هكذا قتل الضابط الإسرائيلي جنوب سوريا وقادة «النصرة» في شمالهامحمود عبد اللطيف – عربي برس
لم يعد رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي المنهارة بنيامين نتنياهو ملبياً من الناحية الأمنية للكيان الإسرائيلي، وسائل الإعلام العبرية تعتبر أن نتنياهو بحكم الساقط انتخابياً، فالكيان الإسرائيلي بات متورطاً بجملة من الملفات التي كان مسارها مرسوماً لتكون أوراق قوة لا ضعف، فلا المقاومة الفلسطينية المدعومة بالصواريخ السورية سقطت في غزة، ولا جبهة النصرة تمكنت من خلق الجدار الذي كان مطلوباً منها لحماية الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة والجولان السوري المحتل مما يسميه الإسرائيليون “الخطر السوري” ودمشق باقية و قوتها تتمدد نحو التأثير بقرار دول غرب أوروبا ودفعهم نحو مراجعة الحسابات، وبات ملف الإرهاب الذي حاولت حكومة الكيان الإسرائيلي أن تستغله لهدم الدولة السورية من الداخل ورقة قوة بيد الدولة السورية التي واجهت التنظيمات الإرهابية بحزم و بتكتيكات عسكرية أربكت قادة جيش الاحتلال، فمعركة الجنوب أوحت أن الجيش السوري عصي على الاستنزاف والانهيار.
في مفردات معركة الجنوب التي بدأتها القوات السورية والقوات المساندة لها من عدة محاور في الوقت نفسه وبزخم ناري لتقسيم المنطقة إلى قطاعات عمل جعلت من عملية تطويق المسلحين في بؤرهم عملية سهلة، فأصبحت التلال الإستراتيجية مرابض للمدفعية السورية التي تصل في مداها إلى عمق الأراضي المحتلة، وبرغم إن الكيان الإسرائيلي يمتلك من القدرة الاستخبارية ما يمكنه من إيصال الدعم للميليشيات المسلحة التي يديرها في المنطقة الجنوبية، ويؤمن الغطاء الجوي لهذه الميليشيات مما يعرقل عمل القوات السورية غير الراغبة حالياً في دخول معركة مع جيش الاحتلال على الرغم من دراية تل أبيب نفسها بأن المجهود العسكري السوري الخاص بمثل هذه المواجهة لم يدخل العمليات العسكرية السورية ضد الميليشيات، إلا إن العملية الأخيرة للطيران السوري التي استهدفت تجمعاً أو اجتماعاً للميليشيات المسلحة مع قياداتها من جهة و ضباط مخابرات إسرائيليين و آخرين من الأردن، تكشف عن حجم التفوق الاستخباري السوري على نظيره الإسرائيلي، فالقوات السورية التي تمكن من الحصول على المعلومة الخاصة وتعاملت معها بدقة عالية ومن خلال عملية صفعة للدفاعات الجوية الإسرائيلية إذ دخل الطيران السوري إلى مسافة لا تبعد عن الشريط الحدودي، متمكناً من تنفيذ العملية والعودة إلى منطلقه دون أن تتمكن الدفاعات الإسرائيلية من رصده واستهدافه، فالثابت إن قيادة الاحتلال أعطت قواتها الشمالية باستهداف الطيران السوري الذي يحلق بالقرب من منطقة الفصل لحماية الميليشيات المسلحة، وهذا ما يفضي إلى أن الجيش السوري استخدم طيران متطور أولاً، وثانياً يكشف عن تقنية عالية في التمويه الإلكتروني على الطائرة أو الطائرات التي استخدمت، كما إن نوع الذخيرة المستخدمة يشير إلى أن القوات السورية تمكنت من تطوير أنواع من الصواريخ عالية الدقة، ففي المرتين اللتين استهدف فيهما اجتماعي النصرة في الشمال والجنوب كانت النتيجة مقتل عدد كبير من القيادات وعدد أكبر من القواعد التكفيرية، بمعنى إن القدرة التدميرية للذخيرة الصاروخية المستخدمة في العملية عالية و محصورة في الوقت نفسه، بما يخلق أكبر قدر ممكن من التأثير في الهدف دون أن يكون له تمدد إلى مساحة أخرى، وهذا يرجح كفة الطيران السوري في المعارك الجوية التي إذا ما تم الإشارة إلى وجود المقاتلات السورية في الأجواء حين تنفيذ التحالف الأمريكي لأي غارة ضد أهداف يزعم إنها لداعش، يفهم لماذا لم تقوم قوات التحالف إلى الآن باستهداف المواقع السورية بحجة الخطأ كما فعلت في العراق مؤخراً.
في قراءة الطرف الآخر، فإن القول إن من تم استهدافهم هم من “ميليشيا الحر” فذلك يتنافى ومنطق الأشياء، فإن كانت النصرة على خلاف شديد مع “الحر” لجهة الفكر المتشدد أولاً، ولكون النصرة تنسب كل سيطرة على نقطة من الجنوب لها، في حين إن الهزائم تلصق باسم “الحر” فقط، وإن كانت كلا الجهتين “النصرة و الحر” تحظيان برعاية الكيان في المنطقة، فإن رفع النصرة لراية الحر في مناطق الجولان ما هي إلا للتمويه إعلامياً على تعامل إسرائيل مع التنظيمات الإرهابية التي تخضعها للفصل السابع بحسب قرارات مجلس الأمن إذا ما تم تطبيق هذه القرارات أصلاً، وبالتالي فإن الهدف الذي ضربته المقاتلات السورية هو اجتماع للنصرة وليس للحر، وعلى ذلك يكون من الطبيعي على أن يروج من قبل صفحات المعارضة على إن المستهدفين والمقتولين هم من قيادات ميليشيا “الحر” لا النصرة، وذلك تبعاً لأوامر إسرائيلية، وبكون تل أبيب تدرك إن الإعلام السوري سيتعاطى مع الحدث قررت دفع “التنسيقيات” والصفحات الموالية للنصرة والحر والتي تدار كلها من غرفة عمليات “موك” في شمال الأردن لترويج أن العملية السورية استهدفت ميليشيا “الحر”.
وفي كلا الحالتين سواء إن كان الهدف تابعاً للنصرة أو للحر، فالعملية تمت والقتلى صاروا مجرد أسماء في مزبلة التاريخ، بمن فيهم الضابط الإسرائيلي المقتول ونظيره الأردني وهما ما أعلن عنه، وكنتيجة طبيعية للعملية السورية في الجنوب يحضر السؤال الذي يفرض نفسه بحثاً عن عدد الضباط الإسرائيليين الذين كانوا في الاجتماع، إضافة إلى عدد الضباط الأردنيين، وماذا لو كان هناك ضباط من مخابرات أخرى لم يكشف عنهم بعد، فالمنطق يقول أن الكيان الإسرائيلي لن يكلف ضابط واحداً بإدارة ملف الجهاديين في سوريا، وبالتالي فإن قيادة لواء “جفعاتي” لن تكلف ضابط واحداً لإدارة الاجتماع خاصة وإن هناك ضباط من جنسيات أخرى، فاليقين يقطع بأن الاجتماع كان موجوداً فيه أكثر من ضابط إسرائيلي.. بالتالي ما هو مصيرهم، ولماذا لم ترد إسرائيل على مقتل ضابطها أو تعلق، وإنما اكتفت بإطلاق صافرات الإنذار في المستوطنات الشمالية بعد العملية وفقط.
في السياق نفسه يمكن القول إن هذه العملية هي امتداد لاختراق الاستخبارات العسكرية السورية للكيان الإسرائيلي وجبهة النصرة في شمال سوريا، فالنصرة المدعومة من تل أبيب بشكل أساسي كانت قد عمدت إلى عقد اجتماع لكبار قادتها في الشمال، حيث الجبهة الثانية من ناحية التعقيد في الميدان السوري، وثاني أكبر انتشار للنصرة في سوريا وتمتلك النصرة القدرة على المناورة فيها أكثر بكونها مفتوحة على الحدود التركية، وهذا يعني أولاً أن قادة النصرة الذين انتقلوا من الجنوب إلى الشمال لعقد الاجتماع قد انتقلوا إلى هناك عبر أحد طريقين، الأول عن طريق البحر من خلال التسلل بزوارق صغيرة إلى المناطق القريبة من الحدود السورية التركية ومن ثم الدخول إلى سوريا، وهذا مستبعد نتيجة لحجم المخاطر في مثل هذه الرحلة إضافة لطول الوقت الذي ستستهلكه.
أما الطريق الثاني فإن يكون قادة النصرة انتقلوا عبر الطيران الإسرائيلي في رحلة مباشرة إلى أحد المطارات التركية ومنها إلى الأراضي السورية، وهذا أكثر ترجيحاً، والسبب في ذلك إن انتقال قادة النصرة من الجنوب إلى الشمال السوري مستحيل لسببين، أولهما إن المنطقة الجنوبية باتت شبه معزولة عن بقية الأراضي السورية من خلال الأقواس العسكرية التي رسمها الجيش السوري، كما إن المناطق التي تلي المنطقة الجنوبية وخاصة الطرق الرئيسية باتت بمجملها بحوزة الجيش السوري، وتلزم الرحلة البرية من الجنوب إلى الشمال المرور بمناطق داعش أو الميليشيات التي تناصبها جبهة النصرة، وبالتالي لابد من طريق آمن لوصولهم إلى الأراضي الشمالية من سوريا.
في كلا العمليتين الحالات، تمكن المخابرات العسكرية السورية من الحصول على معلومتي الاجتماعيين أثبتت إن كفة ميزان القوة استخبارياً تميل لصالح القوات السورية بالمقارنة مع الجيش الإسرائيلي، والجواب عن الصمت الإسرائيلي و عجز تل أبيب على الرد على الأقل على العملية التي اعترفت بمقتل ضابط أو قالت إنه “فقد الاتصال به في الجولان” يأتي من إن التورط بالكشف عن وجود ضباط إسرائيليين في الاجتماع يعد اعترافاً يورط حكومة تل أبيب بمواجهة مع القوانين الدولية، مما يعني إن نتنياهو فشل في ضرب دمشق، وفشل في حماية الكيان مما يوصف في إسرائيل من “خطر حزب الله”، وبرغم كل الجهد المبذول من الكيان الإسرائيلي على خلق هالة إعلامية حول قوته، فقد فقدها من خلال التدخل في الشأن السوري، فلا النظام سقط، ولا فككت سوريا، ولم يتمكن من الحفاظ على سرية طيران الاستطلاع من دون طيار، ولا تمكن من خلق الجدار التكفيري الفاصل بين الأراضي المحتلة وجنوب لبنان وجنوب غرب سوريا، وبعكس كل ذلك، تمكنت الدولة السورية بقيادة الأسد الذي يعد عدم بقائه في رئاسة سوريا، في رأس قائمة الأهداف الإسرائيلية من خلال تشغيلها للجهاديين ضد الدولة السورية، وتمكنت دمشق بذلك من إسقاط نتنياهو، وهز الكيان الإسرائيلي من الداخل.