هل يمكن تخيل سوريا من دون الرئيس الأسد ؟روزانا رمال – صحيفة البناء
لا يمكن اعتبار أنّ الرئيس السوري بشار الأسد هو الشخص الوحيد في سورية الذي يمكن له ان يترأس البلاد، لأنّ في هذا مبالغة حقيقية وإهانة لما تزخر به سورية من كوادر وشخصيات تستطيع ان تشغل منصباً سياسياً او تحمّل المسؤولية، ومعروف أنّ من بين هذه الشخصيات ما يكفي من أصحاب الكفاءة سياسياً وفكرياً وأدبياً ووطنياً ولا يمكن المزايدة أو اعتبار أنّ أيّ شخص يطمح للترشح لانتخابات الرئاسة السورية خائن او طامح لما يصعب مناله، فالأسد بنفسه خاض الانتخابات الـ«غير شرعية» بالنسبة إلى الولايات المتحدة والغرب بوجود مرشحَّيْن للرئاسة، ولم يكن هناك من مانع من فوز أحدهما بالأسلوب او الطريقة التي أجريت فيها الانتخابات، وحتى لو لم يتمكن أحدهما من الفوز فإنّ مجرّد ترشحهما أو منافستهما مع الرئيس الحالي كان كسراً للمألوف وتقدّماً يحتسب لسورية الجديدة.
بعد أربع سنوات من الأزمة السورية لا يمكن اعتبار أيضاً أن حزب البعث هو الحزب المثالي لسورية، وأنه لا يمكن لهذا البلد ان يفرز احزاباً وطنية حقيقية تتوزع مهماتها بين تكتلات سياسية قادرة على الترشح وخوض غمار انتخابات برلمانية تقوم على التعددية السياسية والحزبية التي ليست بالضرورة أن تكون احزاباً موافقة ومشابهة لبعضها البعض او موالية للسلطة، فالمعارضة السياسية الفكرية المتينة الأسس والأهداف ذات القاعدة الشعبية الرصينة لطالما أغنت الدول بممارسة دورها الديمقراطي الذي يساعد من خلال التصويب على عمل السلطات والحكومات بالكثير من الإصلاحات وضمان الحريات.
لم يكن حزب البعث ولن يكون الحزب الوحيد القادر على قيادة سورية من دون منافسين، ولو كان كذلك لما استغل أعداء سورية ثغرات تحدث عنها الرئيس الأسد على شكل أخطاء يعرف أنها حصلت، فاستطاع على أساسها المشروع التكفيري أن يتقدم نحو سورية كونها نقاط ضعف من الممكن البناء عليها في تجييش قاعدة شعبية ظلمت من بعض ممارسات الحزب وخوض غمار السعي لإنقاذ المظلومين منه وفكفكة العقد السياسية الموجودة في سورية والأحادية والمطالبة بحرية بدت إصلاحية سياسية وانتهت دموية.
لا يمكن أيضاً بعد أربع سنوات من عمر الأزمة اعتبار أنّ حلفاء الرئيس السوري بشار الأسد لم يفكروا ببديل عنه بلحظة من اللحظات المصيرية، وهو بديل يمكن أن يكون حليفاً لهم مقتنعاً بالخط السياسي نفسه يحمل توجهاته السياسية الجدية والفكرية والايديولوجية نفسها تجاه المقاومة وفلسطين وسيادة سورية ودعم جيشها في وجه أي عدو «إسرائيلي» وتطويره وتعزيز العلاقة بإيران وروسيا وشخصية فذة قد يقترحها الأسد لم لا؟ وهي قادرة على إثبات وجودها، وبالتالي لا تكون سورية أضاعت البوصلة، ولا حلفاؤها خسروا معركتهم، لأن المبادئ مصانة ومحفوظة وبذلك يكون قد ساعدوا على تعجيل الحل السياسي وإنزال الغرب عن الشجرة وإسقاط الحجة عن العرب الذين لا يريدون الأسد «بالشخص»، وهم حاولوا تسويق هذا الطرح ولو حدث واتخذ حلفاء الأسد هذا القرار، فإنهم بذلك لا يكونون قد اخطأوا المسار لأنّ لكلّ مرحلة ضرورات ولأنه ليس ممكناً أصلاً بغض النظر عن أي احتجاجات ان يحكم رئيس الى ما لا نهاية فلم لا؟
بعد أربع سنوات من الأزمة في سورية لا يمكن اعتبار ان الدعم الروسي واستخدام الفيتو دائماً للوقوف الى جانب سورية في مجلس الأمن وتعريض روسيا الى الانتقاد والضغوط وخلق مشاكل استراتيجية لها واستهدافها بسبب مواقفها في الشرق الأوسط والمقصود الأزمة الأوكرانية والقرم كان سهلاً بالنسبة الى روسيا، او أن روسيا لم تكن قادرة على العمل لطرح بديل عن الأسد كحسن نوايا تجاه الغرب الذي أراد إحكام الخناق وتضييقه عليها منذ إخراجها من ليبيا إلى أزمة سورية فأوكرانيا، وبالتالي كان من الممكن ان تعتبر استبدال الأسد بخلف مشابه سياسياً، ورقة ذكية تخفف عنها الحملة الممنهجة.
الأمر نفسه ينطبق على إيران وحزب الله اللذين قدما السلاح والمقاتلين ودفعا دماء لا يمكن تعويضها على الأرض السورية من أجل خوض المعركة فيها، وبالتالي فإن تفكير إيران أو حزب الله باقتراح شخصيات قد تكون حلاً مرضياً للجميع ليست خطيئة او خيانة على اعتبار انه كان من الممكن التوصل الى هذا لقطع طريق المؤامرة التكفيرية التي اجتاحت سورية بحجته والتي وصلت الى لبنان وهذا تفكير سليم وطبيعي، فحقن الدماء في سورية واختيار بديل جدي ينهيان الصراع ويلقيان الحجة على باقي الدول التي تتهم النظام بسيل الدماء الجاري، وخصوصاً انه وفي فترة من الفترات لم يكن الحديث عن الإرهاب ولم تكن العين عليه بل كان التركيز فقط على وجوب رحيل الأسد.
بعد أربع سنوات من الأزمة السورية بقي الأسد من دون التطرق الى موضوع شرعيته، وباتت احتمالات التوجه للتفاوض معه كحل لا بدّ منه حسب تصريحات اميركية وبرلمانية فرنسية وألمانية اكثر جدية، ليس لأن حلفاءه اوفياء له شخصياً، بل لأن هذا لا يمكن أن يكون واقعياً او منطقياً بالسياسة وبالحديث عن دول اقليمية كبرى، وإلا لماذا لم يكن الحلفاء اوفياء الى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على سبيل المثال الذي تلقى سيلاً من الانتقادات ان حلفاءه تركوه او تخلوا عنه وهو الذي واجه الارهاب ودعم المقاومة في العراق؟
يمكنكم دائما متابعة المزيد من الاخبار على الصفحة الرئيسية لوكالة اوقات الشام الاخبارية
ليست القضية هنا لعبة وفاء، ولا يمثل الرئيس السوري بالنسبة الى مصالح دول إقليمية كبرى تمسكاً عاطفياً او قيماً أخلاقية او تعهدات والتزامات، فأساس العلاقة معه أصبح «استحالة» قيادة سورية في هذا الظرف من دونه لسبب وحيد ان مهابة سورية وجيشها باتت قائمة على اسمه في شكل خاص والذي يرمز في بال كثير من السوريين الى الجدية والحزم في المواجهة والقيادة والإرث التاريخي الذي تمتع به والده الراحل حافظ الأسد – من دون مناقشة تلك الحقبة إضافة الى الحزب الجماهيري الذي تجذر عند جزء واسع من الشعب السوري وهو البعث، لأنه حزب كبير يقوم على مؤسسات بنت الدولة السورية بين اقتصاد وعمران ونسيج اجتماعي، فتجذرت الحالة لعهدين او فترتي حكم لآل الأسد، هذا مع مهابة التعاطي مع اسمه فمن هو هذا الرئيس القادر ان يكون بديل الأسد؟ سؤال كان يحتاج الى أجوبة حقيقية عند حلفائه، ومن هو الرئيس القادر على ان يقود الجيش السوري في مواجهته الإرهاب من دون أن يشعر الجيش بأن ركائزه اهتزت وضعفت بغياب الاسم القوي عن البلاد في ظرف يتغلغل الإرهاب فيه بسرعة كهذه؟ ثم من هو المرشح القادر على أن يستحوذ وحده على نصف وليس اكثرية الشعب السوري كثقة او وزن او ثقل سياسي، خصوصاً أن المرحلة لم تكشف أي بزوغ لأي شخصية لفتت الأنظار كقائد؟
وللتفسير أكثر، بعض المقارنة الواقعية تصلح من دون محاولات تلميع صورة أي حزب أو نقده، حيث تصلح هنا الاشارة صراحةً من خلال السؤال كيف يمكن ان يكون حال حزب الله مع أمينه العام السيد حسن نصر الله؟ وكيف تمكن دراسة حزب الله وحالة كوادره من دون نصر الله كمهابة وتعلق وعلاقة مع قاعدة الحزب ومقاتليه كقائد فذ بنى علاقة حديدية مع جمهوره؟
يروي أحد الديبلوماسيين الروس في بلد إقليمي عربي قصة في بداية الأزمة يحكي فيها عن احصاءات قامت بها الخارجية الروسية التي جندت بعثاتها في المنطقة بين سفراء وديبلوماسيين للحصول على معلومات من كل المفكرين والشخصيات السياسية والأحزاب التي صادقت الأسد وتعرف مدى شعبيته بين شعبه أو جيشه من أجل تجميع ملف كامل حول عدد الموالين للأسد في المحافظات كافة بين موالٍ ومعارض وفئة رمادية تتغير حسب الظروف وكان هذا في نصف اول سنة من الأزمة السورية.
كلّ هذا كان مطروحاً… إلا انه لم يحصل.
وبالتجربة أيقن «الحلفاء» اليوم وبصيغة غير مألوفة في الحياة السياسية للدول والتي هي صيغة تصلح لأحزاب وليس لأوطان «ان سورية هذه بمؤسساتها وجيشها وشعبها قائمة على شخص».
بشّار الأسد!