الروح العثمانية لم تتغير

الروح العثمانية لم تتغير

جري فرض الامور على سوريا بالقوة من قبل تركيا، وتشن تركيا حربا واضحة ضد سوريا دون اعلان مبدإ الحرب، لكن فتح الحدود التركية لارسال الاسلحة الى سوريا، فتح الحدود التركية لارسال مقاتلين الى سوريا الى اخر محطة وهي انزال طائرة سورية في انقرة يدل على ان الروح العثمانية في تركيا ما زالت هي السائدة والحاكمة.
ان كل مظاهر الديموقراطية التي تقدمها تركيا تارة من الرئيس اردوغان وطورا مع الرئيس غول، تؤكد انها مظاهر شكلية، ولكن واقع الامور هو ان تركيا عند التحرك الحقيقي تتصرف كأنها امبراطورية عثمانية تريد ان تحكمنا.
ذبحت تركيا الارمن عبر العثمانيين وهي ترفض مبدأ الاعتذار لهم، احتلت لواء اسكندرون وكيليكيا وتمنع أياً كان من التحدث عن هذا الاحتلال، تفتح حدودها لمقاتلين ضد سوريا وضد بلد جار وترسل الاسلحة عبر حدودها الى سوريا لشن حرب ضد النظام ومن دون سبب تفعل كل ذلك، لان سوريا لم تقم بأي عمل عدائي ضد تركيا، لذلك لا يوجد سبب لشن حرب تركية على سوريا، انما واقع الامر الحقيقي هو ان الروح العثمانية هي التي تسيطر على تركيا، وتركيا تتصرف مع سوريا على انها ولاية وليست دولة، فيما سوريا اصبحت دولة اساسية في الشرق الاوسط تفرض رأيها في أمور كثيرة وتشكل قوة ممانعة في وجه المخطط الاسرائيلي - الاميركي ولا تخضع لتركيا. انني لا اعفي النظام السوري من اخطاء قام بها، وجلّ من لا يخطىء، واني لا اعفي النظام السوري من ضرورة اجراء اصلاحات اوسع واكبر، ولكن الوقت عنصر اساسي لتنفيذ ذلك. لكنني كعربي لا استطيع أن اتحمل رؤية تركيا تحاول حكم سوريا بالقوة وتعتدي عليها وتعتدي على اراضيها، وتشنّ حرباً شاملة عبر الحدود ضد سوريا، فقط لان تركيا تريد اجراء اصلاحات في سوريا وان الرئيس الاسد لم يسمع من الرئيس اردوغان، ومن الرئيس غول ومن انقرة ما طلبت منه تنفيذه.
ثم هنالك دول الخليج العربي ومصر ودول عربية اخرى، تعطي تركيا الحق في الاعتداء على دولة عربية، وهي لا تدرك ان الدولة العثمانية تسيطر على كردستان في العراق، وان الدولة العثمانية تسيطر على الحدود مع العراق، وان الدولة العثمانية تريد اقامة منطقة نفوذ لها تمتد من حدود قوقاز الى مصر، وان الدولة العثمانية استغلت الاسواق العربية خاصة اللبنانية والسورية والاردنية والعراقية، وتصدّر اليهم مليارات الدولارات. فاذا كانت تركيا تصدّر 200 مليار دولار في السنة، فان هذه الاسواق تشتري بحوالى 50 مليار دولار من تركيا، مما اعطى الاقتصاد التركي قوة كبيرة جعلت تركيا بدلا من اقامة افضل علاقات حسن جوار مع هذه الدول تقرر السيطرة بالقوة على هذه الاسواق وعلى هذه الدول لتفرض هيمنتها السياسية والاقتصادية كما تفعل مع سوريا.
ما هو السبب، او ما هو العذر او ما هو المبرر الذي يسمح لتركيا بأن تفتح حدودها وترسل مقاتلين الى سوريا؟ وما هو المبرر لدى تركيا لكي تسمح فيه بارسال اسلحة الى دولة شقيقة اسمها سوريا ان لم تقم بأي عمل عدواني ضد تركيا، بينما تركيا تشنّ حرباً على سوريا بشكل وقح ؟ ولولا تدخل روسيا لكان الجيش التركي يريد احتلال اقسام اضافية من سوريا. حتى ان وقاحة تركيا هي عندما يقول مسؤول تركي ان تركيا هي سمك القرش وان سوريا هي سمك السردين والقرش يبتلع السردين. انها اهانة كبيرة للعرب، وان الدول العربية التي تساند تركيا بحربها ضد سوريا، ترتكب اهانة واساءة تاريخية للعروبة، فلو كانت تركيا تلقت اذى او اساءة او اعمال حرب من سوريا ضدها لكانت بعض الدول العربية اذا ايدت تركيا لها الحق في ذلك، اما ان تدعم الدول العربية تركيا في حربها ضد سوريا وسوريا لم تقم بأي عمل عدائي ضد تركيا، فان ذلك يعني ان هذه الدول فقدت روحية العروبة وسيادة العروبة وقيمة العروبة وهي تضرب مستقبل العروبة.
الخطر الكبير الآتي هو ان تركيا تريد اسقاط النظام في سوريا، ليس من اجل الديموقراطية بل من اجل اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد، مقابل انشاء نظام جديد يكون تحت سيطرة تركيا وتحكم عندئذ تركيا سوريا من خلال الشخصية التي تأتي بها الى رئاسة جمهورية سوريا.
ان سوريا فعلت الامر ذاته مع لبنان بشأن تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس جمهورية وهذا كان خطأ، ولكن يبقى لبنان وسوريا دولتين عربيتين ولم تقم سوريا بالغاء المؤسسات اللبنانية، لكن تركيا تلغي المؤسسات السورية عبر تغذية الحرب في سوريا وعبر ارسال الاسلحة. ونعود الى الموضوع الخطر، وهو ان تركيا تريد نظاما في سوريا يأتمر بأوامر تركيا، وعندما تصبح تركيا تسيطر على سوريا، فمعنى ذلك ان تركيا اصبحت تسيطر على المنطقة كلها، وحتى على لبنان والاردن.
لذلك على العرب ان يفرّقوا بين خلافهم مع سوريا وبين دعمهم لتركيا التي تريد احتلال سوريا سياسيا وشبه عسكرياً. وان اساءة كبيرة تجري ضد العروبة من خلال دعم تركيا ضد سوريا بهذا الشكل. ان تركيا هي دولة عثمانية بامتياز لم يتغير فيها شيء الا بعض اشكال مظاهر الديموقراطية السطحية، لكن الروح العثمانية هي الروح الحاكمة وهي الروح العثمانية التي تتخذ القرارات، ولذلك نقول احذروا العثمانيين، احذروا العثمانية، احذروا تركيا العثمانية الآتية لاحتلالنا، ولتتوقف خاصة بعض الدول العربية عن دعم تركيا بهذا الشكل الوقح من الاعتداء على سوريا.