عملية اغتيال الجعبري لن تُجدي على اسرائيل...
كتب (يوسي سريد) في صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالاً تحت عنوان: عملية اغتيال الجعبري لن تُجدي إسرائيل، تطرق من خلالها إلى الحسابات الإسرائيلية الخاطئة والمستمرة ولا سيما فيما يتعلق بعمليات الاغتيال التي تنتهجها الدولة العبرية...
وفيما يلي الترجمة الحرفية للمقال في الصحيفة المذكورة:
ليست الحياة فيلماً، إن القضية هنا ليست قضية عدل لأنه لا يهمني هل مات أحمد الجعبري أم عاش، وليَمُت من جهتي لأن يديه ملطخة بالدم، وإن القضية، قضية تقدير عقلاني لا يكترث بغريزة الانتقام والمُجازاة.
ذات مرة وقبل ثماني سنوات، سحقنا رأس الأفعى في غزة الذي كان أكثر سُماً وفتكاً من هذا الجعبري، فقد قتلنا آنذاك أحمد ياسين لكي نعلمهم درساً، وليروا جثته المهشمة ويتعلموا، وفضلاً عن أنهم لم يزدادوا اعتدالاً هناك منذ ذلك الحين، بل تطرفوا ونجحوا بتطرفهم في بسط سلطتهم على القطاع.
لم تبرهن الاغتيالات على جدواها مهما بلغت درجة تركيزها، فهي في الحقيقة تُسبب رضى لحظياً وتنفس صعداء قصير، وما إن نتنفس الصعداء حتى تهاجمنا أفكار ثانية وثالثة فحواها: هل كان من الجيد أن نغتال )المهندس( في حينه ونجلب على أنفسنا كوارث ثقيلة واحدة تلو الأخرى؟ هل جميع الحافلات والمقاهي والمطاعم التي انفجرت هي في الحقيقة نهاية فعل بتفكير بارد مسبق؟
إذ يأتي حالاً ورثة الذين اغتيلوا وهم خطرين جداً، بل إنهم لا يأتون لأنهم موجودون هناك ومستعدين ومتأهبين، ولا يحلون محلهم بفضل اعتدالهم، بالعكس، لأنهم الأكثر تطرفاً فيكونون أول من يُختارون للمهمة، ويجب عليهم من جهتهم أن يبرهنوا على أنهم أكثر تشدداً ممن سبقوهم.
هذا ما حدث في لبنان أيضاً، فقد اغتلنا عباس موسوي زعيم حزب الله وحصلنا على حسن نصر الله، فاذا كان الأمر كذلك فما نفع المغتالين باغتيالهم وبجهلهم؟ وكم نريد إرجاع عجلة التاريخ الى الوراء، فالتاريخ يعود أما العجلة فلا تعود.
إن النهاية المُرة لياسين والمهندس وموسوي وعشرات المتشددين الآخرين يستحقونها لكن لماذا نستحقها نحن، إنهم هنا لا يغتالون الإرهابيين فقط بل يغتالون المعتدلين أيضاً ممن أقسموا أن يتركوا الإرهاب، واذا لم يغتالوا حياتهم حقاً فإنهم يغتالون حياتهم السياسية ويغتالون مستقبلنا أيضاً.
في الأيام الأخيرة، قُبيل الانتخابات التمهيدية في الليكود بيتنا، وقُبيل التصويت في الأمم المتحدة، يتنافس القائمون بالانتخابات التمهيدية في إرخاء الرسن، فكل مُكثر من الهجوم على محمود عباس ممدوح، وسيتم الثناء عليه في صناديق اقتراع الحركة الموحدة الجديدة، وهم مصممون على القضاء عليه لأنه هيأ لنا باعتداله فرصة أخرى للتحادث والتهدئة.
لم يعد يوجد فرق بين بنيامين نتنياهو وموشيه فايغلين، وبين افيغدور ليبرمان وجدعون ساعر، فالجميع ينقض في هياج وغضب على عباس بشرط ألا يصلوا إلى المحكمة الدولية في لاهاي، ويتبين إذاً أن الاعتدال أيضاً ليس صفة تتيح طول العمر.
ما الذي فكر فيه جميع صاغة برنامج العمل الاجتماعي والمدني، من شيلي يحيموفيتش إلى يئير لبيد، ونشطاء الاحتجاج أولئك الذين يحاولون الآن الاستيقاظ من نومهم؟ هل خطر ببالهم أن تدور الانتخابات التالية حقاً على التساوي في العبء، وتغيير طريقة الانتخابات، وغلاء المعيشة والفروق التي تزداد عمقاً في المجتمع؟ أهذا ما رأيتموه بعيون أرواحكم وخواطر قلوبكم يا رُحماءنا ورُفقاءنا؟
لستم ساذجين بهذا القدر، إن بنيامين نتنياهو وايهود باراك لن يدعاكم تجرون الجدل العام إلى مناطق ميتة هي بالنسبة إليهما مناطق مشاع، وإن الناس الأقل اتزاناً هم دائماً الأكثر اتزاناً حينما يكون مصيرهم الشخصي موضوعاً في كفة الميزان، وسيعيد الجمهور قلقه إلى سابق عهده كما كانت الحال في جميع معارك الانتخابات السابقة.
إن عامود السحاب الاسم المكرر الذي أُعطي للعملية العسكرية، هو اسم أكثر نجاحاً من عامود النار بل من الرصاص المصبوب اللذين هما اسمان ذوا صبغة عنيفة شيئاً ما، وإن الشعب كله سيرى عامود السحاب عند باب الخيمة، والشعب كله سيقوم، وسيسجد كل واحد عند باب خيمته، وبعد العملية التي ستقضي على الوباء هذه المرة وتقتلع وتُبعد وتحسم، سنعلم مرة أخرى أن البحر هو نفس البحر، وأن غزة هي نفس غزة، وأن العرب هم العرب أنفسهم، وكذلك اليهود أيضاً.