التحضيرات العسكريّة استُكملت.. فمن سيَبدأ «الهجوم الإستباقي»؟يوماً بعد يوم، ومع إستمرار ذوبان الثلج والإقتراب أكثر فأكثر من فصل الربيع، تزداد الأحاديث والتقارير التي تتحدّث عن معارك ضارية وشيكة ستندلع في خلال الأسابيع القليلة المقبلة في أكثر من موقع على الحدود اللبنانيّة – السوريّة، وستتواجه فيها وحدات الجيش اللبناني من جهة، والمُسلّحون المتعدّدو الولاءات المنتشرون في الجرود المقابل للسلسلة الشرقيّة من جهة أخرى، على أن تتزامن مع هجمات سينُفّذها الجيش السوري مدعوماً بمقاتلين من «حزب الله» من جهة الداخل السوري في إتجاه الحدود اللبنانيّة. فهل تتمتّع هذه التقارير بالمصداقية؟
بحسب أوساط مُطلعة، لا يُمكن الحديث عن معارك حسم نهائي وشيكة بصيغة الجزم، ولا تحديد مواعيد دقيقة لذلك، لأسباب عدّة، هي:
أوّلاً: إنّ الأهداف العسكريّة للأطراف المعنيّة بالجولات القتالية السابقة والمستقبليّة المحتملة، أي لكل من الجيشين اللبناني والسوري ومقاتلي “حزب الله” والمُسلّحين المناهضين للنظام السوري تتراوح بين غير المُتشَابهة، وتصل إلى حد التضارب في بعض الأحيان، الأمر الذي يحدّ من مسألة حصول تنسيق واسع بين هذه القوى المختلفة في عمليّة عسكريّة واحدة.
ثانياً: إنّ الحديث عن هجوم وشيك للجيش اللبناني أو للجيش السوري مع “حزب الله” لإزاحة “الخطر التطرفي” عن المنطقة، يحمل في طيّاته تناقضاً كبيراً مع ما يُحكى عن تحضيرات للمُسلّحين لشن هجمات لإقتحام مواقع والسيطرة على بلدات في الداخل اللبناني، فإمّا هذا الطرف يستعدّ للهجوم والطرف الآخر للدفاع، أو العكس، أو على الأقل يجب الحديث عن إستعدادات مُتقابلة لشن هجمات مُتبادلة، وليس نشر تقارير تتحدّث عن هجوم مرتقب من الجانب اللبناني تارة، وتقارير عن هجوم مرتقب للمسلّحين تارة أخرى.
ثالثاً: إنّ الحديث عن هجوم قريب للجيش من الجانب اللبناني في إتجاه مواقع المسلّحين في الجرود، بشكل مُتزامن مع هجوم للجيش السوري مدعوماً من “حزب الله” من الجهة المُقابلة، لوضع مُسلّحي الجرود بين فكّي كمّاشة، يَستوجب حصول تنسيق أمني على أعلى المستويات بغطاء سياسي واضح، وهو ما لم يتحقّق حتى تاريخه، ولا بوادر لحصوله في المستقبل القريب.
رابعاً: إن الحديث عن تحضيرات للمسلّحين لشنّ هجوم مباغت للخروج من حال التقوقع والحصار وبهدف السيطرة على مناطق في الداخل اللبناني، وبالتالي بهدف فرض أمر واقع جديد، لا يتناسب مع كل التقارير الميدانية التي تؤكّد وجود خلافات كبيرة بين الجماعات المُسلّحة المنتشرة على الحدود، وتضارب كبير في أولويّاتها وفي خططها للمستقبل.
وممّا تقدّم، وبعيداً عن كثرة الإشاعات المَرميّة في وسائل الإعلام المختلفة، أكّدت الأوساط المطّلعة أنّ الجبهة الحدودية لن تكون مُستقرّة بالتأكيد، لكن لا مؤشّرات حتى تاريخه بأنّها ستشهد معركة “كسر عضم” حاسمة في الأسابيع القليلة المقبلة، أو حتى أيّ هجوم إستباقياً لأحد الأطراف المتواجهة. وأضافت هذه الأوساط أنّ ما هو متوقّع ومُرتقب، يميل أكثر إلى العمليّات العسكريّة المحدودة جغرافياً والمحدّدة الأهداف الميدانية. وأعطت هذه الأوساط العمليّة العسكريّة الخاطفة التي نفّّذها الجيش اللبناني في 26 شباط الماضي، والتي سيطر في خلالها على مرتفعي “صدر الجرش” و”حرف الجرش”، كمثال لما يُمكن أن يحصل من عمليّات موضوعيّة من جانب الجيش اللبناني، حيث صارت الدَوريّات التي تُنفّذها الوحدات العسكرية بين بعض التلال في المنطقة تتمّ بشكل آمن بعيداً عن خطر الكمائن المسلّحة، شأنها شأن عمليّات التبديل الروتينيّة للعسكريّين، وعمليّات الإمداد اللوجستي من مؤن وذخائر، إلخ. وتوقّعت هذه الأوساط أن يُنفّّذ الجيش اللبناني المزيد من عمليّات القضم السريع والمحدود، عندما تدعو الحاجة، وذلك في إطار هدفه العام لتثبيت خط دفاعي متين يسمح له بكشف أيّ هجوم واسع في إتجاه الحدود اللبنانيّة من مسافة بعيدة، وبالتحرك بالسرعة اللازمة لصدّ أيّ هجوم أو محاولة تسلّل.
ولفتت الأوساط المُطلعة نفسها إلى أنّ أهداف الجيش السوري مختلفة عن أهداف الجيش اللبناني، اذ أنّ أولويّته تتمثّل في إبعاد خطر المجموعات المسلّحة عن الطرقات الرئيسة في الداخل السوري، وفي منعهم من إقامة حصون قتالية متماسكة ومُتّصِلة بعضها ببعض على مساحات جغرافيّة واسعة. وأضافت أنّ الجيش السوري يُمكنه عرقلة تحرّكات المُسلّحين في جبهة القلمون بالتحديد، عبر الغارات الجويّة الدَوريّة وعبر القصف المدفعي والصاروخي، ولا أولويّة له لزجّ آلاف الجُنود في معركة دموية شرسة لا تعود بفائدة ميدانية مهمّة من الناحية الإستراتيجيّة.
وأكّدت هذه الأوساط أنّه حتى “حزب الله” الحريص كما الجيش اللبناني على عدم نجاح أيّ محاولة تقدّم في إتجاه القرى والبلدات اللبنانيّة، نظراً الى خطورة نجاح مثل هذا الأمر من الناحيتين الميدانية والمعنويّة، فهو يتحرّك عسكرياً على الجبهة وفي الداخل السوري، وفق أولويّات إستراتيجيّة وليس تكتيّة ومحدودة النتائج، حيث تتم مُسبقاً دراسة الجدوى الفعليّة من فتح أي جبهة ومن شنّ أيّ هجوم مُكلف بشرياً، قبل إعطاء «الضوء الأخضر» لذلك. وذكّرت هذه الأوساط بأنّ هذا تماماً ما حصل قبل معركة القصير والمحيط والتي إستمرّت من 19 أيّار حتى 5 حزيران من العام 2013، وكذلك قبل معركة يبرود ورنكوس والمحيط في شهري شباط وآذار من العام 2014. وأضافت أنّ إستكمال معركة جرود القلمون لن يتم إلا في حال تبيّن أنّ كلفة الإستنزاف الحالي، ونوعية المخاطر الحالية، تستوجب دفع فاتورة قتالية مرتفعة لحسمها، لافتة في الوقت نفسه إلى أنّه حتى في حال توصّل “حزب الله” إلى هذه الخلاصة، فإنّه لن يكشفها في الإعلام حرصاً منه على إبقاء عامل المفاجأة بيده على أمل إنجاح أيّ عمليّة عسكرية مُقبلة. ومن بين الأمثلة على أهمّية عنصر المفاجأة في أيّ هجوم، ما حصل في شمال حلب أخيراً في الوقت الذي كانت فيه كلّ الأنظار مشدودة إلى هجوم درعا، بغضّ النظر عن الفشل أو النجاح في تحقيق نتائج تُذكر.
وختمت الأوساط المُطلعة بأنّ جبهة جرود عرسال من الجهة اللبنانية وجرود القلمون من الجهة السوريّة لن تكون هادئة في المُستقبل، حيث يُتوقّع أن تشهد إستمراراً للمعارك وللمواجهات المتفرّقة، وحتى لبعض الهجمات بين الحين والآخر، بحيث سيُواصل الجيش اللبناني قصف مواقع المسلحين وتحرّكاتهم، وكذلك تحصين خطّه الدفاعي المُتقدّم على طول الحدود اللبنانية، بينما سيواصل الجيش السوري قطع خطوط إمداد المسلّحين المنتشرين في جرود البلدات الحدوديّة مع الداخل السوري. أمّا “حزب الله” فسيُواصل من جهته الموازنة بين متطلّبات الدفاع عن “بيئته الحاضنة” من جهة، ودراسة جدوى أيّ هجمات مُستقبليّة من جهة أخرى. في المقابل، سيُواصل المُسلّحون تحرّشاتهم الأمنيّة، ومحاولاتهم لإيجاد ثغر في الحصار المضروب حولهم، بهدف تمرير الذخائر والمُؤن إلى مواقع إنتشارهم ومخابئهم. وبالتالي – تابعت الأوساط في خلاصتها، إنّ التقارير عن تحضيرات عسكريّة مُتقابلة على الحدود اللبنانيّة السوريّة صحيحة، لكنّ التقارير عن هجوم إستباقي وشيك، وتحديد مواعيد زمنيّة لذلك، غير دقيق، وهو عبارة عن إجتهادات شخصيّة لغايات مُتباينة.
* الديار