الجزائر مستهدفة عبر المسرح الليبي والوضع في شمال مالي! ..بقلم المحامي محمد احمد الروسان
تشير جل المعلومات المرصودة, والمعطيات الجارية, والتطورات الدراماتيكية اليومية, وقراءات إحداثيات, علم الإنذار المبكر, كعلم بحثي استقرائي تطبيقي, لجهة
ما يجري على كل المسرح الليبي, المتفاقم لجهة التصعيد, وفي جل مفاصله وتفاصيله, أنّ المسألة والحالة الليبية, لن تكون مستقرة على المدى القريب المنظور,
فكلّ الإحداثيات العسكرية, والسياسية, والاستخباراتية تقول:- بأنّ خيار الحرب الأهلية الليبية يتعاظم ويتعاظم, وصار أكثر احتمالاً لجهة الحدوث في المستقبل القريب، عبر مواجهات هنا وهناك في جل جغرافية الساحل الليبي وفي عمق الصحراء الليبية أيضا, وان كان الاحتمال بشكل عام, ليس يقيناً هنا, فطالما أنّ أنصار العقيد الليبي القذّافي المقتول وأنصارهم, يعملون جاهدين لتنظيم وإعداد, شبكات العمل السري المسلّح, لجهة الاستمرار في تصعيد المواجهات المسلّحة, ضد قوّات وحكومة, النسق السياسي الليبي الجديد والذي جاء عبر صواريخ الناتو، وبعض الصواريخ العربية, فانّ الحرب الليبية الأهلية, سوف تتصاعد عناصر ومكونات شدّة وتائرها، منتظرةً اللحظة التاريخية لأنطلاقها، وفقاً للظروف الدولية والأقليمية وعبر ميكانيزمات الحدث السوري وتداعياته.
بعبارة أكثر وضوحاً, نرصد تدحرجات, أفقية وعاموديه, لكرة الصراع الليبي – الليبي, نحو أتون ملفات الحرب الأهلية الداخلية المؤجّله, المصحوبة بتدخل بعض
الأطراف العربية, والأطراف الإقليمية, والأطراف الدولية, وتصعيدات هذا الصراع الداخلي, سوف يقود ويتيح, إلى تعزيز نفوذ زعماء القبائل, والعشائر الليبية, لجهة السيطرة على مناطقهم القبلية, وهذا يقود بالضرورة, إلى تحويل هذه المناطق, إلى دول قبلية صغيرة متناحرة, تتحالف مع بعضها البعض, ضد بعضها الآخر, وهذا يعني ببساطة, أنّنا الآن في مواجهة خيار, انهيار وتفكك الدولة الليبية, لتوفر مكونات نجاح هذا الخيار – الكارثي, من توفر عامل الخلافات العدائية الداخلية, وتوفر عامل المؤامرة الخارجية الإقليمية والدولية, مع عدم وجود العامل الداخلي الليبي, القادر على فرض سيطرته بالرغم من وجود هيئة سياسية جديدة تتولّى الحكم هناك, وهذا يقودنا بلا أدنى شك, إلى بيئة عرقنة, وصوملة, وبلقنة, وأفغنة ملفات الصراع الليبي – الليبي, بالمعنى الرأسي والعرضي, وعمليات التعبئة السلبية, الشاحنة لطرفي الصراع. ليبيا باعتقادي, وظني, وتقديري, وان كانت قد أجرت انتخابات تشريعية، وحكومة توافقية منتخبة الى حد ما، وانتخاب رئيس لها ورئيسا للمجلس الوطني الليبي، فانّها لن تكون على مسار, بناء الدولة المدنية الحديثة الديمقراطية, لأنّه عامل إجماع الشعب الليبي غير متوفر, ولا عامل وحدة
قيادة المعارضة الليبية – التي صارت في الحكم متوفر أيضاً, وكذلك الحال بالنسبة لتوفر عامل دعم الأطراف الإقليمية والدولية، لا زال محل شكوك في الكواليس.
وحتّى بالنسبة, لمسار بناء دولة شمولية - استبدادية ليبية, وأحسب أنّه لن يتحقق, لسبب بسيط, عدم توفر عامل, وجود طرف ليبي واحد, يتميز بالقوة والقدرة, على إخضاع الشعب الليبي, ويدعم ذلك عدم توافر, عامل دعم وإسناد الطرف الدولي والإقليمي، الاّ اذا تغيرت حسابات الطرف الأخير( الدولي والأقليمي) وعمل على خلق ذلك العامل – الطرف الليبي الداخلي لأشعال الحرب الأهلية.
وصحيح أنّ الصراع الليبي, بدأ على المستوى الداخلي, ثم بدأت عمليات تدويل, هذا الصراع عربياً - مع كل أسف - لارتهان, الإرادات السياسية العربية في جلّها,
وحلّها, وترحالها, للأطراف الدولية والإقليمية غير العربية, فصار الصراع الليبي, ذو سمة مزدوجة, من بيئة داخلية ليبية, وبيئة خارجية معقدة جداً, لدرجة يصعب معها أحيانا الفهم, لجهة تفكيك المركّب فيها, وتركيب المفكّك, فسيطرت قوّات المعارضة الليبية – الثورية والتي صارت قوّات حاكمة وفي الحكم, ليست كاملة على المسرح الليبي, رغم نجاحات مؤقته ونسبية لهذه المعارضة – والتي صارت حكم, في الإمساك بالمناطق الساحلية, في حين على مستوى بيئة الصراع الخارجية, نجد أنّ المعارضة الليبية المسلّحة, وجدت الدعم والإسناد, وعبر العاصمة الأمريكية, واشنطون دي سي, وجميع دول الإتحاد الأوروبي, ومساندات مختلفة من تركيا, ودول الخليج العربي, ومن الأردن, ودعم مجلس الأمن الدولي, باستثناء الجمهورية الجزائرية, والتي ما زالت أكثر تحفظاً, يصل إلى درجة الرفض, للمكونات الليبية الجديدة, والتي تحاول فرض نفسها على الشعب الليبي, بمساعدة الطرف الدولي والإقليمي, وحتّى الإتحاد الأفريقي, كمنظمة إقليمية هامة, عمل على ربط اعترافه العملي والصريح, بإنشاء حكومة ليبية, تحظى بمساندة ودعم, جل مكونات الشعب الليبي. ليبيا كدولة غنية بمواردها الطبيعية, صارت مجرد بلد أعزل, واقع تحت الوصاية الدولية غير المعلنة, وعبر أطراف مثلث:- واشنطون – باريس – لندن, والمجلس الليبي الحاكم, لا يستطيع اتخاذ أي قرار, دون اخذ إذن(البابا والماما), وأقصد أطراف مثلث:- واشنطون – باريس – لندن, وهذا من شأنه أن يقضي على أي, احتمالية استقلالية, عمليات صنع واتخاذ القرار, السيادي الليبي الحر, ومن شأن ذلك أن يقود إلى, تفجّر وتفجير ألغام الخلافات, داخل المعارضة الليبية المسلّحة, والى عمليات اصطفافات جديدة, داخل المجتمع الليبي, وهنا سوف يصعب على الأطراف الدولية الخارجية, عملية إدارة وتوجيه الصراع والمواجهات, إن لجهة داخل مكونات المعارضة, وان لجهة شكل المواجهات المسلحة, بين المعارضة والتي صارت حكم, وأنصار العقيد القذّافي, وجيوبه الأمنية والعسكرية غير الظاهرة, والكثيرة والعابرة للجغرافيا الليبية المحتلة نيتويّاً.
إنّ عدوى الصراع الليبي, تأخذ هذه اللحظة التاريخية, طابع عابر ومخترق للحدود الليبية – الجزائرية, فمنذ بداية الصراع الليبي – الليبي, دخل ليبيا عناصر
جهادية إسلامية, مسلّحة ومتطرفة, من الجزائر والمغرب وموريتانيا, ومن الجانب المصري, وبلدان عديدة, من دول الشرق الأوسط, وخاصةً من العراق, والسعودية, واليمن, والصومال. وتعتبر جماعة, (المنظمة الليبية للجهاد والقتال), بمثابة الفرع الليبي المحلي لتنظيم القاعدة, ولها ارتباطات, مع تنظيم الجهاد المصري, ومع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي, وعلاقات عضوية قويّة, مع الحركات السلفية الجهادية, المسلّحة في الجزائر, وتعد هذه المنظمة, بمثابة المنظمة العسكرية الأولى, الفاعلة في العمليات العسكرية القتالية, التي شنّتها المعارضة الليبية المسلّحة, ضد نظام العقيد القذّافي.
لتخوفات النسق السياسي في الجزائر, من القاعدة والفصائل الجهادية الإسلامية المسلّحة, فقد قام النسق الجزائري اثناء ذروة المواجهات الليبية - الليبية, بتزويد القذّافي وكتائبه, بالمعلومات الأستخباراتية, كما قالت وتقول المعلومات. والجزائر, تتهم المجلس الوطني الليبي , في اعتماده على عناصر من القاعدة مسلّحة, وعناصر جهادية سلفية وهّابية, ومن الجدير ذكره أنّ المخابرات الجزائرية, في سابق السنوات, اعتقلت عناصر مهمة من عناصر القاعدة, والحركات الجهادية السلفية, المسلّحة الوهابية, من الليبيين أمثال: عبد الحكيم بلحاج, رئيس المجلس العسكري في طرابلس سابقا, والذي صار متلوناّ - منظّراً لسلمية سلفيته, وتتحدث المعلومات, على قيام المخابرات الجزائرية, بتسليم بلحاج, ومعه مجموعات أخرى ليبية, إلى سلطات نظام العقيد القذّافي في السابق, وتم وضعهم في سجون العقيد لسنوات, وتم الإفراج عنهم وقت الثورة, من قبل الثوار, لحظة خروج القذّافي وكتائبه من طرابلس, وتشير المعلومات, إنّ عدد من تم تسليمهم لنظام القذّافي, من المخابرات الجزائرية, بلغ آلاف الأشخاص, وهذا أمر قلق.
تقديرات المخابرات الجزائرية, وحول النظام الليبي الجديد كانت في مكانها, رغم تفوق نسبي لليبراليين الليبيين الجدد على الأسلاميين، لكنه تفوق نسبي غير حقيقي,
مع سيطرة عناصر أسلامية مسلّحة, على كل فعاليات العمل العسكري, وهذا من شأنه أن يدعم, جهود العناصر الإسلامية المسلّحة في طرابلس, كما تذهب المعلومات, أنّ هناك جهود تبذل من المخابرات الأمريكية, والبريطانية, والفرنسية, وبالتنسيق مع عناصر ليبية جهادية مسلّحة, سلفية وهّابية من القاعدة وغيرها, لنقل فعاليات الصراع, إلى جل المسرح الجزائري, خاصةً مع وجود العناصر الإسلامية الجزائرية, كبيرة العدد والعدّة, قاتلت إلى جانب المعارضة الليبية, فهي تريد مواصلة القتال والجهاد, في الجزائر, بدفع من السي أي إيه, والأم أي سكس, والمخابرات الفرنسية، وكحالة انتقام أمريكي غير مفهومة لمقتل سفيرها في ليبيا مؤخراً.
وسيناريو العدوى الليبية, يتضمن نقل الصراع والقتال, إلى الجزائر, ثم إلى المغرب وموريتانيا, حيث هناك إسلام سياسي في ليبيا, جاء نتيجة وبسبب الإسلام السياسي الجزائري, الذي هو أشد تطرفاً بالأصل.
إنّ إشعال الساحة الجزائرية, عبر نقل الصراع والقتال وعدواهما, من طرابلس إلى الجزائر, عبر مؤامرة مخابراتية- سياسية, من مثلث إطراف واشنطون, باريس, لندن, وبالتنسيق مع القوى العسكرية الفاعلة على الأرض في ليبيا, من شأنه تحقيق عدّة أهداف إستراتيجية هامة:- - يسمح بالتخلص, من آلاف العناصر الجهادية المسلّحة, المتواجدة الآن في ليبيا المحتلّة نيتويّاً, وهذا يسهّل على الناتو, ترتيب الأوضاع في ليبيا المحتلّة, ما بعد القذّافي وفي ظل وجود مجلس وطني حاكم ورئيس له، وكذلك حكومة الى حد ما منتخبة ورئيس لها, وذلك لعدم وجود, هذه العناصر المسلّحة الإسلامية المعيقة, للترتيبات الناتويّة القادمة.
وإشعال الساحة الجزائرية, وإسقاط النسق السياسي فيها, يعني إضعاف القدرات الجزائرية, وتحول الجزائر, إلى دولة فاشلة, أكثر فشلاً من دولة اليمن, وهذا الأمر
تسعى له تحديداً, المخابرات الفرنسية, حيث فرنسا تعيش, حالة قلق سياسي عميق, على نفوذها في مناطق شمال وغرب أفريقيا, من خطر تعاظم قوّة الجزائر, وتحولها إلى قوّة إقليمية نافذة وفاعلة.
وإشعال الساحة الجزائرية حرباً وقتالاً عنيفاً, من شأنه أن يتيح إلى جانب التخلص, من العناصر الجهادية الإسلامية, المسلّحة الليبية والجزائرية, يقود إلى
التخلص أيضاً, من العناصر الجهادية الإسلامية المسلّحة الموجودة, في أوروبا كخلايا نائمة, بحيث تقوم أجهزة المخابرات الأوروبية, على دفع وتسهيل مسألة هجرة, هذه العناصر الإسلامية المسلّحة, والمتواجدة على الساحات الأوروبية, للذهاب إلى الجزائر للقتال والمساهمة, في إسقاط النسق السياسي الجزائري.
وإشعال المسرح السياسي الجزائري, سوف يأخذ طابع العنف السياسي الديني, المرتفع الشدّة, وطابع عسكري دموي, وهذا يعني ببساطة: حرب أهلية إسلامية اثنيه
عميقة – حرب جزائرية – جزائرية.
إنّ خط العلاقات الجزائرية – الروسية, صار أكثر إدراكاً وعيّاً, لجهة أنّ واشنطن, تسعى لجعل دول الإتحاد الأوروبي, تحصل على إمدادات النفط والغاز, من ليبيا
والجزائر لاحقاً, وهذا من شأنه أن يبطل مفعول مشروعات روسيا الفدرالية, والتي تهدف لجهة احتكار, تزويد أسواق الإتحاد الأوروبي, بالنفط والغاز الروسي, وهذا من شأنه أن يضر بمصالح روسيا والجزائر, ويؤثر على معدلات النمو الاقتصادي الروسي, وهذا ما
تسعى إليه أطراف مثلث:- واشنطون – باريس – لندن.
من المعروف أنّ منطقة شمال مالي وخاصةً اقليم (أزواد) تخضع حالياً لسيطرة متمردي الطوارق، وجماعات اسلامية متشددة ومنها تنظيم القاعدة ببلاد المغرب العربي الأسلامي، وجماعات جهادية أخرى متحالفة معه، والقرار الدولي في التدخل العسكري في مالي مؤخراً، بحجة القضاء على المتمردين الطوارق ومن ارتبط بهم من حركات جهادية مسلحة بجانب تنظيم القاعدة، الهدف منه هو نقل الصراع الى داخل الجزائر عبر توريط الجزائر بهذا الصراع، والذي يشبه شبكة العنكبوت لجهة شكل خيوطها، ليصار الى تثوير الشارع الجزائري ضد نسقه السياسي التحريري العروبي.
* المحامي محمد احمد الروسان*
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*