نبيه البرجي: ثورة أم مزرعة أرانب؟

نبيه البرجي: ثورة أم مزرعة أرانب؟

14 يناير 2015

نبيه البرجي
يذكر جاك آتالي ان الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران سأله، حين كان مستشاراً له في الاليزيه ما اذا كان الله يعرف كيف تفكر اميركا، فأجاب «منذ هيروشيما، حتى الله لم يعد يعرف كيف تفكر اميركا».
هل هو تحوّل دراماتيكي في موقف الادارة حين تقول الناطقة باسم الخارجية ماري هارف «نحن نعلم ان نظام الاسد يجب ان يكون جزءا من المفاوضات للوصول الى الهيئة الانتقالية الحاكمة. من الطبيعي ان يجلسوا الى الطاولة، ولهذا شارك في مؤتمري جنيف».
هذا الكلام صدم الحلفاء في الشرق الاوسط الذين اعتبروا ان ثمة خطأ حدث في التعبير او في الترجمة، حتى ان ثمة من اوعز الى وسائل اعلام بارزة باغفال ما صرحت به هارف حول اجتماع القاهرة ريثما يصدر نفي او تصحيح من واشنطن. هذا لم يحدث.
اذاً، انه اعتراف واضح بشرعية النظام وليس مجرد اعتراف به كأمر واقع بعدما دأبت، وعلى مدى ثلاث سنوات او اكثر، على الادلاء بمواقف تنزع عنه هذه الشرعية، وتساهم مع حلفائها الاتراك والفرنسيين والعرب، واحيانا الاسرائيليين، في تركيب تلك التشكيلات العجيبة التي اتخذت من اسطنبول مقراً لها..
يضحك ديبلوماسي مصري من «رقصة الفالس» الاميركية، اذ انهم بدأوا في الآونة الاخيرة يشيعون بأن «القوة الناعمة» يمكن ان تكون افضل من «القوة الصلبة» في اجتثاث نظام بشار الاسد، وفي الوقت نفسه كانوا يشتكون من الحلفاء الذي كانوا في صراع لا مرئي حول من يرث النظام. بعضهم من وقف الى جانب تنظيم الدولة الاسلامية لاستخدامه تكتيكيا في تحقيق هدفه، وبعضهم الى جانب جبهة النصرة، فيما كان الاموال تدفع بسخاء منقطع النظير لتصنيع تلك الفصائل التي لا حصر لها والتي تنضوي في اطار الصراع إياه…
يضيف الديبلوماسي ان الاميركيين يثيرون العجب والتعجب احيانا، وهم اذ شاركوا، بصورة فاعلة، في بعثرة المعارضة السورية كي يلعبوا حتى على مصالح الحلفاء، وسواء كانت المصالح القبلية ام المصالح الجيوسياسية ، فهم يبدون استغرابهم كيف ان اربع سنوات من الثورة لم تنتج زعامة حقيقية لادارة المرحلة المقبلة…
والمثير انهم يستشهدون بالحالة الفيتنامية حيث استطاع رجل كان يعمل حمالاً في باريس هو «هوشي منه» توحيد الفصائل الثلاثة عشر في بلاده تحت مظلة «الفيتكونغ» ويخوض الحرب ضد الوجود الاميركي في الهند الصينية، حتى ان السفير هنري فورد لم يتردد في القول للفرنسي اريك شوفالييه ما اذا «كنا ثانية امام قبائل الهنود الحمر».
هذا بعدما لاحظ كيف تتناسل الفصائل التي تخطى عددها، وبحسب نائب رئيس الاستخبارات في البنتاغون ديفيد شيلد، الـ1200. تساءل المستشرق الفرنسي اوليفيه روا ما اذا كانت هذه ثورة ام مزرعة للارانب؟
يدرك الاميركيون ان الدول التي شاركت في العمليات الرامية الى تقويض النظام في دمشق ارتطمت بالحائط، لا بل ان معلوماتهم الاستخباراتية تقول ان الصراع الخفي الدائر بين هذه الدول قد يكون اكثر ضراوة من الصراع ضد النظام. وقد يكون هذا هو ما تبتغيه واشنطن، كما قال الانكليزي ديفيد هيرست.
هي لا تريد شركاء في الشرق الاوسط بل ادوات. واذا كانت قد رعت كل اشكال التدخل في سوريا، ولاهداف تكتيكية واستراتيجية على السواء، ودون ان يكون هناك تنسيق اوركسترالي بين من تدخلوا بل الفوضى الهائلة، فقد انتهت الى تلك النقطة التي راحت مصالحها ترتطم بمصالح الحلفاء. الاميركيون يلعبون اقليميا ولكن في اطار اللعبة الدولية وليس خارجها..
اذا كان الاميركيون يدعمون التفاوض، لماذا التعاون مع تركيا والسعودية والاردن من اجل تدريب المقاتلين السوريين؟ هنا وجه آخر للازدواجية الاميركية. هؤلاء للقتال ضد «داعش» وضد النظام في آن، لكن وكالة الاستخبارات المركزية تصف العناصر المعدة للالتحاق بمعسكرات التدريب، ودائما على اسلحة متطورة، بالعناصر المفخخة التي لا تلبث ان تعلن مبايعتها للخليفة بمجرد ان تتواجد على الارض…
وبحسب ما ينشر اميركياً، فإن واشنطن تواجه مشكلة حقيقية في «الاختبار الايديولوجي» لتلك العناصر. الاختبار السيكولوجي ايضا، اذ كيف يمكن التعرف على ما في عقلهم الباطني بعدما تبين ان اكثر من95 في المئة من الفصائل المسلحة هي ذات اتجاهات اسلامية متشددة.
ما صرحت به ماري هارف يعني اقرارا اميركيا علنيا بأن كل الذين سعوا، بامكاناتهم الهائلة، لتقويض النظام في سوريا قد اخفقوا في ذلك، كما اخفقوا في اختراع البديل. الا اذا كان البديل ابا بكر البغدادي. اذاً، لنترك الروس والمصريين يملأون الوقت الضائع ريثما تنجلي الامور بين واشنطن وطهران. حينذاك لكل حادث حديث..
الديار

» نبيه البرجي: انا الخليفة !
» نبيه البرجي: أشباح !!
» نبيه البرجي: عام المائة عام
» نبيه البرجي: فانتازيا !!
» نبيه البرجي: القنبلة الإيرانيّة