فإن شروط التدخل التي تعدّ لها الولايات المتحدة على مراحل، لم تنضج بعد؛ حسب تصريحات المسؤولين العسكريين والسياسيين في واشنطن، وهذا بالتحديد ما يمنع الدول الغربية من اللجوء إلى الخيار العسكري الفوري، رغم إلحاح فرنسا وبلجيكا وبعض الدول العربية.
في مطلع آذار الماضي، ردّ وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا على دعوة السيناتور الجمهوري جون ماكين لشن غارات جوية ضد سورية على النسق الليبي، بأنه ما لم تشأ الولايات المتحدة التدخل بشكل منفرد، فثمة تحضيرات على الأرض ينبغي استكمالها قبل الشروع بالحملة العسكرية، وأضاف: "علينا أن نبني حلفاً متعدد الأطراف، الأمر الذي يتطلب جهوداً حثيثة وقد يستغرق بعض الوقت.. عندها فقط يمكننا القيام بالمهمة على أكمل وجه".
يأتي مسلسل المناورات العسكرية التي تحاصر سورية في هذه الآونة كجزء هام من التحضيرات التي تحدث عنها بانيتا، فبعد انتهاء مناورات "الأسد المتأهب" في الأردن، يجري التحضير لإطلاق مناورات "نسر الأناضول" في منتصف الشهر الحالي في تركيا، وكان الكيان الصهيوني قد استكمل مناورات متزامنة لاختبار قدرة القوات المجوقلة على بناء الجسور، وعبور الحواجز المائية، وجميع هذه المناورات ذات علاقة بالوضع الإقليمي عموماً وبالوضع الداخلي في سورية بشكل خاص.
تتميز المناورات الحالية عن مثيلاتها بأنها تجمع للمرة الأولى أكثر من 19 شريكاً معظمهم من دول المنطقة، وتؤكد فيها الولايات المتحدة قيادتها لمنظومة دفاعية إقليمية جديدة، يرغب بعض المحللين الخليجيين تسميتها "الناتو الخليجي" الذي من شأنه أن يضمن أمن دول الخليج ضد الأخطار الخارجية المتمثلة، بحسب اعتقاد قادة الخليج، بالمحور الإيراني، الأمر الذي يجعل من الكيان الصهيوني جزءاً مكملاً لهذه المنظومة سواء بصورة علنية أم سرية.
إن مجرد القبول بدولة "إسرائيل" طرفاً حليفاً لدول الخليج في أي صراع عسكري على المستوى الإقليمي ضد المحور الإيراني الذي يشمل سورية وحزب الله وبقية قوى المقاومة على امتداد المنطقة، يعتبر استكمالاً للهجمة التي بدأت بغزو أفغانستان والعراق، مروراً بتفتيت الكيانات العربية والإسلامية في سياق ما يسمى الربيع العربي، تمهيداً لإخضاع المنطقة برمتها للنفوذ الصهيوني - الأميركي.
في هذه الأثناء، تشرف مبادرة كوفي عنان على نهايتها وقرب إعلان فشلها، تحضيراً للموجة الجديدة من التصعيد الدبلوماسي والسياسي والتخريبي ضد الحكومة السورية، خصوصاً في ضوء تحميل الأمم المتحدة لسورية مسؤولية المجزرة التي نفذتها أدوات القوى الغربية والخليجية في بلدة الحولة في ريف حمص، وتتجدد دعوة الجامعة العربية إلى التدخل العسكري ووضع قرارات مجلس الأمن بخصوص سورية ضمن المادة السابعة، وتحويل المراقبين الدوليين إلى قوة "لإحلال السلام ونشر الأمن".
وفي هذا السياق، هددت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة باتخاذ خطوات أحادية خارج إطار الأمم المتحدة، إذا أصرت كل من روسيا والصين على رفض التدخل العسكري، أو اتخاذ قرارات مشددة تؤدي إلى عزل الرئيس بشار الأسد عن السلطة، كما حمّلت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، روسيا مسؤولية اندلاع حرب أهلية ومذهبية، أو نشوب حرب إقليمية بالوكالة تصبح فيها إيران طرفاً مشاركاً في الحرب، وكان المسؤولون في الجمهورية الإسلامية قد هددوا علناً بأن التدخل العسكري في سورية سيضع "إسرائيل" في دائرة الخطر.
يدرك القادة العسكريون في واشنطن أن السيناريوهات الجاهزة، كالتجربة الليبية مثلاً، لا يمكن تطبيقها حرفياً في الوضع السوري، رغم وجود بعض أوجه الشبه في كثير من الحالات، فقد حذّر رئيس الأركان الأميركي، الجنرال مارتن ديمبسي، من اتباع النسق الليبي، فرغم "صلاحية بعض العلميات العسكرية التي نفذت في ليبيا وإمكانية تكرارها في المشهد السوري"، يرى ديمبسي، "أن الوضع السوري أكثر تعقيداً، لأن سورية محاطة بدول صديقة وتحتفظ بعلاقات دبلوماسية هامة على الصعيد الدولي، وهذه شروط لم تتوفر للنظام الليبي".
وعليه، فإن التروي الأميركي يعود بالأساس إلى اعتراف واشنطن بتعقيد المشكلة السورية، وتحسبها لاتساع رقعة الصراع بما يتعدى الداخل السوري ليطال معظم بلدان المنطقة، ولكن لا ينبغي التوهم بأن هذه العقبات ستشكل رادعاً دائماً للتدخل، بل ستفرض على الولايات المتحدة وحلفائها الدوليين والإقليميين المزيد من الإعداد والجهوزية للسير في طريق الخيارالعسكري.
وفي انتظار ذلك، تستمر العمليات المسلحة لتخريب الوضع الداخلي، وتهريب السلاح إلى المعارضة السورية، وتثبيت المناطق الآمنة كأمر واقع على مشارف الحدود السورية مع تركيا ولبنان والأردن، وهذه بحد ذاتها مرحلة من مراحل الحرب المعلنة ضد سورية وحلفائها الإقليميين، وما سيليها من خطوات دبلوماسية وعسكرية ليس سوى استمرار لهذه الحرب، وهي مرشحة لمزيد من الحدة والاتساع أكثر منها إلى الانحسار والتهدئة.
عدنان محمد العربي - الثبات