النووي الإيراني مقابل النفط السعوديالهادي صفي الدين – النشرة
تمّ الإعتراف اخيراً بإيران كدولة نووية، لها مشاريعها ومخططاتها ودراستها وتأثيرها في المجال النووي عبر المنظمة الدولية للطّاقة الذرية، وبالتعاون مع دول الـ5+1 سيتم التطوير والمتابعة لتحصل إيران على الطاقة النووية السلمية. وفي خطوة تاريخية انتهت مفاوضات “لوزان” الطويلة على مبدأ ورؤية “رابح-رابح دولي” كما أطلق عليها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف؛ الذي كان يوزّع الابتسامات بهدوئه ودبلوماسيته المعهودة التي لم تعجب نظيره جون كيري الذي لم ينطق بكلمة واحدة للاعلام ولم يصافح أحداً من المتحاورين؛ فيما الأجواء في “لوزان” كانت إيجابية جدا بالنسبة لوزيرة خارجية الإتحاد الاوروبي كاثرين أشتون التي لم تستطع ان تخفي حماستها لرفع العقوبات الأوروبية عن إيران وعودة التعاون التجاري والاقتصادي مع الإتحاد. أمّا المعنيون -غير المفاوضين- مباشرةً بالملف، فكان لهم موقف آخر.
فلقد انتظر العالم بأجمعه -وعلى كُلّ المستويات السياسية والشعبية والعسكرية- الإتفاق الذي وصفه الرئيس الأميركي باراك اوباما بالتاريخي، وانشغلت وسائل الإعلام العالمية بتغطية المؤتمر الصحافي لوزراء خارجية الدول الكبرى وإيران “النووية”، وليس مستغربًا بالتالي ان تكون الصحافة الإسرائيلية اكثر المراقبين لهذا الإعلان، فالحملة التي شنّها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو قبل الإعلان كانت ممنهجة للضغط على المتحاورين وعلى اميركا خصوصا برفض الاعتراف بمشروعية الملف النووي الإيراني، امّا الردّ هذه المرة فلم يكن إيرانياً، بل كان من الرئيس الأميركي الذي اعتبر ان الإتفاق هو أفضل ما يمكن، وان ما حصل هو نصر للسلام العالمي، طالبا بخطابه من نتانياهو التفكير بالحلول السلمية، ورافضا للحلول العسكرية التي كان يسعى الأخير لتسويقها. ومستندا الى ما قاله المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي بحرمة استعمال الطاقة النووية بالاعمال العسكرية، فاجأ اوباما نتانياهو -وباشارة واضحة- بأنّ الإتفاق الكامل قد أُنجز، ولكنّ الإعلان عنه كان بحاجة الى التجزئة.
إعترفت الدول الكبرى مجتمعة وأقرّت أميركيا -التي حاربت إيران على مدى ستة وثلاثين عاماّ منذ انتصار الثورة الإيرانية اقتصاديا وعسكريا وسياسيا- بإيران كلاعب دولي وإقليمي؛ فيما السعودية التي فشلت بتفيذ كل المشاريع الاميركية الموكلة اليها قررت ان تخوض أولى حروبها العسكرية الرسمية المباشرة تحت عنوان كسر التمدد الإيراني في المنطقة عبر حرب اليمن المفتوحة. ولتهدئة رياح “عاصفة الحزم” الإيرانية التي هبّت على بلاد الحجاز، إتصل الرئيس الأميركي بالملك السعودي لتخفيف الصدمة ووضعه بأجواء “لوزان” ولتذكيره أن الاتفاق النهائي مع ايران سيُبرم في 30 حزيران المقبل اي ما بعد شهرين تقريبا.
وعلى المقلب الاخر أكد الطرفان الإيراني والأميركي أنّ الاتفاق في “لوزان” ليس إتفاقا بين البلدين، وأنّ العلاقات الخاصة ليست موضوع الإتفاق في محاولة شد حبال لتبلور الصورة المثلى للعلاقات المستقبلية. وهذا ليس بجديد على السياسة الاميركية، كما انه ايضاً ليس بمستغرب من الجانب الإيراني الذي اختبر هذا الأسلوب في حرب الثماني سنوات مع النظام البعثي لصدام حسين -المموّل سعودياً- ومن خلفه اميركيا التي دعمته عسكريا واستخباريا آنذاك كما تدعم السعودية راهنًا.
مما يتفق عليه جميع المحللين والمتابعين ان السعودية لم تنجح في تحقيق اي نصر سياسي او ميداني في المنطقة طوال العقود الثلاثة الماضية. وقراءة واحدة لخريطة الشرق الأوسط كفيلة بالوصول لهذه النتيجة، فالعراق الذي حارب ايران على مدى أعوام استغل الحرب المفروضة عليه سعوديا بمحو آخر آثار تلك الحرب البعثية على مستوى الشعبين والحكومات، وسوريا التي كانت الـ”سين” الثانية بعد “سين” السعودية في اي إتفاق إقليمي أصبحت في كنف ايران منذ بداية الأزمة السورية التي اصبح فيها حزب الله اللبناني من اهم اللاعبين المؤثرين. وها هو اليمن يرفض الوصاية السعودية في حرب -لا أفق لها- فرضتها المملكة عليه.
في الخلاصة، يسأل المراقبون؛ هل توالي الاحداث في المنطقة وما سيحصل بعد اعلان “لوزان” وقبل إتفاق 30 حزيران سيكون مفصليا، أم أنّ العالم سيستبدل النفط السعودي بالنووي الإيراني؟