سياسة الرقص على الدماء !!

ما أن تمَّ الإعلان عن تفجير الأشرفية في العاصمة اللبنانية بيروت والكشف عن عملية اغتيال العميد وسام الحسن رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبنانية وإصابة عدد من الجرحى ، حتى بدأت بعض قوى 14 آذار توجيه الاتهام إلى سورية ، وأمام عظمة الموت وضرورة الخشوع بحضرته ليس بوسعنا إلا أن نترحم على كافة الشهداء الذين قضوا نتيجة الإرهاب في سورية ولبنان والعراق وفلسطين وفي كل بقاع الأرض، وإن الإرهاب بكل أشكاله هو عملٌ مدان ومرفوض ، وبالرغم من الدور السلبي الذي لعبه المغدور العميد "الحسن " بشكل مباشر في الأزمة السورية ، فإننا نرى أن الربط ما بين 14 شباط 2005 و19 تشرين الأول 2012 مناسب وإن الهدف من هذه الجرائم هو ضد سورية كما هو ضد لبنان دولة وشعباً ، و تُشير الجريمة بدون أدنى شك بأن المستفيد من تلك العمليات الإجرامية هو واحد و أهدافه هي ذاتها ، فلنعد قليلاً إلى الوراء ونستذكر بيانات فُرَق الرقص على الدماء في ساحات الدعاية الانتخابية ، لنجد أن هناك من حصد نتيجة الاغتيال بشكل مباشر مكاسب انتخابية وسياسية على الأرض ، والتاريخ يُعيد نفسه بشكلٍ أكثر تعقيداً وتداخلاً !!

لم تتوفر لدي معلومات دقيقة عن ارتباطات الشهيد الحسن بصفته رجل استخبارات ذاع صيته كثيراً بعد اغتيال الرئيس الحريري واعتماد سعد الابن عليه في العديد من الملفات الهامة ، وهو على علاقة مميزة بأجهزة استخبارات عديدة كالأمريكية ، والمخابرات الفرنسية والبريطانية و الخليجية والتركية ، و وفق معلومات شبه مؤكدة بأنه قام بكشف العديد من شبكات التجسس الإسرائيلية العاملة في لبنان ، وهذا بحد ذاته يجعله هدفاً محتملاً لإسرائيل ولها مصلحة في التخلص منه على الأقل بقدر ما هي لأعدائه الآخرين ، ومن الجهل بمكان توجيه الاتهام مباشرةً إلى سورية على قاعدة العداء السياسي ، ومن بديهيات الأمور انتظار نتائج التحقيقات الأولية وما تُفضي إليه ، خاصة إذا ما تم المسك بخيوط الجريمة ، سيما وأن لكل جريمة مهما كان حجمها وأبعادها وأهدافها عناصر للبحث وطرق جنائية لتحديد أدوات الجريمة في موقعها أولاً ومن ثم التوسع باتجاه الحلقة الأقرب فالأقرب ، للوصول إلى المخطط الكامل للجريمة ومن هي الجهات المخططة والممولة والمنفذة ..

وهنا يتبادر للذهن أسئلة عديدة تتعلق بالواقع الجيوسياسي اللبناني الهش ومنعكسات العملية الإرهابية الأخيرة عليه بهذا الوقت بالذات وعن الدور الذي بدأ يلعبه بعض الفرقاء على الساحة اللبنانية وخاصة ما يصدر عن التيار الذي ينتمي إليه الفقيد لاشاعة الفوضى الأمنية ، ومن أول هذه الأسئلة : هل كان يحتاج سعد الحريري إلى مثل هذه التضحية لكي يرتب أوضاعه الانتخابية ؟ وما علاقة هذه الجريمة في طبيعة الاصطفافات الجديدة والتركيبة السياسية القادمة والأجندة السياسية المطروحة ؟ ومَن يُحرك خيوط اللعبة على الساحة اللبنانية في ظل التحركات المشبوهة التي جمعت أصدقاء إسرائيل من لبنان والخليج العربي مؤخراً ؟ وهل كان وجود وسام الحسن عائقاً أمام تنفيذ أجندة سياسية وأمنية لا يرضى بها ؟ وما هو سر تواجد أعلام الاحتلال الفرنسي لسورية في موكب التشييع ؟ وهناك كم هائل من الأسئلة التي تحتاج إلى وقت طويل لترى أجوبتها النور فيما لو قدر لها ذلك .

ليس من باب الدفاع عن سورية ومدى براءتها من جريمة اغتيال العميد وسام الحسن ، لأنها بريئة من دم الحسن ورفاقه بحكم المنطق والعقل ، وكذلك من باب التحليل الموضوعي للجريمة وأسبابها وعلاقتها بالواقع في سورية والمنطقة ، ونستطيع التأكيد هنا بأنه لا مصلحة البتة لسورية في أي تفجير إرهابي سواء في لبنان أو أية دولة مجاورة أخرى ، لأن مثل هذه الأعمال الإجرامية ترفضها سورية جملة وتفصيلاً وقد وردت أول إدانة رسمية لها من وزير الإعلام السوري ، لأنها حقيقة في غير مصلحة سورية كما هي ليست من مصلحة لبنان ، كونها ستُساهم في زعزعة الاستقرار والأمن في خاصرة رخوة لسورية ، هي بأمس الحاجة لأن يأخذ الجيش اللبناني دوره كاملاً في هذه الزاوية وبذلك سيكون غياب هذا الدور ذو مفاعيل سلبية على الأمن السوري في المناطق الحدودية ، بالرغم من وجود خروقات في مواقع عديدة من الحدود نتيجة تداخلات اجتماعية وسياسية تحد من قيام الجيش اللبناني بمهامه المطلوبة ، لكن لا يُمكن تجاهل العمل الهام الذي يقوم به الجيش اللبناني ومخابراته في كشف حالات تهريب السلاح والأشخاص وغيرها لضرب استقرار سورية ، لذلك نؤكد هنا بأن اغتيال العميد الحسن يضر بسورية كما يضر بلبنان ويخدم أعدائهما بشكل مباشر ، ولن أتوقع بأن عاقلاً في هذه الدنيا يقوم بأعمال تقوي مواقف أعدائه في الوقت الذي تحتاج فيه سورية إلى دور ايجابي من جميع الدول المجاورة لوقف سيل تدفق الإرهابيين والسلاح والأموال اللازمة لاستمرار الأزمة السورية ومنع حصول أي حل سياسي يُنهي جرائم الإرهابيين الذين يتم استقدامهم من إحدى عشرة دولة تُناصب سورية العداء ، وهذه الدول كان لها يد في الأزمة السورية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الغرب والشرق .

وأما عن جوقة تجار السياسة الذين يبيعون ويشترون وهم يُجيدون الرقص على دماء الشهداء قبل أن تجف ، وقد عرفهم المجتمع اللبناني أكثر من غيره لأن كل ما يهم هؤلاء هو الظفر بموقع سياسي يلهثون وراءه ولو كان على حساب أي شيء في الوجود ، لذلك علينا أن نبحث جدياً عن الجُناة الحقيقيين في كواليس المقاهي وردهات خيم الاستنكار التي سارعوا لنصبها ليس حزناً على الشهداء ، بل من اجل كسب الوقت في بازار توزيع الأدوار والكراسي ليس إلا ، لأنه كما يُقال في علم الجريمة بأن المجرم لا بدَّ وان يعود سريعاً إلى موقع الجريمة لمعرفة تبعاتها .

نحن في سورية تعودنا على النمطية التي يُمارسها رعاع السياسة في لبنان وغيره من الدول المعادية لسورية ، وربما هذا ما يُقلقهم لأن ترويض الفرس السورية لا يُمكن أن يتم إلا بفارس سوري العقل والقلب والهوى ، ومهما اشتدت رياح الغدر ومن أي اتجاه فلن تستطيع اقتلاع الصخرة السورية الصلبة ، وهي إشارة واضحة إلى المعارضة السورية في الخارج والداخل وفي كل مكان ، لمن يُريد أن يكون له موقع قدم في سورية من اجل البناء وأعمار ما خربته يد الإرهاب في المدن والأرياف السورية ، فإن سورية تفتح ذراعيها لاحتضان كل المواطنين السوريين .

» انطوان الحايك: سوريا والخصوم ولعبة الرقص على حافة الهاوية
» يوميات عائدة الى حمص الحلقة الثانية : اين ذهب محترفوا القفز" و "الرقص البربري" في التظاهرات ؟
» الردّ يوظف الدماء ولا ينتقم
» الضاحية ترهبها الهزائم لا الدماء
» ثورتنا تحرّم شرب الكحول وتحلّل شرب الدماء