مفارقة هشاشة العظام ...د. حياة الحويك عطية

كنت أشتريه في باريس من ماركة سويسرية، دواء للوقاية من هشاشة العظام التي تهدد من يتجاوزن منتصف العمر، بثمن ثلاثين يورو، وفي احدى زياراتي لسورية في عام 2005 وجدت تقليدا له بما يساوي دينارين. حملته معي الى فرنسا وعرضته على طبيبي هناك، حوّله للصيدلية والمختبر وعاد يقول لي: لا فرق اطلاقا بينه وبين السويسري، يمكنك التبديل رغم أنه ذهل لفارق الثمن.
بالأمس أوصيت زميلا لي ذهب الى الشام ليأتيني بعلبتين فأجاب: أتمنى ألا يكون مصنعه قد دمّر من بين ستمئة مصنع سوري لحق بها الدمار. ولحسن الحظ جاءني به.
عدت عقودا طويلة الى الوراء. لم يحاول بلد عربي أن يخرج الى حيز التصنيع أو الاكتفاء الزراعي أو أي وجه من وجوه الاستقلال الاقتصادي الا وضرب، لسنا هنا في وارد مناقشة ما اذا كانت الضربة من الداخل أو من الخارج، فلا فرق طالما أن النتيجة واحدة. منذ مصر محمد علي ومحاولة اللحاق بالعصر الصناعي، الى مصر عبد الناصر والعدوان الثلاثي بعد تأميم القناة، ومن ثم التآمر الدولي بعد السد العالي ومحاولات التصنيع والإصلاح الزراعي والنهضة العلمية والثقافية التي رافقت ذلك، الى العراق وتأميم النفط، وطموح بناء نهضة في كل المجالات، يكفي للدلالة عليها – على سبيل المثال - عدد العلماء العراقيين الذين تم اغتيالهم بعد الاحتلال، ولا مجال لاستعراض المبدعين في كل المجالات الأخرى، والآن الى سورية التي أذنبت بالنجاح في تطوير الزراعة، ووضع القدم على طريق تطوير الصناعة، في اطار الذنب الأكبر: عدم المديونية.
قد يقول البعض إنه لا يمكن حماية الانجازات العلمية والثقافية والاقتصادية إلا بالحرية والديمقراطية، وهذا صحيح بلا شك. ولكن، إذا كان هذا هاجسنا نحن الشعوب المتضررة من غياب الحريات والديمقراطية، فهل كان هذا هاجس إسرائيل وبريطانيا وفرنسا في العدوان الثلاثي؟ هل كان هذا هاجس جيوش الاحتلال الأمريكي في العراق؟ وهل هذا هو هاجس الدول التي تخطط لتدمير سورية، اقتصادا وجيشا ونسيجا بشريا، وتموليها التدمير؟
بل إن السؤال الأخطر هو: هل كان نجاح الحراك الشعبي الوطني في فرض الاصلاح أو انتزاعه او الوصول اليه بالحلول الوسطى، ليعني شيئا غير اصلاح الشوائب والأخطاء مع الابقاء على الانجازات، وبالتالي جعل مسيرة البلاد أقوى وأصلب على طريق التنمية؟ وهل من شيء يزعج ويخيف أعداء المشروع النهضوي أكثر من هذه القوة الجديدة التي كانت ممكنة؟ وهل ما نسمعه الآن من أن التوصل الى حل في سورية مشروط بوصول طرفي النزاع الى الانهاك، كي يقبلا بحل تفاوضي – هل هو شيء آخر غير وصول سورية كلها الى الانهاك؟ وصولنا كلنا إلى مرحلة هشاشة العظام؟
العرب اليوم