سياسة العم سام تضع السعودية امام الدب الروسيطوني خوري – النشرة
في خضمّ المعارك والدمار الذي يشهده اليمن بفعل المواجهات بين السعودية والحوثيين والقوات العسكرية الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، مرّ كلام لوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في القمة العربية التي عقدت اخيراً في شرم الشيخ طاول روسيا بالتحديد ووضعها في قفص الاتهام(1) بشكل عابر.بعدها بأيام قليلة وتحديداً في الاول من نيسان الفائت، نقلت وكالات انباء روسية عن مصدر في السفارة الروسية في اليمن ان الغارات الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية، اصابت مقر القنصلية الروسية “ولم يبق هناك اي نافذة لم تتضرر”، كما افادت تقارير اعلامية عن تأخير السعودية اجلاء الرعايا الروس من اليمن من خلال عدم السماح لطائرة روسية في الهبوط في صنعاء.
تلاحق هذه الاحداث عشية الاعلان عن التوصل الى ارضية مشتركة تمهد للاعلان عن “اتفاق نووي” بين الولايات المتحدة والغرب من جهة وايران من جهة ثانية، دفع البعض الى القول ان ما قامت به السعودية هو رسالة اعتراض على التفاهم الايراني-الاميركي، الا ان الواقع يقول بشيء آخر كلياً.
فوفق سير الامور، كانت السعودية اشبه بصندوق بريد اميركي للتعبير عن امتعاض واشنطن من السياسة التي يتبعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اوروبا بالتنسيق مع الصين. ولكن يبدو ان الاميركيين والروس متفقون تماماً على ان ما يحدث في الشرق الاوسط والمفاوضات مع ايران، احداث منفصلة كلياً عن الخلاف المندلع بينهما في اوروبا. هذا الامر بدا واضحاً حين ساهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في “حلحلة” بعض العقد التي برزت خلال الساعات الاخيرة من المفاوضات النووية، كما من خلال “الستاتيكو” القائم في اوكرانيا حالياً والمجمّد منذ فترة.
ولكن، اذا كان الوضع على هذا الحال، فما سبب القصف السعودي للقنصلية الروسية، والكلام العالي السقف للوزير الفيصل؟ السبب الاقرب الى المنطق يفيد بأن واشنطن ارادت ان تطمئن الخليجيين بأن الامور لن تتغير بشكل دراماتيكي في الخليج بشكل خاص، وان ميزان القوة السنّي-الشيعي لن يتأثر وسيبقى قائماً لانه حاجة اميركية اولاً. وحين تقوم السعودية بضرب مقر روسي، فهو امر يبعث على الراحة بالنسبة الى الخليجيين الذين بنوا حلفهم مع واشنطن منذ زمن بعيد، وبالاخص المملكة السعودية التي لم تربطها علاقات ودّ مع الاتحاد السوفياتي ووريثته روسيا (يكفي ان نذكر ان بوتين كان اول رئيس روسي يزور السعودية في حدث تم عام 2007، كما ان العلاقات الدبلوماسية كانت مقطوعة منذ عام 1938 وحتى انهيار الاتحاد السوفياتي. اضافة الى ذلك، شكّل الدعم العلني الروسي للرئيس السوري بشار الاسد سبباً رئيسياً للخلاف، واعتبر الكثيرون ان ورقة تخفيض اسعار النفط لعبتها السعودية ضد روسيا).
خطوة القنصلية الروسية يعني عملياً ان واشنطن لن تدع موسكو تتحكم بمجرى الاحداث في المنطقة، وانه في اسوأ الحالات سيكون هناك تقاسم للقوة والقرارات، مع افضلية اخرى هي فتح خط اميركي مع ايران.
اللافت ان الرد الروسي بقي ضمن الكلام، حيث اكد الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف عدم وجود أي نوع من الحظر على التعاون العسكري التقني مع سوريا. وكان من المهم ايضاً متابعة ما ذكرته وسائل الاعلام الروسية التي نقلت عن مصادر يمنية محلية ان الحوثيين وعناصر من الجيش الموالي لصالح، دخلوا مقر القنصلية وعاثوا فساداً في مكاتبها. والاهمّ كان ما اشارت اليه المصادر نفسها من قيام هؤلاء العناصر بنقل مستندات ووثائق من المكاتب وتحميلها في شاحنات توجهت الى جهة مجهولة. فهل كانت الخطوة، في حال صحت المعلومات، منسقة مع الجانب الروسي لتأمين الوثائق والمستندات؟
(1) بتاريخ 29/4/2015، تحدث وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل امام القمة العربية منتقداً ما جاء في رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى القمة، ومما قاله: “… “إنهم (اي الروس) يمنحون من الأسلحة الاستراتيجية إلى النظام السوري ما هو فوق حاجته ليفتك بشعبه”، وأضاف: “آمل… أن يصحح الرئيس الروسي خطابه ليعبّر عن مدى اهتمام العالم العربي بأن تكون العلاقات مع روسيا على أفضل مستوى”، واكد أن روسيا تساهم في إطالة أمد الحرب.