دام برس :
كانت تبكي فرحاً وتوصفّ لي المشهد الذي لا أستطيع أن أراه عن طريق محادثتي لها بواسطة برنامج للأنترنت اسمه " السكاي بي" كانت سعيدة وهي تخبرني عن منظر الفئران الاسرائيلية وهم يختبؤون في مجاري الصرف الصحي , كانت نبرة صوتها ترقص وهي تروي لي المشهد الذي لم تراه منذ 40 سنة وهو عمرها الافتراضي في هذه البلدة الفلسطينية . وكانت الدهشة تغمرها وأنا أرى تعابير وجهها التي ستنفجر غبطة مما ترى وتسمع وكان الدنيا لا تسع حدود ضحكتها بل تريد أن تتمزق و تصير بطول الخط الاستوائي عرضاً.
لقد فعلوها أطفال الحجارة الذين صاروا رجال المقاومة اليوم وزرعوا الرعب في قلوب الصهاينة ورسموا اللون الأصفر على وجوههم وصار الليمون الفلسطيني يعصرّ حامضه عليهم , ولم تسعفهم كل قببهم الحديدية من النزوح من بيوتهم والاختباء في ملاجئ أعدت سابقا لهذا الأمر الغير منتظر أصلاً . لقد أرعدت السماء بصواريخ القسام وكتائب الأقصى وهطلت على مستعمراتهم مثل الحجارة السجيلّ , ولم ينفعهم لا أبرهة ولا حتى الفيل . وكل مساومات التهدئة لن تجعلهم يقعوا في فخ طاولات الحوار التي تواطئ عليها أمثال محمود عباس واسماعيل هنية وخالد مشعل , لقد أشعلوا الفتيل الذي طالما خافت اسرائيل أن يشتعل وكان دوما تلك الأسماء التي ذكرتها هي بطاقة التأمين والضمان بأن هذا الفتيل لن يشتعل أبداً . كما قالها ذاك المريض العباسي بأنه لن تكون هناك انتفاضة ثالثة وكأنه يظن نفسه صلاح الدين الذي تأتمر تحت رايته كل الفصائل الفلسطينية ونسي تماماً أن هناك فصائل لم تتخلى عن الشرف كما تخلى هو عنه . وما زال دم النضال يمشي في عروقهم هدارا وليس كخالد مشعل واسماعيل هنية التي ما زالت دماء الخيانة تنضحّ من شرايينهم وكلامهم . لقد حاول خالد مشعل اسكات الغضب القسامي وطلب منهم بكل سفالة ايقاف القصف الفلسطيني المشرفّ على مستوطنات اسرائيلية وهو الأمر الذي لم يلقى له صدى ولم يعيره أحد بال ولا بالعكس لم يردوا حتى عليه بأي جواب ورموه وراء ظهورهم مثل الكلب يعوي خوفا على أمن اسرائيل واستمروا بقصف الصهاينة رغم كل مساعي الدول العربية الرخيصة والمتآمرة أصلا على هذا العدوان السافر على غزة , من قطر الى مصر الى السعودية مروراً بجامعة الخنازير العربية ووقوفاً عند الالهة الامريكية .
لقد عاشت فلسطين اليوم نشوة الارتباك بين قصف الطائرات الاسرائيلية ودكّ حصون الصهاينة بالصواريخ الفلسطينية وامتزجت الأصوات بين زغاريد بالشهادة وزغاريد بالقصف . وأعلنت فلسطين انتفاضتها رغماً عن كل كلب كان ينبح لأجل عظمة يأكلها من يد الصهاينة , أعلنت قرفها ومللها من التخاذل العربي الفاضح والواضح لكل أعمى ليس فيه بصيرة . أعلنت نهوضها من مستنقع الذلّ الذي لطالما حاولت قياداته أن تبقي المقاومة فيه . نهضت رغما عنهم كلهم ولم يعد يهمها شيء فلا أصعب من أن تقاتل رجلا ليس عنده ما يخسره . والمقاومة لم يعد عندها ما تخسره أكثر مما خسرت في كل طاولات الحوار التي امتهن سادتها الجلوس عليها واحترف قوادها النوم في سرير ليفني كما أعلنت آخر مرة وفضحت صائب عريقات وياسر عبد ربه والقائمة تطول , وقطار الفضائح وسقوط الاقنعة لن يتوقف طالما أن صواريخ القسام لن تهدئ .
اليوم تنعي غزة لكم موت الشرف العربي ابتداء من قمة الهرم السياسي متمثلة في الرؤساء والملوك والامراء وانتهاء بالشعوب المضحوك عليها . اليوم تعرّي غزة كل الوجوه التي اغتسلت يوما بماء بحيرة طبرية لأجل الصلاة على حائط المبكى , اليوم تسقط الصواريخ على المستوطنات الصهيونية مذيلة بتوقيع سوريا . ومع مباركة سودانية نقف لها بتحية تقدير واجلال . اليوم تنكشف الخديعة الكبرى التي حاول الكثير من الخونة الاختباء وراءها وجيشتّ كل قنواتها المجرمة من الجزيرة الى العربية الى الكثير من أمثالها الى تخدير الشارع العربي وايهامهم بأن العدو الأول هو النظام في سوريا متجاهلة تماما أن سوريا هي الدولة الوحيدة التي تدفع ثمن ما يحدث جراء احتضانها للمقاومة وتذخير كل المخازن الفلسطينية بصواريخها وأسلحتها . ابتداء من حزب الله الشريف الى حماس التي باعت شرفها . اليوم تقول لكم غزة وبكل اعتزاز " طز فيكم " .
أيها العرب من الشرق الى الغرب ومن أسفل حضيض الذل الى أعلى مستويات المؤامرة , لا تستيقظوا أبدا فلم يعد مهما أن تفتح عيونكم كل يوم على دماءنا الفلسطينية ثم تغمضوها من باب غضّ النظر ايمانا واحتسابا عند الله. فقد أثبتت المقاومة الشريفة أنها القادرة على منافسة قنوات روتانا بكل ما تملك من ابتذال رخيص من هيفاء وهبي الى مذيعات قنوات الجزيرة والعربية بأنها تملك القدرة على تفتيح عيونكم رغما عنكم . اليوم لم تعد العيون الاسرائيلية قادرة على النظر الى الأرض التي احتلوها واغتصبوها على مرأى عيون العرب ما دامت السماء تمطر عليهم حجارة من سجيل , اليوم عيونهم مفتوحة على مصراعيها تشهد هطول الغضب الفلسطيني عليها , اليوم فقط يشعروا لأول مرة بالرعب والخوف ويفضحوا أنفسهم أمام العالم كله بأنهم أجبن شعب أختاره الله يوما لنفسه , وبأن الكذبة الكبيرة التي مارسها قوادنا على مدار السنين ما هي سوى بالون هوائي انفجر في وجوههم وفضح خيانتهم وقذارتهم ابتداء من حمد الساقط من غبار الصحراء الى مرسي الاخونجي الذي يحاول أن يبيضّ صورته على حساب العدوان الغاشم على غزة انتهاء بملك السعودية الوهابي الذي يحاول أن يغسل ماء وجهه بشيء من الوعيّ كما يقول بعد أن فشل كل ماء زمزم في غسل عاره القذر .
المقاومة تثبت نفسها رغما عن كل متشدق خيالي ومحلل سياسي وحالم انفعالي , تثبت الخيار الوحيد الذي اختاره جمال عبد الناصر يوما وتحققت بمقولته الشهيرة " ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة " وتثبت ما قاله الرئيس بشار يوما خلال انعقاد قمة غزة الطارئة والتي قال فيها بالحرف الواحد " أننا سنحرص على أن يتذكر أبناؤنا أيضاً، سنخبئ لهم صور أطفال غزة وجروحهم المفتوحة ودماءهم النازفة فوق ألعابهم، وسنخبرهم عن الشهداء والثكالى والأرامل والمعوقين وسنعلمهم بأن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وأن العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة. وأؤكد لهم أن ما يقومون به وما يرتكبونه من جرائم حرب لن ينتج لهم سوى أجيال عربية قادمة أشد عداء لإسرائيل، مناعتها تتطور وإرادتها تتصلب بوتيرة أسرع وبشدة أكثر فتكاً من تطور وقوة ترسانتهم العسكرية، وهذا يعني بمعادلة الواقعية أنه مع كل طفل عربي يُقتل يولد مقابله عشرات المقاومين، وهذا يعني أيضاً أنهم يحفرون بأيديهم قبوراً لأبنائهم وأحفادهم
اليوم لن تغمض عيونكم أيها الاسرائيليون ومعكم أيضا كل المتخاذلون والمتآمرون والخونة , اليوم ستشهدون ولو مرة في تاريخ العرب الذليل بأن هناك شرفاء وهناك مقاومون لم يتخلوا عن بوصلة الجهاد في فلسطين ولم يسقطوا في فخ ألاعيبكم الحقيرة ومهرجانات الكلام على منابر يوم الجمعة من الأفاقين الدجالين أمثال مفتي الناتو القرضاوي والعريفي والعرعور , ومازال هناك من ينبض في قلبه حسّ المقاومة وما زال الشرف معلقا على رقبته وملفوفا على بارودته , وما زالت العيون مشدوهة وستظلّ ما دام الليمون يرسم على وجوهكم صفرة الموت .
على حافة المقاومة
صدق حين قال محمود درويش
كل ليمونة ستنجب طفلا ومحال أن ينتهي الليمون ..؟؟
بلال فوراني
الخبر برس _ الاخبارية اللبنانية