نبيه البرجي: إزالة «داعش» تبدأ من سوريا

نبيه البرجي: إزالة «داعش» تبدأ من سوريا

17 فبراير 2015

نبيه البرجي
اُحرق الطيار الاردني معاذ الكساسبة حيا، فتوعد الملك عبد الله الثاني بالثأر، واغارت قاذفاته على مواقع لتنظيم الدولة الاسلامية. وذبح واحد وعشرون قبطيا مصريا، فثارت ثائرة الرئيس عبد الفتاح السيسي وامر بالثأر، وبالطريقة ذاتها…
يا جماعة… نحن امام حكام دول ام امام شيوخ قبائل؟ جلالة الملك وسيادة الرئيس يعلمان ان قضية التنظيم اكبر منهما بكثير، وان نشوء هذه الظاهرة نتاج تشابك ظروف معقدة وبعيدة المدى، كما ان تفكيكها مستحيل لانها استوطنت عقائديا، وسوسيولوجيا، في لاوعي الملايين الذين عانوا الامرين من الخواء او من العوز او من التيه او من القهر…
ثمة دراسة وضعتها مجموعة من الاساتذة في جامعة هارفارد في تشرين الاول المنصرم، لاحظت ان اجتثاث الظاهرة يحتاج الى انقلاب في التشكيل الجيولوجي للانظمة وللدول كما للمجتمعات. انقلاب ثوري في الوعي….
الدراسة رأت ان ذلك لا يتحقق الا على مدى عقود من المعالجة الاستراتيجية لذلك الاعتلال الايديولوجي، والتاريخي، الضارب في الازمنة. آنيا،ً لا بد من منظومة اقليمية تنسق عملانيا بين اعضائها على الاقل للحد من الايقاع الهيستيري للظاهرة التي لا بد ان تحطم الانظمة، والدول، بلعبة دومينو مثيرة، وهائلة، اذا لم يتوقف الصراع العبثي، بأبعاده الغرائزية حيناً، والغيبية حينا آخر…
بعضنا لا يزال مصراً على تلك المقاربة الساذجة التي تقول ان نظام دمشق مسؤول عن ظهور «داعش»، كما لو ان ذلك الفيروس القاتل لم يكن كامنا على جدران الكهوف بانتظار اللحظة الفوضوية التي تشرّع فيها كل الابواب، وكما لو انه لم يترعرع داخل الواقع العربي الذي يبدو وكأنه انفصل منذ قرون عن جدلية الحداثة.
ألم يقل فلاديمير بوتين لعبد الفتاح السيسي اثناء محادثاتهما الاخيرة، ان القضاء على «داعش» يبدأ من سوريا. اي سيناريو آخر يعني انتشار الظاهرة والدخول اكثر فأكثر في رقصة التانغو مع الحطام…
الرئيس الروسي يعتبر ان الادارات الاميركية المتعاقبة، ومنذ ان اُخذ الرئيس جورج بوش الاب بجاذبية الاستقطاب الاحادي، انما تطبق «استراتيجية المجانين»، ليضيف، بحسب ما ينقل اعلاميون مصريون بارزون، ان هذا اطلق العنان للفوضى التي تستحيل السيطرة عليها…
وكان الرئيس رونالدريغان قد اطلق نظرية «حرائق الغابات»، اي الحروب المبرمجة التي يتم اشعالها لاغراض تكتيكية محددة. الآن، ومع دخول البعد الميتافيزيقي في اللعبة، بدا، وكما كتب الباحث الاميركي البارز روبرت ساتلوف، «اننا نقدم الحلوى الى الضباع».
موسكو ترى ان نوعا من اللوبي المضاد للبيت الابيض، وقطباه الاساسيان اسطنبول واورشليم، دون اغفال دور بعض العرب في هذا اللوبي، ذهب في اللعب على المسرح السوري اكثر بكثير مما ينبغي، ولو لم يتدخل الروس في الوقت المناسب، ولو على حساب الترسانة الكيميائية السورية، لبات ابو بكر البغدادي هو من يحكم سوريا الآن، بل و يحكم العراق و لبنان و ربما اجزاء اخرى في المنطقة..
موسكو تقول ايضا ان تراخي الرئيس باراك اوباما لم يظهر في التراجع عن ضرب سوريا بعدما وضعت امامه التقارير الاستخباراتية التي تبين له الى اين سيذهب الوضع في هذه الحالة، وانما في الضعف الذي ابداه امام الحلفاء الذين تحركهم عوامل لا تضع المنطقة على خط الزلازل فحسب وانما ايضا على خط المقابر.
هكذا يستغرب الروس كيف ان اوباما فشل في اقناع رجب طيب اردوغان بوقف خدماته العملانية واللوجيستية لـ «داعش»، كما اخفق في حمل بعض الاطراف العربية على المقاربة العقلانية للازمة السورية بعدما حدث التغيير الدراماتيكي على الارض، وهو ليس لمصلحة هذه الاطراف بأي حال، لا بل ان تنامي الظواهر الراديكالية على ذلك يجعل الجميع بين اشداق المجهول.
الروس يعلمون ان الرئيس السيسي مقتنع بوجهة نظرهم، لكنه لا يستطيع ان يلعب منفردا، او يلعب بعيدا، لانه بحاجة ماسة الى المليارات التي ساعدته كثيرا في تكثيف الاستقطاب داخل المؤسسة العسكرية، وكذلك في الحيلولة دون تدهور العملة وتفلتها من اي ضوابط في ظل ظروف داخلية على قدر كبير من الالتباس…
انهم ينصحون بالتوقف عن الرهان على تقويض النظام في سوريا، اي منع انزلاق الشرق برمته الى الخواء. الاميركيون انفسهم باتوا على يقين بأن تنظيم الدولة الاسلامية هو البديل، ودون ان يفرّق البنتاغون بين التنظيم و«جبهة النصرة» التي يحاول بعض العرب تسويقها على انها حصان طروادة داخل خارطة البرابرة..
هل يفتح اتفاق نووي بين واشنطن وطهران الطريق امام تبدل في المشهد الاقليمي يساعد على اجتثاث «داعش» ومشتقاته و شقيقاته؟ الروس لا يستبعدون ذلك، ويؤكدون «اذا اردتم ان تضعوا الخليفة في القفص تعاونوا مع دمشق لان البديل عن النظام هو…التنظيم»!
الديار

» نبيه البرجي: كلام تركي في سوريا
» نبيه البرجي: عبد الله الثاني وصيّـاً على سوريا!!
» الفوضى العالميّة الجديدة … سوريا مثالاً ...نبيه البرجي
» نبيه البرجي: العقل الامبراطوري والعقل القبلي – ذات يوم ستكون سوريا. الفينيق الذي لم يغادر القاعة!
» لا تقتلوا مصر… لا تقتلوا سوريا ...نبيه البرجي