ماذا يعني الصيد الثاني الثمين في صفوف الإرهابيين؟اكتسبت المواجهة الأمنية – الإستخباراتية التي يخوضها الجيش والأجهزة الأمنية مع التنظيمات الإرهابية، بعداً شديد التوهج والأهمية والدقّة على نحو كبير يماثل في أهميته المواجهة العسكرية المستمرة منذ آب الماضي على الحدود الشرقية وجرودها.
وبدأت فصول المواجهة الأمنية هذه تطغى على المشهد الداخلي بفصوله السياسية الذاهبة نحو تهدئة، تمليها التسوية الحكومية الأخيرة التي عومت جلسات مجلس الوزراء، في ما يعكس اتجاهات واضحة إلى مزيد تحصين داخلي في انتظار ما تحمله التطورات الإقليمية من انعكاسات مرتقبة على أزمة الفراغ الرئاسي خصوصاً .
وقد بدا مفاجئاً فعلاً أمس لمعظم الأوساط الداخلية أنّ يكشف الجيش في غضون أقل من 48 ساعة عن صيده الأمني الإستخباراتي الثاني الثمين، بإحالة الرأس الثاني الكبير في إحدى التنظيمات الإرهابية بعد رأس أوّل شكل توقيفه إنجازاً محققاً لكونه أوّل شاهد على جرائم وحشية ارتكبها تنظيم “داعش” بذبح ثلاثة عسكريين لبنانيين رهائن لديه.
الإنجاز الثاني جاء سريعاً وصاعقاً أيضاً عبر إعلان قيادة الجيش غداة إحالة الإرهابي في “داعش” أبو حارث الأنصاري، إحالة مديرية المخابرات أمس الإرهابي الاخر حسن محمد جميل حربا على القضاء العسكري مثقلا باعترافات اضافية في انتمائه الى تنظيم ارهابي وترؤسه مجموعة مسلحة كانت تتنقل بين جرود فليطا وبلدة عرسال وجرودها ومشاركته مع مجموعته في الاعتداءات على حواجز الجيش في وادي الحصن ووادي حميد ووادي سويد والضلوع في عمليات تفخيخ عبوات وسيارات مفخخة وزرعها واستهداف أشخاص وقتل سوريين وسط ترجيحات انه ينتمي الى جبهة النصرة .
هذان الانجازان المتعاقبان بسرعة رسما ملامح تصاعد المواجهة الأمنية بحدّة في موازاة المواجهة العسكرية، بما رأت فيها أوساط معنية أنها قد تشكل مؤشرات إلى تسخين أمني في الداخل، تحسب له الجيش مع الأجهزة الأمنية منذ مدّة، وبدأت فصوله ترتسم على الأرض.
وتقول هذه الأوساط لـ”النهار” إنّ وقائع توقيف الإرهابيين اللذين يصنفان في أعلى مراتب الخطورة في صفوف الإرهابيين، تعكس واقعاً شديد الأهمية لجهة تمدد الذراع الأمنية والإستخباراتية للجيش والأجهزة اللبنانية في الحرب الإستباقية على التنظيمات الإرهابية، علماً أنّ أهميّة هذا العامل تتأتى من كون التوقيفات الأخيرة التي أفضت إلى هذين الإنجازين كانت داخلية صرفة، أي أنّها حصلت بحرفية أمنية لبنانية خالصة، ولم تكن نتيجة معطيات أمنية ساهمت فيها عوامل من الخارج. وتلفت الأوساط نفسها إلى تصاعد العمليات الإستباقية للجيش والمخابرات والأجهزة الأمنية الإستقصائية الأخرى، من شأنها أن تشكل رسالة حاسمة للتنظيمات الارهابية، مفادها ان التقدم الكبير الذي حققه الجيش على جبهة الجرود الشرقية يواكبه تماماً تصعيد الحرب الاستباقية في محيط الجرود وفي الداخل اللبناني حيث يجري التحسب لأي عمليات إرهابية من أي نوع يمكن ان تلجأ اليه التنظيمات الارهابية، تعويضاً عن التضييق الواسع الذي بات يحاصرها في جبهة الجرود.
بطبيعة الحال لا تقلل الاوساط المعنية أبداً من خطورة امتلاك التنظيمات الارهابية قدرات لا تزال تضع لبنان وأمنه الداخلي والحدودي في عين الاخطار والاستهدافات المتنوعة الكلاسيكية وغير المحسوبة سواء بسواء بل تتخوف من ان تنبري التنظيمات الارهابية عبر خلاياها الى ابتكار أساليب مختلفة عن تلك التي اتبعتها سابقا في استهداف الاستقرار اللبناني. غير ان الاوساط تعتقد ان قدرة هذه التنظيمات تضاءلت جدا عن السابق في ظل معطيين على الاقل هما الضعضعة التي تسود صفوفها في الجرود من جهة وتنامي القدرات الامنية والعسكرية اللبنانية بسرعة في مواجهتها من جهة اخرى.
ولكن ذلك لا يعني بدوره التقليل من الاحتمالات التي قد تنشأ عن تصعيد المواجهة علما ان الاهمية التي تكتسبها الحرب الاستباقية الجارية راهنا تتمثل ايضا في ان الجيش بدأ يتعامل مع واقع الاختراق الاحتلالي لهذه التنظيمات في محيط عرسال على ما تثبت عمليتا التوقيف الاخيرتين. اذ ان ابو حارث الأنصاري أوقف في عملية مخابراتية معقدة في مستشفى في البقاع الغربي كان جرى تهريبه اليه من عرسال، كما ان حسن حربا أوقف على ما تردد في محيط عرسال. وهذا يعني ان ذراع الجيش بدأت تتمدد الى عمق الثغر المفتوح الذي تسبب اساسا في فتح المواجهة وإفهام التنظيمات الارهابية تاليا ان واقع هيمنتها الارهابية على عرسال وجرودها بدأ يقترب من العد العكسي .