كتب محمد صادق الحسيني: لاءات الخرطوم الايرانية تؤرق واشنطن !
ثمة "خبرية" قوية تداولها الديبلوماسيون في طهران خلال الايام القليلة الماضية تفيد بان الرئيس اوباما ارسل موفدا سريا الى العاصمة الايرانية محملا اياه الرسالة الثالثة في عهده الى القيادة العليا هنا ليؤكد لها انه " لن يسمح لقيادة تل ابيب بمهاجمة ايران للتداعيات الكارثية التي سنتج عن ذلك على التوازن الدولي القلق اصلا " الامر الذي لم يؤكده اي مسؤول ايراني او ينفيه !
ثمة "خبرية " قوية تداولها ايضا الديبلوماسيون والاعلاميون المقيمون في بيروت خلال نفس الفترة مفادها بان ما سمته قوى المقاومة والممانعة ب "الانقلاب الفاشل " لقوى 14 آذار على حكومة الرئيس ميقاتي انما تعثر وفشل لأن "تقييما " دوليا اجمع على ان مثل تلك الخطوة "المجنونة والرعناء" كما ورد في التقرير كان يمكن ان تحول لبنان فعلا الى" قوة مشتركة " من الجيش والمقاومة تخرج 14 آذار نهائيا من الحياة السياسية وتنهي معها اليونيفيل وتحاصر المتطرفين منهم في "زاوية شمالية" لن تطول امد سيطرتهم عليها !
ايا يكن واقع حال "الخبريتين" الا ان القدر المتيقن منها ان العالم الغربي بل وابعد من ذلك ما كنا ولا زلنا نسميه ب"معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية" اي يضاف الى المذكور اعلاه كلا من روسيا والصين ايضا بات لديهم شعورا مؤكدا , بان اي تحرش "واسع النطاق" باي من اطراف محور المقاومة سيشعل بالضرورة حربا ضروس من النوع " غير المتماثل " او غير المتقارن يمكن ان يطيح بتفاهمات يستعد لها الغرب مع روسيا والصين حول ايران وسوريا بعد الانتخابات الرئاسية الامريكية بعد ان تأكد له بالقطع واليقين بان سوريا باتت في امان من سيناريو الحرب الداخلية والتفتيت ناهيك عن مشروع اسقاط الاسد !
لذلك كله جاءت "فشة الخلق" في خرطوم السودان تعويضا عن خيبة الامل الكبرى في الوصول الى ما كان يسميه بوش بالوصول الى "الجائزة الكبرى" اي فتح طهران !
لقد عملوا المستحيل ليحركوا الوضع الداخي في طهران بما تشتهي انفسهم وما استطاعوا النيل منها حتى في الشكل , اذ لم يتركوا مواجهات اليكترونية سايبرية وغيرها او معارك اقتصادية او مالية او حربا نفسية او احتيالية او تشويهية او ارهابية او اغرائية الخشنة منها والناعمة الا وخاضوها , غير ان القيادة الايرانية كانت لهم في كل مرة بالمرصاد !
صحيح ان "الحروب " كانت بين كر وفر سقط خلالها شهداء لنا فيما كاد البعض من اهل الدار ان يقع فريسة الخدعة والاغراء حينا ويفرك ايديه فرحا البعض الآخر من ضعاف النفوس او الجيران , لكن الحركة الاجمالية كانت تفوقا للجانب الايراني بالنقاط بكل امتياز في الارادة السياسية كما في الاقتصاد كما في كل اشكال حروب الادمغة , لسبب بسيط لا غير الا وهو ان الغالبية الساحقة من الشعب الايراني كما ورد في اكثر من استطلاع للرأي بان بيرق الاجنبي لن يكون يوما هو الخيمة التي تحمينا مهما اختلفنا على تركيبة البيت الداخلي !
انه شعب الامام الشيرازي الذي دخلت فتواه الشهيرة بتحريم التبغ المحتكر من جانب الانجليز في نهاية القرن التاسع عشرالى قصر ناصر الدين شاه وتنغص عليه "شرب الشيشة " !
انه شعب زعيم انتفاضة المشروطة الشهيرة في بدايات القرن الماضي الشهيد آية الله العظمى فضل الله نوري الذي حين عرض عليه علم بريطانيا وسفارتها ليحميه من اغتيالات الروس القيصريين وغيرهم امام تحدي تحالف الروس والانجليز واذنابهم العلمانيين المتحالفين معهم المصممين آنذاك لحماية ومساندة حكومة رضا شاه الملكية التي كانوا يعدون لترسيخها نموذجا يشبه اتاتورك ,ان قال لهم يومها :
لقد عشت سبعون عاما في كنف راية الاسلام ولن اغير من نهجي ايا كانت التحديات :
ردوا العلم من حيث جاء !
انهم شعب آية الله السيد حسن المدرس الذي حرر المجتمع الايراني من سلطة الدولة العميلة والتابعة و المتغولة التي ارادت مصادرة الدين وتوظيفه في خدمة السلطان تحت ذريعة الفصل بين الدين والسياسة فما كان الا ان اطلق شعاره الشهير :
ان ديننا عين سياستنا وسياستنا عين ديننا , وبذلك اطاح بكل انواع فقهاء السلطان وجعل العالم هو السلطان الجامع للشرائط وهو حده من يمكن ان يكون" قسيم الجنة والنار " اذا ما كان ولابد من احد يريد ان يلعب دور خليفة الله في الارض !
انهم شعب آية الله الكاشاني المناضل الشرس ضد الانجليز والمدافع الحقيقي عن تأميم النفط الايراني في خمسينات القرن الماضي والذي رفض ان يقع في فخ السذج من النخبة من راهنوا على الاستعماريين الجدد آنذاك من الامريكيين الذين حاولوا ان يخدعوا بعض ضعاف النفوس ليستبدلوا طاغية بطاغية وتبعية باخرى !
انهم شعب الامام الخميني الكبير الذي رفض ان يقيد حركته النهضوية بين مطرقة وسندان الحرب الباردة في نهاية السبعينات , ويطلق شعاره التاريخي الشهير : لا شرقية ولا غربية جمهورية نعم ولكن اسلامية , لا كلمة زيادة ولا كلمة اقل !
لذلك كله تراهم اليوم يقفون بكل اطيافهم وتلاوينهم وانتماءاتهم الفكرية والحزبية وا..... خلف قيادة امر عملياتها واضح لا لبس فيه ولا تأويل : لا مفاوضات ولا مساومة ولاتسوية ولا حتى اشارات من تحت الطاولة مع "الشيطان الاكبر " الا بعد الانتهاء من انجاز مهمة تحرير القدس وفلسطين ولو طال الامر الف هام !
وعليه كلما يتقدم الامريكيون خطوة نحوهم كلما يتصلبون اكثر فاكثر لانهم سرعان ما يشعرون باقتراب فخ الخديعة والاحتيال !
مستعدون لمفاوضة العالم كله الا الشيطان الاكبر وربيبته الكيان الاصغر المسماة باسرائيل !
فمع هذين "الصنمين" لا مجال كما يعتقدون سوى الهدم , ومن ثم اعادة رسم خارطة العالم من دون "شيطنة " الحكومة الامريكية ومن دون غدته السرطانية !
فالحرب خدعة , والعالم في حالة حرب مستمرة ما دامت هذه الغدة السرطانية لم يتم اقتلاعها , ولما كانوا الدولة التي تتقدم بسرعة صاروخية نحو اكتساب خبرة اصعب العلوم , فانهم يعتقدون بان الدواء الانجع ضد السرطان هو الا تحني رأسك للمرض وتصفي كل خلاياه من دون تردد , ولسان حالهم اليوم بعد قرصنة اليرموك السودانية يقول : اين لاءات الخرطوم في مسارات ما يسمى زورا وبهتانا ب"الربيع العربي " !
وهو شعبيا ان صح عليه شئ فهو صحوة ستتبعها نهضة تجرف الزبد الذي علق بها من بقايا عصر فراعنة اسرائيل ومراكز شرطتها المموهين وهو ما يقلق واشنطن وتل ابيب ويسرق النوم من عيونهما !