليس كباب الخروف هذه المرة!) وليسوا مضربين عن الطعام اطلاقاً" وتبين أيضاً أن الصورة قديمة، ولا علاقة لها بالأحداث. ورفض الحديث عن التفاوض مع من سماه بـ"رأس الارهاب"، وزاد بالتحدث عن العودة للعمل بعقوبة الإعدام، مهدداً الأكراد ضمناً بامكانية إعدام "أوجلان"، ومدغدغاً مشاعر حزب الحركة القومية المتعصب الذي يطالب منذ فترة طويلة بإعدام "أوجلان"
ولعل من الملفت أن حل مسألة الإضراب جاء في نفس يوم توجه "أردوغان" إلى مصر، مما قد يشير إلى تعمده حل القضية فيما يكون هو خارج البلاد في زيارته الطويلة والحافلة، حتى لا يتعرض للإحراج بسبب اضطراره لتحقيق المطالب الثلاث الأساسية للمضربين بعد كل العبارات التهجمية والقاسية وغير اللبقة أحياناً. ويتزامن كل ذلك مع تطور مهم آخر له علاقة بالقضية الكردية، وهو إعلان قرب نشر تقرير التحقيق في مجزرة "أولوديره" التي قتل فيها الطيران الحربي التركي أربعة وثلاثين قروياً كردياً. مما يثير مرة أخرى علامات الاستفهام حول تزامن هذه التطورات مع ذهاب "أردوغان" إلى مصر.
بكل الأحوال نجح النضال السلمي للأكراد بما لم تنجح به عشرات العمليات المسلحة. ورغم أن الاستجابة لمطالبهم كانت مجتزأة فإن هذا لا ينفي الأهمية الكبيرة لقدرتهم على تطويع السياسة الأردوغانية التي كانت قد ازدادت انحرافاً نحوا اليمين وتقلصت مساحات الحوار وامكانية التلاقي معها يوماً عن يوم منذ نحو عام ونصف. التعليم باللغة الكردية الذي كانوا يطالبون به تحقق جزئياً، وفي المدارس الكائنة في المناطق ذات الأغلبية الكردية أصبحت هناك دروس اختيارية باللغة الكردية لمن يشاء. وحق المرافعة باللغة الكردية أمام القضاء تحقق أيضاً، وإن كان مجتزأً، حيث أن أجور المترجم سيتكبدها المتهم، وليست كل أنواع المحاكم تقبل بهذا التطبيق. الطلب الثالث، والأساسي، والذي لطالما رفضه "أردوغان"، واعتبره استفزازياً، وهو رفع العزلة عن "أوجلان" تحقق أيضاً، ولو أنه تم عبر الشقيق وليس المحامين.
وقد أدلى وزير العدل "سعد الله أرغين" بتصريح قال فيه: "سيتم البحث مستقبلاً في موضوع السماح للمحامين بلقاء "أوجلان". وهو ما يشير إلى أن الدولة التركية بدأت تتقبل هذا الموضوع، ولم تعد ترفضه رفضاً باتاً، وخاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تصريح "أردوغان" في المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية الحاكم حول "الاستعداد للتفاوض من أجل السلام"، و"الاستعداد لارسال الموفدين إلى "إمرالي""
إن قدرة "أوجلان" وسلطته الكبيرة التي أثبتها في موضوع الإضراب أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنه المرجع الأول والأخير للتفاوض. وقد كانت الحكومة قد حاولت في الأشهر القليلة الماضية اللعب على وتر الخلافات والتمايزات فيما بين مكونات الحركة السياسية الكردية: حزب العمال الكردستاني "PKK" في معسكراته في جبال "قنديل" شمال العراق – حزب السلام والديمقراطية "BDP" والذي يتولى المهام ذات الصلة بالهيئات الشرعية للدولة التركية، ولا سيما مجلس الشعب الذي له فيه عدة نواب – اتحاد المنظومات الكردستانية "KCK" الذي يعتبر امتداد حزب العمال في المدن والقرى والذي يتولى العمليات اللاقانونية داخل التجمعات البشرية من مظاهرات وأعمال عصيان مدني، وتتبع له ميليشيا الدفاع الشعبي "YPG". وعبر هذه التمايزات في أسلوب خطاب كل من هذه المكونات حاولت الحكومة تفضيل طرف على طرف في المفاوضات، وادخالها في حالة صراع داخلي حول هوية المتفاوض، لتعتم من خلال ذلك على وضع "أوجلان" في السجن وتمحي سلطته الزمنية.
غير أن حكومة حزب العدالة إذ احتاجت لتدخل "أوجلان" في قضية الإضراب عن الطعام، فإنها من باب أولى أظهرت عدم قدرتها على تجاهله في مفاوضات القضية الكردية بكل تشعباتها وتعقيداتها وتراكماتها منذ ثمانين عاماً. ورغم تزامن التطورات السياسية الحاصلة مع اشتداد الاشتباكات في بلدة "شمدنلي"، وسقوط عدة قتلى من الطرفين، فإن سياق الأحداث يشير إلى توجه أكبر لديهما نحو العملية السياسية.

» ما هو الدور المتبقي لمؤتمر جنيف 2 بعد نجاح “استراتيجية الاسد”؟ ...العميد أمين حطيط
» أوجلان وسوريا - 2 أوجلان: لن نكون عبئا على الأسد...بقلم : غالب قنديل
» مداخل الاصلاح الاداري والاقتصادي في الثقافة الغربية وفي الثقافة الصينية عبد الرحمن تيشوري شهادة عليا بالادارة شهادة عليا بالعلاقات الدولية 1 – استراتيجية الاصلاح الجزئي 2-استراتيجية الاصلاح الافقي 3- استراتيجية الاصلاح القطاعي 4- استراتيجية الاصلاح الشامل
» استراتيجية النصر... استراتيجية القضاء على الإرهاب
» إندبندنت: قطر تدخل مرحلة العزلة الدولية