حمص تعود وستعود ؟ - ايلا خواجا
لن اتحدث عن حمص قبل الاحداث, فتلك السنوات التي كانت مليئة بالأسواق المزدحمة و صياح الباعة,بالطلاب المسرعين للدخول الى مدارسهم,و أصوات المدرسين المسموعة عبر نوافذ الصفوف,و ألعاب الأطفال في زوايا الطرقات و ضحكاتهم التي تملأ الأرواح بالأمل,تلك السنوات تبدو بعيدة,وكأنها حلم صعب المنال.
سأبدأ حين توجهنا الى سيارتنا و قررنا الانتقال الى خارج المدينة هربا من الفوضى التي عمت حياتنا و أنفسنا,تركنا الشوارع مقفرة فارغة الا من بعض السيارات المسرعة,و كأنها خائفة من مترصد ما.
مررنا بأرصفة مكسورة,ولوحات اعلانات مخلوعة,و أكوام من الاوساخ مرمية في الطرقات.
لم يكن الخروج من مدينتنا سهل علينا,ولكنه افضل الخيارات,ففي تلك الفترة كانت حمص قد تملكتها كآبة سيطرت على سكانها من رجال و نساء,أطفال او كبار,عندما تنظر الى قسمات وجه احد المارة بجانبك,ترى ألوان الحزن تتنوع بين عينيه,و التأملات الغارقة بالتفكير و البحث عن الحلول لتلك المشاكل المتشابكة في رأسه تكاد لا تفارقه.
كانت رائحة الموت تملأ الأرواح,و الخوف يعبث في قلوب الناس حتى اولئك الذين قرروا الابتعاد عنها.
جو مشحون بغيض حثنا على الإبتعاد عن هذه المدينة دون تردد,و البقاء بعيدا عن الأخطار المتعددة لفترة من الزمن.
كان البعد الجسدي لا يمنعنا من الحياة روحيا,عاطفيا,عقليا,و فكريا داخل المدينة,كنا نعيش تطور هذه الأحداث لحظة بلحظة,لم نستطع نسيان او تناسي هذه الظروف القاسية,اسماء فقدت,بيوت هدمت,مخازن اغلقت,احياء هجرت,و الكثير من الخسائر
بعد ثمانية أشهر قررنا العودة,وصورة متداخلة بين حمص قبل الأحداث و حمص خلالها,لتجد حمص اخرى عند الوصول.
المكتبة تحولت لبيع الحلي,المدارس امتلأت باللاجئين,مقاهي اغلقت,اماكن بيع الملابس تحولت للخضار,وروضة الأطفال اصبحت ملحمة!!
هكذا ملأت الناس الشوارع تبحث عن رزقها و قوتها,متناسية الآلام المحفورة في الصدور,و أخليت المدارس لتستقبل الطلاب ولو لدوام جزئي,لقد عاد الناس طلبا للحياة حتى لو كانت شبه طبيعية.
تغيرت معالم المدينة,و تبدلت,لكنني عندما مررت بأحد الأحياء المدمرة تذكرت قول أحدهم لي : أحيانا يكون الدمار فنا,او يخلق الفن من الدمار.