أمريكا تعيد النظر في طائرة «درون» بعد إسقاط سورية لهاتجدّد الجدل المحتدم وطرحت علامات الاستفهام، أخيرا، حول مخاطر الطائرة الصامتة « درون »، من باب مقارنة فوائدها مع محاذيرها العسكرية. وتعرّضت في الآونة الأخيرة لسلسلة من النكسات النوعية. بدلاً من أن تكون العين البصيرة غير المرئية، صارت طريدة في بعض الأحيان للمضادات. أو عرضة للعطب خلال مهمات سرية هامة. الأمر الذي اقتضى تسليط الضوء من جديد على مدى فعاليتها، كما على الأخطار التي تواكب مهامها.
ذراع طويلة
فعلى الرغم من صغر حجمها، تحولت« درون» إلى ذراع طويلة في القوة الجوية الأميركية بشقيها الاستكشافي والهجومي. وكانت التوقعات قد تعززت حول مستقبلها الواعد، نظراً لمزاياها الفريدة. خاصة مداها الجوي البعيد وقدرتها على الطيران لساعات طويلة، بحيث لا يجاريها أي طائر آلي آخر، ناهيك عن كلفتها الزهيدة؛ سواء الاستطلاعية منها أو القاذفة للصواريخ، فضلاً عن انعدام خطر وقوع الطيارين في الأسر، كما هي الحال في المقاتلات التقليدية.
ولهذا كله كثر الاعتماد عليها، كما جرى التداول بإمكانية بناء حاملة طائرات خاصة بالدرون، كقاعدة جوالة لها تمكنها من العمل في أي مكان من العالم. بل بدأ التحضير لاستخدامها لأغراض أمنية داخل الولايات المتحدة.
والمعروف أن البنتاغون باتت يعوّل عليها إلى حدّ بعيد في عملياتها الجوية . وقد زادت مخصصات شراء المزيد منها في موازنة العام المقبل. « الفيديو الذي توفره هذه الطائرة عن ساحة العمليات بات عاملاً أساسياً في كافة المناورات الميدانية » كما قال الجنرال لوويد أوستن قائد قوات المنطقة الوسطى،التي تشمل منطقتنا. باتت معلوماتها وعمليات المسح الجوي التي تقوم بها أشبه بكاميرا فوق مسرح القتال ومداخله ومخارجه. مساهمتها تشكل أحد أهم العناصر الفعالة في خوض المواجهات العسكرية.
ولا يقتصر استخدامها على القوات الجوية بل صارت «درون» أحد الأدوات الرئيسية للعمليات السرية التي تقوم بها وكالة الاستخبارات المركزية (السي أي أيه)، خاصة على الساحة الأفغانية وبعدها اليمنية، كما في شمال وشرق ووسط أفريقيا.
في البداية كانت «درون» تعمل بتكنولوجيا تجريبية. كثرة استخدامها أدّت إلى زيادة في حوادث سقوطها أو إسقاطها. في الفترة بين ٢٠٠١ و٢٠١٣ تحطمت ٤٠٠ طائرة من النوعين الاستطلاعي والحربي، كما جاء في عملية مسح جرت قبل حوالي عشرة شهور. القوات الجوية بمفردها خسرت ٢٦٩طائرة منها. والباقي في أفغانستان أو خلال عمليات التدريب أو المهمات التي توزعت بين أفريقيا والشرق الأوسط.
مع تطويرها، هبطت هذه النسبة بصورة حادة. خلال السنة ونصف الأخيرة، حصلت ١٤ حادثة سقوط فقط من أسطول القوات الجوية. صارت تتولى دور الموجّه الدقيق والصياد الماهر من أعلى، ومن دون ضجة.
لكن ظروف السقوط وحساسية مكانه كانت مقلقة للمعنيين، لكونها « كشفت عن أسرار العمليات العسكرية الأميركية». حادثة اللاذقية تندرج في هذه الخانة. وقد سجّلت نكسة لعمليات هذه الطائرة. خاصة بعدما تبيّن أنه جرى إسقاطها بالمضادات الجوية السورية، حسب اعتقاد البنتاغون، ولو أنها لم تحذف كلياً احتمال أن تكون الحادثة قد حصلت نتيجة خلل ميكانيكي. على أية حال، كانت العملية صادمة من نواح عدة. فهي كشفت عملية التجسس فوق قسم من المنطقة الساحلية السورية وبما أفقد« درون» ميزتها السرية.
مخاطر زائدة
لقد أثار الاعتماد المكثف على هذه الآلة الموجهة من بعيد تحذيرات كثيرة، لما قد يؤدي إليه من خروجها عن السيطرة. خاصة لجهة الخسائر البشرية، التي قد تتسب بها في صفوف المدنيين المقيمين في محيط عمليات المطاردة أو القتال. وازدادت التحذيرات بعد تكرار سقوط المزيد من الأبرياء، في باكستان وغيرها. ثم كان هناك تخوف من انتشار« درون» على نطاق واسع وبما يزيد من زحمة الأجواء أمام الطيران المدني. خاصة إذا شمل استخدامها مجال الأمن الداخلي وربما مجالات الاستخدام المدني. وقد هبّت اعتراضات داخلية أميركية على المخاطر الكبيرة التي تسببها.
الواضح من الحيثيات التي يتحدث بها العسكريون، كما من تزايد الطلب عليها والتعويل على دورها، أن هذه الطائرة دخلت الترسانة العسكرية الأميركية، وصارت أحد مقوماتها. فهي تلبي التوجهات الراهنة القائمة على مذهب الحرب من بعيد الذي يحبّذه البنتاغون وتدين به إدارة أوباما. توجّه محكوم بتطوير تكنولوجيا هذه الطائرة لسدّ نواقصها وضمان استمرار تفوقها. لكن« درون» لم تعد حكراً على الترسانة الأميركية، بعد أن انتشرت صناعتها، وتزايد الطلب عليها في كل مكان. وليس من المستبعد أن تتميز المرحلة المقبلة بسباق السيطرة على الأجواء من غير طيارين.