تل أبيب قلقة من تمدّد المقاومة جنوب سورياحمزة الخنسا – العهد
لا يخفي القادة السياسيون والعسكريون في إسرائيل قلقهم من تطورات الأوضاع على الساحة السورية. إستراتيجية ربط الجبهات على طول المساحة الممتدة من غزة الى الجولان فجنوب لبنان، التي أعلنها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، لم تحسب لها تل أبيب الحساب اللازم. هذه التطورات دفعت رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، الى التعبير عن القلق من المستقبل. لكن هل ستقف إسرائيل مكتوفة الأيدي حيال التحديات الجدّية والجديدة التي تواجهها؟ التجربة تقول: لا.
قال نتنياهو خلال حفل تسليم قيادة أركان جيش الإحتلال الإسرائيلي الجنرال غادي أيزنكوت، إن “سنوات صعبة” تنتظر الجيش الاسرائيلي. أوضح أن “السنوات الأربع القادمة ستكون أصعب بكثير من السنوات الأربع السابقة التي مرّت”. أضاف أن “إيران تتسلّح وأصبحت تقف على باب المندب” في إشارة إلى اليمن.
إسرائيل قلقة: سنوات صعبة بانتظارناغير أن أكثر ما أقلق نتنياهو هو “الأذرع الثلاث” التي تحارب دولة الإحتلال وتهدّد بفنائها، مسمّياً هذه الأذرع بالاسم: حزب الله في لبنان وحماس في غزة.. والآن تُفتح هضبة الجولان في الجنوب السوري.لا ينحصر القلق الإسرائيلي بالمستوى العسكري الآخذ في التطور في كل من لبنان وسوريا وغزة، ولا في المعادلات الإستراتيجية التي تضعها قيادة المقاومة في لبنان قيد التداول. يقلق الإسرائيليون أيضاً من مسار الملف السياسي أيضاً. فإيران تمضي قدماً في تسوية ملفها النووي مع الدول الكبرى. سوريا لازالت قادرة على فرض ورفض كل ما يتلاءم ولا يتلاءم مع سيادتها كدولة. في لبنان تدور عجلة الحوارات بين الأفرقاء السياسيين بما لا يتعارض ومشاركة المقاومة في مواجهة “داعش” على الحدود اللبنانية و”جيش لحد” السوري في القنيطرة والجولان.
الشق الأكثر قلقاً لإسرائيل تتحدّث عنه بنفسها: حزب الله وقدراته العسكرية والسياسية الآخذة في التطوّر على رغم من كل ما يُحاك له. فقدت تل أبيب الأمل في إمكانية إشغال حزب الله عن هدفه الأول المتمثّل بالقضية الفلسطينية من خلال الإعتماد على تكتيكات واستراتيجيات إشغال غير مباشرة.
خياران إسرائيليان
تفكّر إسرائيل اليوم بخيارين: الأول، تحريك آلة حربها بشكل مباشر ضد المقاومة في لبنان، وتسويق العدوان الجديد على أنه “ضربة إستباقية” في مواجهة الجبهة الثالثة في الجولان. الثاني، دفع التكفيريين الى داخل لبنان لخوض مواجهة مباشرة مع المقاومة.
في الخيار الأول، تدرس إسرائيل العِبَر المستفادة من عدوانها على المقاومين في القنيطرة، وما تبعه من ردٍّ حاسم وحازم للمقاومة. تأخذ في الحسبان حال جبهتها الداخلية، ومدى تأثّرها بخطاب المقاومة وتهديداتها، كما تأخذ بالحسبان تمكّن المقاومة من الردّ في توقيت شبه محدّد مسبقاً مع عدم تمكّن أجهزتها العسكرية والإستخباراتية من توقيف الردّ أو حتى توقّعه. تبنّي إسرائيل على عملية القنيطرة جزءاً كبيراً من قرار العدوان على لبنان قبل اتخاذه.
في الخيار الثاني، تتكل إسرائيل على الواقع الحالي في لبنان حيث الجماعات التكفيرية على تماس مباشر مع حدوده، ولها خلايا نائمة داخله. ثمّة معلومات يتم التداول بها في هذا السياق. تقول شخصية دبلوماسية غربية إن إسرائيل تفكّر جدياً باستخدام سلاح الإغتيال السياسي لقلب الأوضاع في لبنان. تضيف أن ما تفكّر به إسرائيل يتعلّق بعملية إغتيال شخصية لبنانية من “الصقور” المناهضة للمقاومة بحيث يُستفاد من اغتيالها بتأليب الرأي العام المؤيد لها ضد الحوار الجاري بين حزب الله و”تيّار المستقبل” من جهة، واستغلال الدم لإعادة مؤشر الإحتقان المذهبي في لبنان الى أعلى مستوياته عبر اتهام حزب الله بتنفيذ عملية الإغتيال هذه.
الإستفادة الإسرائيلية من عملية الإغتيال المفترضة لن تقف عند حدود الإطاحة بالإستقرار الإجتماعي والأمني في لبنان. تقول الشخصية الدبلوماسية الغربية إن بيت القصيد في هذه العملية سيكون دفع جماعات متنوّعة من المسلّحين في سوريا ولبنان الى إعلان “الجهاد” ضد حزب الله وكل ما يمتّ له بصلة في لبنان، تحت ذريعة رفع الظلم والثأر. الهدف إشغال المقاومة في بيئتها ومجتمعها، وصرفه عن التفكير بإسرائيل وربط الجبهات ضدها.
تسخين الساحة
لا يمكن لعملية كهذه أن تتم في ليلة وضحاها. لا بدّ من إعادة تسخين الساحة اللبنانية عبر أخبار وأحداث تعيد إحياء النَفَس المذهبي الذي لم يهدأ تماماً بعد. في هذا السياق يمكن وضع التسريبات الجديدة التي نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، عشية الذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، في تقرير مطوّل أعدّه الصحافي الإسرائيلي المتخصّص في الشؤون الأمنية رونين برغمان، وهو المعروف بعلاقاته القوية مع نافذين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. زَعَم الكاتب الإسرائيلي، المعروف بنشر قصص وأخبار مصدرها الأساسي أجهزة الأمن الإسرائيلية المختلفة، أن القائد الجهادي في المقاومة الشهيد الحاج عماد مغنية، لعب دوراً مباشراً في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. صدّق نادر الحريري، وإعلام المستقبل التسربية. فهل سيبنون عليها؟
بمعزل عن وجود قرار رسمي لبناني بالتعامل مع الخطر التكفيري الموجود على تلال وجبال السلسلة الشرقية، وبصرف النظر عن الإتفاق على وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب، وبعيداً عن الإرادة اللبنانية الرسمية في التنسيق مع الحكومة السورية، أو بين جيشي البلدين لمجابهة “داعش” و”النصرة”، فإن المقاومة حزمت أمرها. وهي، كما أعلن السيّد حسن نصرالله، ستكون حيث يجب أن تكون. والدعوة مفتوحة الى الجميع “لنذهب سوياً إلى سوريا والعراق، والى كل مكان يوجد في الارهاب”.