كل هذا الابتزاز ! ...محمد خروب
يجب أن لا تخدع المظاهر ودموع التماسيح أحداً, فما جرى ويجري في لبنان أبعد وأكثر خطورة من حفلة شيطنة سوريا, التي يُشارك بها اصدقاء اسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة الاميركية وكل «الممولين» في المنطقة,
الذين باتوا يراهنون الان على مجرم حرب وقاتل اسمه سمير جعجع ورهط من امراء الحرب وزعماء الطوائف وهواة السياسة, الذين ورث بعضهم زعامة الطائفة ولم يملكوا أي مؤهل لشغل موقع مهم كهذا في بلد يراد له أن «يتنفس» طائفية ومذهبية كل لحظة..
أكثر من طبيعي أن يبادر فريق 14 اذار الى اتهام سوريا باغتيال وسام الحسن وأكثر من طبيعي أن يعيدوا الاسطوانة المشروخة, التي دأبوا على بثها منذ اغتيال رفيق الحريري قبل سبع سنوات ونصف, لأنه ليس لديهم ما يقولونه, بعد أن أفلسوا وفقدوا ما تبقى من شعبيتهم المصطنعة, والتي اسهمت اكياس السكر وعبوات الزيت في الاحتفاظ ببعضها, فيما كانت الوظائف في الشركات الأمنية والاستزلام والشحن المذهبي, سبيلاً آخر لرفع منسوب هذه الشعبية الآيلة للتبدد, حتى في ظل الفرصة التي سقطت عليهم من السماء في هذه الظروف بالذات والتي تمثلت في اغتيال وسام الحسن..
لكن من غير الطبيعي أن يلدغ الجمهور اللبناني والعربي من الجحر ذاته مرتين, فقد شبع اللبنانيون من سماع مرثاة الحريري طوال هذه الفترة, وكأن ليس في لبنان زعيم غير الحريري أو كأن لبنان لم يكن قبل ظهور «نجم» الحريري في سمائه, وها هو الان نجم آخر يسطع وضريح آخر يُبنى كي يصبح الحجيج الى جامع محمد الأمين في وسط بيروت وجوار سوليدير (وما ادراك ما سوليدير) طقساً وطنياً قد يُطلب من زوار لبنان الرسميين ان يضعوا الزهور على ضريحيهما, بما هما رمزان وطنيان لم يكن احد قبلهما وربما لن يكون احد بعدهما.
ليس هكذا تورد الابل، وما سبق لا يراد منه التقليل من حجم الجريمة التي اقترفت ضد انسان, بصرف النظر عن موقعه او دينه او انتمائه السياسي لكننا نعيش في عالم حجم سفك الدماء فيه اكبر من حجم الزهور والاحتفاء بالحياة ذاتها, وسقوط وسام الحسن – الذي صنعوا منه اسطورة في بلد اتكأ على طائر الفينيق ليسرد اسطورته بطريقته الخاصة وعلى ما انجز وراكم الفينيقيون في تاريخهم المعروف.
نقول: سقوط وسام الحسن لا يعني ان يتم التصويب فوراً على سوريا وان يقال في حقها كل هذا الذي قيل والذي يقطر حقدا وخروجا على أي مألوف اخلاقي او سياسي او انساني.. في محاولة واضحة ومكشوفة لتسويق انفسهم لدى سادتهم بعد ان فشلوا في القيام بأدوارهم مدفوعة الاجر عبر الهرمل وعرسال والحدود الشمالية لتهريب السلاح والاموال والارهابيين الى الداخل السوري واحتضان متمردي المعارضة وعلى وجه الخصوص جماعات التكفيريين والجهاديين الذين صبغوا وجه عاصمة الشمال اللبناني «طرابلس» بهويتهم المتطرفة والمتزمتة والمنغلقة.
المستفيدون من تغييب الحسن كثر وغالبيتهم لبنانيون والرجل الذي اخترعوا له شعبة ثم غدا فرعاً ومنحوه كل الاموال والدعم بغير مساءلة او مراجعة او حساب, استخدم القوة والنفوذ الذي اكتسبهما لتعزيز مواقعه الوظيفة والمذهبية وما كشفه من شبكات جاسوسية اسرائيل سُجّل لصالحه, لأنه اصلا كان جزءا من مهمات المديرية التي ينتمي اليها اما استمرار عمل هذه الشبكات فهو تقصير لم يقبله الحسن لنفسه عندما وصل الى رئاسة جهاز كان عدد «انفاره» ضئيلا وتم اعطاء الضوء الاخضر للحسن كي يرفعه الى مئات الاضعاف فغدا جهازا بأسنان وانياب حادة, ولولا ذلك لما اضفوا عليه هذه الهالة الاسطورية, وكل ذلك لا يُلغي حقيقة أن الفقيد كرّس فرع المعلومات كذراع امني وجاسوسي ضارب لصالح الطائفة السنية ومنطقة نفوذ لها لا يجوز لاحد الاقتراب منه.
دققوا جيدا في محتوى البيان الذي اصدرته الامانة العامة لفريق 14 اذار, ساعات معدودات بعد اغتيال الحسن، لقد طالبوا باستقالة نجيب ميقاتي وبالتالي اسقاط حكومته؟
لماذا؟
بالطبع... كي يحكموا لبنان مرة اخرى, بذات السيناريو الذي فعلوه بعد ان «أرهبوا» رئيس الحكومة حينذاك عمر كرامي الذي بادر – لضعفه او لآدميته – الى الاستقالة حتى لا يُغضِبَ طائفته وها هو ميقاتي يقترب من السقوط في الفخ ذاته.
ثم لنكتشف لاحقاً ان الحكومة التي استثمرت دم الحريري ألحقت لبنان بالمشروع الاميركي الذي حمل عنوان الشرق الاوسط الجديد, وعندما «أُخرِجَت» من الحكم فقدت كل شيء وها هي تجد الفرصة مرة اخرى على حساب ودم... وسام الحسن.
هنا تكمن القطبة المخفية وليس غير ذلك, لأن من يتهم سوريا هو ذاته الذي نام في سرير الاسد والاخر هو الذي ابدى فعل الندم وتحدث عن «لحظة التخلي» اما الثالث فهو مَرفوض ومُقاطَع من دمشق.
عمّن نتحدث؟
انهم الثلاثي الحريري جنبلاط وجعجع