لن أنسحب دون وضع الألغام

ل لن أنسحب دون وضع الألغام ....بقلم بشار سعيد
على مستوى العالم دعونا نعود بالتاريخ إلى الدخول الروسي إلى أفغانستان الذي تم في عام 1979 فماذا كان السبب؟

أغلب المقالات تتكلّم عن أنّ السبب كان دعم السوفييت لحكومة أفغانستان الصديقة لها، أفغانستان التي وقّعت مع موسكو عام 1978 معاهدة صداقة وتعاون ثنائيّة تسمح بالتدخّل السوفييتي في حال طلب أفغانستان ذلك، حيث تعرّضت أفغانستان حينها لهجمات الثوّار الإسلاميين المُعارضين التي كانت تُدرَّب في باكستان التي كانت تموّل من قبل السعوديّة التي كانت توجّه من قبل الولايات المُتّحدة الأمريكيّة، ولا أستغرب التسلسليّة السابقة فللولايات المُتّحدة الأمريكيّة مصالح واضحة في السعوديّة الجميع يعتقد بأنّها مصادر الطاقة (تُصنّف الولايات المُتّحدة الأمريكيّة ثالث أكبر مُنتج للنفط على مستوى العالم وبالتالي فإنّ ارتفاع أسعار النفط يُعتبر من مصلحتها) ويغيب عن الغالبيّة التحكُّم بالمُتحكِّم بالإسلام اللاجعفري الأكثر انتشاراً في الإسلام وبالمُقابل فللسعوديّة وأسرها الحاكمة مصلحة أيضاً في حمايتها من الداخل ومن الخارج (من المذهب الجعفري الأكثر منطقيّة في التعامل مع القضايا الإسلاميّة ومثال ذلك القضيّة الفلسطينيّة) وكذلك توجد مصالح مُشتركة بين باكستان والسعوديّة فباكستان التي انفصلت عن الهند البريطانيّة باعتبارها دولة المسلمين الهنود والتي انقلب فيها المسلمون اللاجعفريون بقيادة ضياء الحق على ذوالفقار علي بوتو الاشتراكي الفكر والجعفري الأصل عام 1977 على الرغم من الانجازات الضخمة التي تمّت في عهده كانت تتلقى الدعم المادّي السعودي بتوجيه أمريكي لمحاربة المدّ الشيوعي وبالمُقابل فإنّ السعوديّة كانت تطمح إلى مدٍّ إسلامي لاجعفري يواجه المذهب الجعفري.

فما كانت نتيجة التدخّل الروسي في أفغانستان؟
اكتمل انسحاب الروس من افغانستان عام 1989 بعد 10 سنوات من الحرب الطاحنة تكبّد فيها الروس خسائر تُقدّر بـ 15,000 جندي وتكاليف وصلت إلى 70 مليار دولار مُقابل أكثر من مليون قتيل في الجانب الأفغاني وتعود أسباب بقاء الأفغان على موقفهم إلى الدعم المالي السعودي وإلى الدعم الباكستاني التدريبي وإلى الدعم العسكري الأمريكي الذي وصل إلى درجة تزويد المقاومين (إذا صحّ التعبير) بصواريخ ستينفر المُضادّة للطائرات الأمر الذي شكّل انعطافه في مجريات الحرب ورفع حجم الخسائر في القوّات الجويّة السوفيتيّة خاصّة بعد أن استخدم السوفييت المروحيّات كقوّة الهجوم الجوّي الرئيسيّة مدعومة بقاذفات القنابل والقوّات الأرضيّة والقوّات الخاصّة، وأعتقد بأن السبب الرئيسي لانسحاب الروس هو القاعدة الشعبيّة الواسعة للإسلام اللاجعفري السلفي التكفيري المدعوم ماليّاً من السعوديّة المُسيطرة على مُقدّساته.

هل تتراجع الولايات المُتّحدة الأمريكيّة اقتصاديّاً؟
"إنّه أمر مُخزي أن يرتدي رياضيّونا الأمريكان خلال الأولمبياد (لندن 2012) زيّاً رسميّاً صُنع في الصين"، "قالت وزارة الخزانة الأميركية إن الدين العام للولايات المتحدة وصل إلى 13 تريليون دولار لأول مرة، مما يثير جدلا حول خطط الإنفاق الحكومية. وأظهرت أرقام لوزارة الخزانة أنه مع زيادة الإنفاق لحفز الاقتصاد، وصل الدين الحكومي إلى أكثر من 13 تريليونا و50 مليار دولار في أول الشهر الجاري (2012). وزادت مديونية الحكومة الأميركية بأكثر من الضعف في العشر سنوات الماضية، لتصل حاليا إلى أقل بقليل من 90% من الناتج المحلي الإجمالي."، "يطفو برنامج الرئيس أوباما للإصلاح الاقتصادي على السطح، خاصّة مع انتهاء النصف الأوّل من فترة رئاسته الأولى، واستعداده لإقناع الشعب الأمريكي بمزايا إدارته في مجال تخطّي الأزمات، التي تسبّبت فيها الإدارة السابقة، وأهمّها المجال الاقتصادي، الذي يؤثّر على عامّة الشعب. وأهم خطوات الإصلاح الاقتصادي هي خفض الإنفاق العسكري الناتج عن استمرار الحروب التي تخوضها الولايات المُتّحدة خارج أراضيها"، "اليوم يمكنني القول: إنّ ما تبقى من جنودنا المرابطين في العراق سيعودون إلى ديارهم بحلول نهاية العام، بعد مرور تسع سنوات، الحرب الأميركية على العراق ستنتهي."، "كان حلف شمال الأطلسي (الناتو) قد قرّر في عام 2010 أن يسحب جميع القوات الدولية المقاتلة من أفغانستان بحلول نهاية 2014."، "إذا استمرّ نمو الصين السريع لمدة 20 سنة أخرى، فمن المرجح أن تحصل على لقب أكبر اقتصاد في العالم في وقت ما خلال عشرينيات القرن الحالي".

ما هي الألغام؟
الولايات المُتّحدة الأمريكيّة تريد التراجع من المنطقة ما عدا الخليج العربي ومياهه والذي تحافظ على وجودها فيه من خلال الدعم المالي الخليجي الذي ستبقى تحصل عليه من خلال إيجاد وتضخيم الرعب الجعفري القادم من إيران وسورية، أمّا بالنسبة لبقيّة الدول في المنطقة فهي قرّرت التراجع نهائيّاً، ولكنّها لن تتركها لقمة سائغة للمدّ الاقتصادي الصيني أو العسكري الروسي، فما الحلّ؟ زرع ألغام إسلاميّة لا جعفريّة سلفيّة تكفيريّة مدعومة ومحكومة من السعوديّة وبالتالي من الولايات المتّحدة الأمريكيّة تكون مدّاً للفكر الاسلامي اللاجعفري وزيادةً للنفوذ السعودي الاقتصادي باستخدام القوّة الاستعماريّة الإعلاميّة الجبّارة للولايات المُتّحدة الأمريكيّة مُستغلّةً ضعف الثقافة والانتشار غير المحدود لوسائل نقل الوسائط المُتعدّدة التي تُعتبر في عصرنا الحالي المصدر الاوّل للمعرفة، ألغام أثبتت قوّتها في الماضي من خلال الوقوف في وجه المدّ الشيوعي.

ماذا يحدث في الجمهوريّة العربيّة السوريّة؟
أستطيع تشبيه وضع سوريّة الخارجي الحالي بوضع أفغانستان الخارجي عام 1979، حيث يُقابل باكستان تركيّة كمدرّب ومنفَذ أساسي للمُعارضة المُسلحّة الإسلاميّة اللاجعفريّة بحكم أطماعها في مدّ نفوذ الإسلام اللاجعفري وبحكم تبعيّتها للولايات المُتّحدة الأمريكيّة التي تملك قواعد عسكريّة فيها وبحكم الدعم المالي الخليجي (السعودي أساساً) لها وبحكم أطماعها الاستعماريّة التاريخيّة، ويُقابل الولايات المُتّحدة الأمريكيّة في طور التقدّم الاقتصادي نفسها في طور التراجع الاقتصادي، والذي بقي على حاله هو السعوديّة كمموّل راغب في مدّ النفوذ الإسلامي اللاجعفري من خلال دعم تركيا ودعم الخلايا النائمة الموجودة في كل مسجدٍ نظراً لأن منطقهم يقوم على النقل ويحرّم تشغيل العقل وعليه يصبح شيخ المسجد المسلم اللاجعفري وسيلة لنقل السيطرة على أذهان المُتشددين مدعوماً بالآلة الاستعماريّة الإعلاميّة الجبّارة لدى الولايات المُتّحدة الأمريكيّة مُستغلّةً ضعف الثقافة والانتشار غير المحدود لوسائل نقل الوسائط المُتعدّدة التي تُعتبر في عصرنا الحالي المصدر الاوّل للمعرفة كما ذكرنا سابقاً، ويتجلّى النفاق الأمريكي في وسائل إعلامه واضحاً من خلال استبداله كلمة الاسلام بالشعب عندما يريد وفي محاولةٍ منه لخداع شعبه الذي أشبعه بالكره تجاه الإسلام حيث تجد وسائله تخفي جميع الأشكال الاسلاميّة للثورة مؤخّراً مستبدلةً إياها بمصطلحات الربيع العربي أو ثورة الشعوب تاركةً مصطلح الثورة الاسلاميّة للجمهوريّة الاسلاميّة الإيرانيّة وبالتالي تزيد من مشاعر الكره لإيران ومن مشاعر اطمئنان السعوديّة وتوابعها لكرههم لإيران الجعفريّة.

والمُختلف بين وضع سوريّة الحالي ووضع أفغانستان عام 1979 هو النظام الحاكم السوري القوي ورئيسه بشار حافظ الأسد - الذي سيذكره التاريخ إذا صمد - حيث كان يُقابله في أفغانستان رئيس الوزراء حفظ الله أمين الذي قام (تبعاً لتقارير الاستخبارات الروسيّة وقتها) اثنين من حرّاسه بتصفية رئيس الوزراء السابق نور محمد تراكي، تراكي الذي وقّع مع موسكو عام 1978 معاهدة صداقة وتعاون ثنائيّة تسمح بالتدخّل السوفييتي في حال طلب أفغانستان ذلك وتصرّفات أمين المُضعضِعة لأوضاع بلاده بعد استلامه لرئاسة الوزراء، وبالتالي فإن قوّة وولاء النظام في سوريّة تُطمئِن روسيا والصين إلى عدم ضرورة التدخّل العسكري في سوريّة وبالتالي إلى عدم الوقوع في فخّ حرب العصابات المدعومة خارجيّاً واقتصار دورها على منع التدخّل الخارجي.

وللأسف فإن نقاط الضعف السوريّة يتم استغلالها دون رحمة وبأمكر الأساليب فالنظام الحاكم في سوريّة خلال الفترة الماضية (منذ الحركة التصحيحيّة) كان مُدركاً لخطورة التفرقة من الداخل على أساس مذهبي، طائفي أو عرقي وعليه اعتمد الجمع على أُسس العروبة والإسلام الحضاري وحسن العلاقات مع دول الجوار، فقامت السعوديّة التي تحتكر العتبات المُقدّسة لدى الإسلام بمحاولة ضرب مفهوم الإسلام الحضاري الجامع من خلال إعطاء الفوضى في سوريّة طابعاً إسلاميّاً سُنيّاً سلفيّاً وهّابيّاً تكفيريّاً، وتقوم مصر حاليّا بمحاولات ضرب مفهوم العروبة الجامع من خلال إعطاء الفوضى في سوريّة طابعاً عروبيّاً مُنحاز ولهذا نلاحظ أن النظام الحاكم في مصر والمُحدَث بدعم الخارج يحاول الابتعاد عن الانتماءات الإسلاميّة السنّيّة السلفيّة التي قد صعد من خلالها ويحاول سرقة جهود المصريين العرب الحقيقيين من أمثال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ويتجلّى ذلك من خلال محاولة والي مصر محمّد مرسي التشدّق بألفاظه، كما تقوم تركيا، الأردن، لبنان، اسرائيل والعراق نظراً لعدم قدرته السيطرة على حدوده بمحاولات ضرب مفهوم دول الجوار الداعمة للاستقرار في سوريّة، وعليه عندما تنهار أُسس الجمع تطفو إلى السطح أُسس التفرقة وتبدأ دول الجوار بالتكشير عن أنيابها وتبدأ ألوان المجتمع السوري المُتداخلة بالانسحاب والتجمّع لتصبح كلمة الأنا هي المُسيطرة.

إذاً إلى أين؟
لم يستطع الاتحاد السوفييتي على مدى 10 سنوات إخماد حرب العصابات الجهاديّة الإسلاميّة اللاجعفريّة التكفيريّة فهل ستستطيع الجمهوريّة العربيّة السوريّة ذلك؟

لا يُمكن مُقارنة القوّة العسكريّة أو الاقتصاديّة السوريّة الحاليّة بتلك التي كان يمتلكها السوفييت في مرحلة التدخل في أفغانستان نظراً لندرة بيانات الميزانيّات العسكريّة أضف إليه الاختلاف الجغرافي والديموغرافي الأمر الذي يمنعنا حتى من إجراء مقارنات نسبيّة، لكن ما يُمكننا قوله أنّ الاتحاد السوفييتي حينها كان قطباً ودولةً عظمة على المستوى العالمي لكنّه كان يفتقر وبدرجة كبيرة إلى تحالفات مع دول عُظمة فحلف شمال الأطلسي تأسّس عام 1949 بعضويّة 12 دولة مؤسّسة هي الولايات المُتّحدة الأمريكيّة، المملكة المُتّحدة، فرنسا، كندا، إيطاليا، بلجيكا، الدنمارك، أيسلندا، لوكسمبورغ، هولندا، النرويج والبرتغال ثم انضمت إليه في عام 1952 دولتا تركيا واليونان ثم انضمت إليه في عام 1955 دولة ألمانيا الغربيّة ثم انضمت إليه في عام 1982 دولة اسبانيا، ويُقال عن أسباب تكوين الحلف "دعت الضرورة دول الحلف إلى الاتحاد بسبب تواجد القوّات السوفياتيّة في دول شرق أوروبا والشعور لدى دول غرب أوروبا بقرب هجوم سوفياتي عليهم مما أدّى بدول غرب أوروبا إلى التعاون مع الولايات المُتّحدة وتكوين الحلف، وللحلف أيضاً أهداف أخرى هي: ’حماية دول العالم بشكل عام’ وحماية الدول الأعضاء فيه بشكل خاص، حفظ الأمن والاستقرار، محاربة التهديدات الأمنيّة الجديدة"، وكان ردّ الفعل السوفييتي تأسيس حلف وارسو عام 1955 حيث كان من أبرز المحفزّات حينها للتأسيس انضمام ألمانيا الغربيّة لحلف شمال الأطلسي بعد إقرار اتفاقات باريس، أُسِّس حلف وارسو بعضويّة 8 دول مؤسّسة هي الاتحاد السوفييتي، ألمانيا الشرقيّة، بولندا، بلغاريا، ألبانيا، بلغاريا، تشيكوسلوفاكيا، رومانيا والمجر ثم انسحبت منه في عام 1968 دولة ألبانيا بعد أن تبعت النظام الشيوعي الصيني بعد الانفصال السوفييتي الصيني ثمّ انسحبت منه في عام 1990 دولة ألمانيا الشرقيّة ثم حُلّ الحلف رسميّاً بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في يوليو عام 1991، وكانت الدولة الأوروبيّة الشيوعيّة الوحيدة التي لم تنضم إلى الحلف هي يوغوسلافيا.

- هل تصح مُقارنة الأزمة الحاليّة في سوريّة بالأزمة التي شهدتها يوغوسلافيا عام 1991؟

إنّ سبب عدم انضمام يوغوسلافيا إلى حلف وارسو أنّ رئيس وزرائها جوزيف بروز تيتو حينها أراد تحقيق نوع من المسافة بين يوغوسلافيا والاتحاد السوفياتي بسبب الأوضاع الخاصّة لمنطقة البلقان "بئر الأفاعي" كما وصفه حيث أنّ منطقة البلقان مشهورة بتنوّعها العرقي وتنافر طوائفها وقابليّة هذه العرقيّات للانفصال وتكوين دول ودويلات مستقلّة يضم كل منها غالبيّة عرقيّة مُعيّنة، فمملكة يوغوسلافيا تكوّنت بعد انتهاء الحرب العالميّة الأولى من اتحاد صربيا، كرواتيا وسلوفينيا، ثمّ تكوّنت جمهوريّة يوغوسلافيا الاشتراكيّة الاتحاديّة بعد التحرير من الاحتلال الألماني عام 1945 من صربيا، كرواتيا، سلوفينيا، البوسنة والهرسك، الجبل الأسود وجمهوريّة مقدونيا، وعليه فإنّ انضمام يوغوسلافيا إلى حلف وارسو يعني ضرب حلف شمال الأطلسي على وتر التفرقة الداخليّة، أدّى هذا الموقف إلى سوء تفاهم مع ستالين ثم تفاقم الخلاف إلى حد طرد الحزب الشيوعي اليوغوسلافي من حركة الشيوعيّة العالميّة "الكومنترن" عام 1948 وهو أمر كان يوصف ببالغ السوء بالنسبة لبلد شيوعي، وكان على تيتو أن يختار بين أمرين: التراجع أو الإقدام، وقد اختار الحل الثاني أي ابقاء المسافة بين يوغوسلافيا والاتحاد السوفياتي لاعتقاده أنّ موسكو لن تؤذي يوغوسلافيا (غير الحليفة) بمقدار ما ستؤذيها الولايات المُتّحدة والعالم الغربي إذا استمرّت في حلفها مع السوفيات، وهكذا بدأ تيتو بناء أوّل دولة شيوعيّة مُستقلّة ثمّ اتّجه إلى تأسيس حركة عدم الانحياز التي تعتبر من بنات أفكار أوّل رئيس وزراء للهند بعد استقلالها (جواهر لال نهرو) وثاني رئيس لمصر بعد ثورة 23 يوليو عام 1952 (جمال عبد الناصر) وأوّل رئيس وزراء لجمهوريّة يوغوسلافيا الاشتراكيّة الاتحاديّة جوزيف بروز تيتو، فتأسّست هذه الحركة من 29 دولة مؤسّسة (سورية أحدها) وهي الدول التي حضرت مؤتمر باندونغ عام 1955 الذي يُعتبر أوّل تجمّع مُنظّم لدول الحركة، ثمّ عقد المؤتمر الأوّل للحركة في بلغراد (عاصمة يوغوسلافيا) عام 1961.

إنّ التوجّه المُشترك بين يوغوسلافيا وسوريّة هو أن كلاهما كان يرغب بالنأي بنفسه عن صراعات الدول العظمى من خلال تأسيس حركة عدم الانحياز مع توجّه بسيط نحو المُعسكر الشيوعي الروسي وذلك رغبةً من سوريّة الاستفادة من ظروف الحرب الباردة لصالح معركتها مع الكيان الصهيوني المدعوم أمريكيّاً وبالنسبة ليوغوسلافية فبسبب طبيعة تيتو الفكريّة الشيوعيّة، وللأسف فإنّ نقطة الضعف المُشتركة هو النسيج الاجتماعي المتنوّع الذي يُمكن الضرب على وتره بهدف التقسيم الجغرافي ففي يوغوسلافيا كانت توجد العديد من الأعراق (سلوفينيون، كروات، صرب، بوشناق، ألبان، مقدونيّون، ...) وفي سوريّة توجد العديد من الطوائف (الإسلام السنّة، الإسلام العلويّة، المسيحيّون، الإسلام الدروز، الإسلام الاسماعيليّة، الإسلام الشيعة، ...) ولا توجد اختلافات عرقيّة صارخة في سوريّة (90% عرب، 8% أكراد، الباقي أرمن وتركمان وشركس وسريان) والجدير ذكره بأن الأنظمة الحاكمة في سوريّة في الفترة الماضية كانت لديها دراية بمدى خطورة الضرب على وتر التفرقة من الداخل وعليه تمّ التوجّه نحو أُسس العروبة والإسلام الحضاري وحسن العلاقات مع دول الجوار لتكون حاضناً لجميع ألوان المجتمع السوري.

- هل ستصمد الجمهوريّة العربيّة السوريّة؟

على السوري الإدراك بأنّ النظام أو النهج السياسي الفكري في سوريّة مرتبط بالوجود السوري يعني أنّ سقوط النظام في سوريّة سيؤدّي إلى سقوط سوريّة والسبب أنّ أعداء النظام السوري الحالي لم يدركوا بأنّ النظام السوري مُرتبط بجزء من المُجتمع السوري لا بأس به سواءً في الداخل أو الخارج السوري كما أنّهم تمادوا غروراً (نجاح إسقاط النظام الليبي المُمثّل بالراحل مُعمَّر القذّافي) وغيرةً (المستوى الحضاري والثقافي والعلمي الراقي لمُمثّلي النظام السوري) كضرب من ضروب الجنون الموجّه بمبدأ الغاية تُبرّر الوسيلة فلجؤوا إلى وسائل لم تُصدِّع النظام أو قوته العسكريّة فحسب بل امتدّت لتُصدِّع النسيج الاجتماعي السوري، نسيج اجتماعي لم يعد جامعاً له أُسس الإسلام الحضاري أو العروبة أو حسن العلاقات مع دول الجوار والجامع الوحيد له حاليّاً هو القوّة المادّيّة وبالأحرى الاقتصاديّة والعسكريّة، وعليه عندما نسأل السؤال "هل ستصمد سوريّة؟" فهذا يعني هل سوريّة قويّة اقتصاديّاً؟ وهل سوريّة قويّة عسكريّاً؟.

القوّة الاقتصاديّة والعسكريّة تعني الرخاء الاقتصادي والاستقرار الأمني، وأحد مؤشّرات هذه القوّة هو الهجرة وتعداد المهاجرين، فالمنطق يقول بأنّه لا داعٍ للهجرة أو ارجعوا إيّها المهاجرين عندما تكون القوّة الاقتصاديّة والعسكريّة تُنافس الدول التي تتم الهجرة إليها وللأسف فإن إحصاءات المكتب المركزي للإحصاء السوري حول الهجرة قديمة (آخرها في عام 2004م)، وتشير دراسة لوزارة المُغتربين السوريّة في عام 2010 بعنوان "الإحصائيّة الرسميّة لعدد السوريين حول العالم" إلى الأرقام التالية: "8. عدد السوريين الموجودين في العالم ككل يبلغ 73,000,000 فرد، منهم الذين فقدوا هويّتهم السوريّة (المُنصهرين) ويُقارب 35,000,000، أمّا عدد السوريين ممن يحملون الجنسيّة السوريّة فيبلغون حوالي 38,000,000 سوري، 21,000,000 منهم يعيشون في سوريا، والباقين موزعين في أقطار العالم"، وهذا يعني بأنّ قرابة نصف السوريين (من يحملون الجنسيّة السوريّة) هم خارج سوريّة أي أنّ سوريّة ضعيفة اقتصاديّاً وعسكريّاً إذا ما تمّت مُقارنتها بالدول التي تتمّ الهجرة إليها، وهنا تجدر الإشارة إلى خطورة الهجرة وبالتحديد هجرة العقول نظراً لأنها تُفقد البلد المُهاجَر منه قدرته على رفع مستوى القوّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة ونشير إلى أنّه في عام 2004 طالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالالتفات إلى هجرة الخبرات الروسيّة إلى الخارج مُشيراً في كلمة له خلال اجتماع مجلس البحث العلمي والتكنولوجيا والتعليم بقصر الكرملين إلى "إنّ أوروبا تتغذّى على حسابنا ويجب أن نلتفت إلى ذلك ونستخلص العبر"، وأضاف أنّ نزيف العقول البشريّة مُشكلة تواجه شتّى بلدان العالم بما فيها البلدان الأوروبيّة، حيث يذهب الخبراء إلى حيث يتقاضون راتباً أكبر هناك.

فلماذا هذه الأعداد المهاجرة؟ ولماذا لا تعود؟ إنّ أحد الأسباب الرئيسة لضعف سوريّة الاقتصادي والعسكري في المرحلة السابقة هو عدم نضج الثورة الصناعيّة فيها، فالأمم عادةً تبدأ بالثورة الأمنيّة ثمّ الثورة الزراعيّة ثمّ الثورة الصناعيّة ثم الثورة الخدميّة ثم الثورة المعلوماتيّة وتثور هذه السلسلة بشكل دوري حضاري مُفرزةً آليّات لضمان نتائج هذه الثورات، وللأسف في سوريّة تم القفز من مرحلة نهاية الثورة الزراعيّة وبداية الثورة الصناعيّة إلى مرحلة الثورة المعلوماتيّة وإثبات ذلك أنّ سوريّة تعاني من أزمات طاقة ومعلومات واتصالات لم تشهدها سابقاً وذلك نتيجة أنّها وثِقت بغير نفسها فأصبح الغير صانعاً والنحن مُستهلكاً ولمّا أصبح الغير عدوّاً أصبح النحن نادماً ومتحسّراً، ولكن ما ينفع الندم بعد فوات الأوان، وهنا أريد أن أصرخ في وجه كلِّ مُتشبّثٍ بكرسي وكل صاعد لا يُنظر إلّا إلى الأعلى لن يحمي سوريّة أرضها وشعبها وسماؤها إلّا نُخبتها فإن لم تكونوا نُخبةً اسعوا لكي تكونوا أو يكونوا فلا خير في أمّةٍ تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع.

- أي أنّ الجمهوريّة العربيّة السوريّة لن تصمد؟!

كم صديق لك ..؟ قال لا أدري الآن !
لأن الدنيا مُقبلة عليّ ..
والناس كلهم أصدقائي ..
وإنما أعرف ذلك إذا أدبرت عنيّ ..
فخير الأصدقاء من أقبل إذا أدبر الزمان عنك !!

كرَّم الله وجهه

سوريّة ستصمد بفضل نخبة شعبها التي لم تهاجرها والتي تريد لها ومنها الأرض والسماء وكذلك بفضل الحلفاء

لا يوجد مُصطلح الصداقة في السياسة ويُستبدل بمُصطلح الحليف وهنا يتوجّب ذكر الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي زرع تحالفات باتت الآن سوريّة تجني ثمارها، ويُقرأ التحالف في شقين: قوّة الحليف وإصراره على التحالف، فالحلفاء الأساسيين لسوريّة هم روسيا، إيران، الصين، فنزويلا ونلاحظ ذلك من خلال التصريحات والدعم السياسي والإعلامي والاقتصادي والعسكري و... وللمقارنة استناداً للناتج المحلّي الاجمالي (بالمليار دولار أمريكي):

RUS
IRN
CHN
VEN
SAU
QAT
TUR
ISR
USA
EU
2,376
827.344
6,988
337.295
733.143
143.249
1,073.565
200.630
15,065
14,712
Sum= 10,528.639
Sum= 31,927.587
SYR → 60.047
ولكي يتكوّن لدى المُحلّل نظرة واقعيّة إلى قوّة الحلفاء عليه القراءة في النصوص المُتعلّقة بـ: مُنظّمة معاهدة الأمن الجماعي، التحالف الروسي الصيني، منظّمة شنغهاي للتعاون، حركة عدم الانحياز، مجموعة دول بريكس، ... وبالتحديد القراءة في أسباب نشوء هذه التكتّلات، أمّا الإصرار على التحالف مع سوريّة فيعود إلى سببين أساسيين هما: استعراض القوّة لمنح الاستقرار للتكتّلات آنفة الذكر وزيادة رغبة الانضمام عند الدول المجاورة لها، الحدّ من حماسة الحركات الانفصاليّة أو الانقلابيّة (أغلبها إسلامي مُتشدّد) في دول هذه التكتّلات من خلال قطع الطريق على تفكيرها بالاستقواء بالخارج.

خاتمة:
لا يُمكن للنظام السوري الحالي أن يربح حرب عصابات لم يربحها الاتحاد السوفياتي في أفغانستان سابقاً وقد أدرك الجيش السوري ذلك وانسحب تكتيكيّاً إلى قواعد مُحصّنة وأصبحت الحرب حرب بيئات حاضنة، فالنفاق الإسلامي الإرهابي يحاول إيجاد بيئة حاضنة من خلال الإسلام المشوّه والمال الحرام والإعلام المسموم والسّلاح المُهرَّب والنظام السوري الصامد ماضٍ في ضرب هذه البيئة بشتّى الوسائل إلى أن تعود هذه البيئة إلى رُشدها أو تفقده فيكون الحسم العسكري، وبالنسبة للتدخّل الخارجي فهو غير مُمكن لأنّ قضيّة سوريّة الحاليّة بالنسبة لحلفائها هي قضيّة وجود وبالنسبة للأعداء فهي قضيّة توسّع.

أرجو من كل عاقل سوريّ مهما كان لونه أن لا يهلع وأن يتشبّث في مكانه لأنّ المقصود هو ضرب وحدة الشعب السوري ليُصار إلى تفتيته وبالتالي تجزئة سوريّة، فما يرغبه الأعور الدجّال الإعلامي هو إرهاب السوريين من بعضهم البعض ليتحوّل الفسيفساء الذي يستحيل تفتيته إلى ألوان مُتنافرة كلّ لون ينسحب ويتجمّع في منطقة ما ليعود سيناريو تجزئة سوريّة في زمن الاستعمار الفرنسي في عام 1920م، وبالنهاية فرّق تسُدْ.

وبالانتقال إلى الهجوم فعلى سوريّة الاستمرار في مسيرة فصل الدين عن الدولة مع احترام الدين وإعطائه حقوقه التي لا تسمح له إنشاء دويلات ضمن الدولة الأم وعلى جميع المُسلمين المُطالبة باستقلال العتبات المُقدّسة في السعوديّة عن أنظمتها الحاكمة المُحتكرة لها، فكما للأخوة المسيحيين الفاتيكان يجب أن يكون للمسلمين الكعبة وتوابعها وأن تؤثّر الدول التي تحوي المُسلمين على فتاوى دولة الكعبة بمقدار نسبة تعداد المُسلمين لديها من التعداد الإجمالي.

وإذا أراد الإنسان في سوريّة أن يستمر فعلى آلاته التي يجب أن يُصنّعها أن تستمر وعليه وجب توفير الطّاقة التي بدونها لن تستمر آلاتنا ولن نصمد أمام أعدائنا.

من حاسب نفسه ربح ..
ومن غفل عنها خسر ..
ومن نظر في العواقب نجا ..
ومن أطاع هواه ضل ..
ومن لم يحلم ندم ..
ومن صبر غنم ..
ومن خاف رحم ..
ومن أعتبر أبصر ..
ومن أبصر فهم ..
ومن فهم علم !!

كرّم الله وجهه