خلافات داخلية وسياسية إنقلابات وإعدامات.. هل ينهار «داعش» قريباً؟الصورة التي يرسمها تنظيم الدولة الإسلامية داعش لنفسه بالهيمنة والقوة، والوعود التي يقطعها بالتمدد وتثبيت أركان “دولة الخلافة”، لا تعكس حقيقة ما يعيشه هذا التنظيم في الواقع من خلافات داخلية تطرح تساؤلات عن إمكانية انفراط عقده من الداخل.
فبعد أن أرسى التنظيم المتشدد قواعده في سورية والعراق، برزت خلافات داخلية وسياسية في الآونة الأخيرة، تسببت بعمليات إعدام وصراعات مسلحة بين قادته الميدانيين.
ووصل الأمر في بعض المناطق إلى محاولة بعض من تطوعوا في صفوف داعش في سورية والعراق إلى الفرار، إما بسبب الخلافات الداخلية أو ضغط العمليات العسكرية ضد التنظيم.
فبالإضافة إلى الخلاف المنهجي والقديم مع القاعدة، وكثرة الاعتقالات الداخلية، والتكتلات المناطقية، اعترف التنظيم مؤخرا بمحاولة انقلابية فاشلة وقف خلفها قادة من داعش نفسه.
محاولة انقلاب
فقبل أسبوعين أعلن داعش في شريط مصور، اعتقال خلية وصفها بأنها “متشددة” كانت تخطط لانقلاب داخلي في مناطق سيطرته، وأظهر في الشريط أربعة أشخاص يبثون اعترافات باللغة التركية، قالوا فيها إنهم “خططوا للانقلاب عليه وزعزعة الأمن في مناطق سيطرته”، وقدموا أنفسهم على أنهم يتبنون أفكارا دينية أكثر تشددا من تلك التي يعتمدها داعش.
وقال هؤلاء في تسجيل صوتي أخر مسرب أنهم قرروا مقاتلة قادة في التنظيم لأنهم يعتبرونه “تنظيما كافرا” كونه لا يكفر الشعبين السوري والعراقي، وأن زعيمه أبو بكر البغدادي يأخذ الأموال من “شعب كافر”، حسب رأيهم.حملة اعتقالات
هذا الاعتراف والكشف عن محاولة الانقلاب، جاء بعد يومين من إعدام داعش لـ 100 من مقاتليه الأجانب الذين حاولوا الفرار من مدينة الرقة، والذي قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لموقع “قناة الحرة”، إنه يأتي في هذه الإطار.
ويؤكد هذه الأنباء الناشط السوري في مدينة الرقة، معقل داعش في سورية، م.ج الذي أكد لموقع “الحرة”، التنظيم بات يعاني من حالات انفلات، وإن كانت محدودة النطاق، مشيرا إلى أن داعش شكل شرطة عسكرية لمراقبة المقاتلين الأجانب الذين يتخلفون عن واجباتهم، وجرى اقتحام عشرات المنازل وتم اعتقال العديد من عناصره، مشيرا إلى أن التنظيم يراقب مقاتليه عن كثب خشية مغادرتهم.
وحسب تقارير صحافية بريطانية نشرت في تشرين الأول/ أكتوبر، فقد طلب عشرات المقاتلين في صفوف داعش من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا العودة إلى بلدانهم بعد أن اشتكوا بأنهم أصبحوا يقاتلون جماعات متمردة أخرى، لكنهم محتجزون لدى التنظيم ويخشون على حياتهم.
وأفادت تقارير نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية، بأن التنظيم يهدد مقاتليه الذين يرغبون بالعودة إلى بلدانهم بالقتل، لافتة إلى أن أكثر من 30 مقاتلا بريطانيا قاتلوا في صفوف المعارضة السورية ضد حكومة بشار الأسد، وانضموا إلى داعش لأسباب مختلفة منها سهولة التحدث باللغة الانكليزية لكثرة المتحدثين بهذه اللغة داخل التنظيم، أعربوا عن رغبتهم بالعودة، لكن خوفهم من القتل على أيدي التنظيم، أو الاعتقال حين العودة إلى بلدانهم دفعهم إلى التراجع عن خطوتهم.
وأعدم التنظيم خلال السنة الماضية، نحو 120 من عناصره الأجانب بعد اعتقالهم إثر محاولتهم الفرار والعودة إلى دولهم، حسب إحصائية أوردها المرصد السوري في وقت سابق من العام الماضي.
لا يتعلق الأمر بالمقاتلين الأجانب فقط، فقد نفذ التنظيم عمليات اعدام بحق مقاتلين سوريين وعراقيين تابعين له، بعظهم كان يشغل مراكز قيادية، كان آخرها إعدام أربعة من قياديي داعش الذين يحملون الجنسية السورية في إحدى مناطق جنوبي الموصل العراقية، بتهمة الخيانة، حسبما أفادت وسائل إعلام ألمانية.
لوبيات داخل التنظيم
التنظيم الذي نشأ في العراق وتمدد بعد ذلك إلى سورية، شكل فيه القادمون من مختلف دول العالم تكتلات مناطقية، تؤثر في بعض الأحيان على اتخاذ القرارات والسياسة العامة والقيادات.
ولعل أبرز هذه التكتلات، هي التكتل العراقي والشيشاني والمغاربي والسوري والخليجي والتركي، التي قد ينشأ خلاف فيما بينها، أو فيما بين المقاتلين المحليين الذين يطلق عليهم “الأنصار”، والمقاتلين القادمين من مناطق مختلفة ويطلق عليهم “المهاجرون”.
ففي سورية، برز خلاف كبير بين المتطوعين الشيشان وبين قيادة داعش، بعد رفض الميليشيا الشيشانية التي يتزعمها أبو عمر الشيشاني، وتنشط في منطقة اللاذقية شمال غرب سورية، اعلان الولاء للتنظيم، فيما أكدت مصادر عديدة نشوب خلاف على إثر أسر الطيار الأردني الذي أسقطت طائرته في شرق سورية.
فقد ذكر مراسل قناة “الحرة” في عمان حيدر العبدلي، أن خلافا نشب بين المجموعة الشيشانية والمجموعة العراقية حول مصير الطيار الأردني، قبل أن تنقل وكالة الصحافة الفرنسية في وقت لاحق تصريحات مفادها أن المجموعة الشيشانية طالبت بقتل الطيار الأردني، بينما يود العراقيون أن يبقوه على قيد الحياة للتفاوض بشأنه.
أما بخصوص الخلاف بين المقاتلين المحليين والأجانب، فيقول مدير المرصد السوري لموقع “الحرة”، إن الوالي السابق لدير الزور أو ما يطلق عليها التنظيم “ولاية الخير” عامر الرفدان، والذي ينحدر من بلدة جديد عكيدات بريف دير الزور، طلب من قيادة التنظيم قبيل أسابيع إعادة تنصيبه واليا بعد أن تم عزله، وتنصيب شخص يحمل الجنسية العراقية بدله.
قابل التنظيم، حسب رامي عبد الرحمن، طلب الرفدان بالرفض وعلل رفضه بالقول إن عناصر تنظيم داعش أو “المهاجرين” في محافظة دير الزور، هم أكثر من السوريين “الأنصار”، ومن غير المنصف تنصيب وال من الجنسية السورية على “ولاية” غالبية عناصر التنظيم فيها من “المهاجرين”.
ويضيف مدير المرصد، أن الرفدان رد على ذلك ببدء اتصالات مع عناصر من الفصائل المقاتلة والفصائل الإسلامية، من الجنسية السورية، وممن حاربوا داعش في السابق، وقدَّم لهم ضمانات من أجل العودة وتسليم أنفسهم للتنظيم و”التوبة” والانخراط في صفوفه، في محاولة من الرفدان لترجيح كفة العناصر من الجنسية السورية في صفوف التنظيم بدير الزور.
وردت قيادة داعش على تحركات الرفدان باعتقال 18 مقاتلا من الفصائل الإسلامية والفصائل المقاتلة بريف دير الزور الشرقي، ممن حملوا السلاح بوجه داعش وأعلنوا “توبتهم” بعدها، كما استولى على منزل قيادي في لواء مقاتل بمدينة العشارة، وحولّه إلى مركز أمني.
ويتابع عبد الرحمن، إنه علم من مصادره، أن خلافات بدأت تظهر في محافظة دير الزور بين المقاتلين السوريين وغير السوريين، بسبب تولي مقاتلين من جنسيات غير سورية لمواقع قيادية في التنظيم، بحجة أن غالبية عناصر التنظيم هم من جنسيات أجنبية، على الرغم من أن غالبية الذين لقوا مصرعهم خلال الهجمات الأخيرة على مطار دير الزور العسكري، هم ممن يحملون الجنسية السورية.
خلافات سابقة مع القاعدة
كشف تأسيس جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سورية، عن خلاف أيديولوجي وتطبيقي داخل المنظمات الإسلامية المتشددة، حسب ما تورد تقارير لمؤسسات متخصصة في مراقبة هذه الجماعات.
فحسب سايت غروب، المتخصصة في مراقبة التشدد والإرهاب، فإن اختلافا أيديولوجيا هو السبب في الخلاف الحاصل بين داعش وجبهة النصرة التي تعد أول انشقاق داخلي في صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” كما كان يطلق داعش على نفسه في السابق.
هذا الخلاف لا زال يفرز أبعاده في الاقتتال بين هاتين الجماعتين، ووصل هذا الخلاف ذروته مع انشقاق أبو وليد المهاجر، المسؤول الشرعي لجبهة النصرة في درعا والقنيطرة، ملتحقا بركب داعش، معلنا بذلك نهاية التقارب بين “أخوة المنهج” قبل نحو أسبوع.
ففي تسجيل صوتي نشر على يوتيوب، أعلن أبو وليد المهاجر الملقب “بالمقدسي” انشقاقه عن جبهة النصرة مرجعاً أسباب ذلك إلى “إخلال النصرة بالبيعة، ونكايتها بالأعداء، وموالاتها للمرتدين”.
وقال المقدسي “إن النصرة قد أخلّت بالبيعة للدولة الإسلامية لأن البغدادي أرسل الجولاني لأرض الشام وأمده بالمال والرجال، لكن أمير النصرة بايع الظواهري وترك أميره البغدادي”.واعتبر أن البيعة لغير البغدادي بيعة باطلة.
وأرجع المقدسي أحد أسباب انشقاقه عن النصرة بأنها “لا تملك مشروعا متكاملا للمسلمين، ولا تسعى لإقامة المحاكم الشرعية وتطبيق الحدود”، متهما النصرة، “بمساعدة العلمانيين لقطف ثمار دماء المجاهدين”.
هذه الأسباب التي أوردها المقدسي، تختصر الجدال الدائر بين هذه الجماعات والتي تتحول في بعض الأحيان إلى اقتتال قد يهدد وجودها، لا سيما وأن المتحدث باسم داعش أبو محمد العدناني، اتهم القاعدة في تسجيلات صوتية سابقة، بأنها أضحت “معولا لهدم مشروع الخلافة”.
هل يتفكك التنظيم من الداخل؟
يرى الصحافي السوري عبدو حليمة الذي يتابع نشاط الجماعات المتشددة في سورية، أن هذا الاختلاف داخل داعش، أمر طبيعي بالنظر إلى هيكليتها، موضحا أن توسع التنظيمات الأفقي عادة ما يعقبه ضعف في المركز بسبب عدم وجود هياكل مؤسساتية تتمتع بقدرة السيطرة على الخواصر التي تغدو رخوة، حسب قوله.
ويضيف حليمة، أن تنظيم داعش هو بالأصل مزيج من حالة انشقاق عن تنظيم القاعدة من جهة، وانشقاق بعض المتشددين عن صفوف مقاتلي المعارضة السورية والعشائر العراقية السنية من جهة أخرى، و”لذلك فإن التنظيم يخضع لأيديلوجيا غير ثابتة يأخذ التشدد فيها خطا متصاعدا. وبالتالي فإنه من الطبيعي أن تنتقل عدوى التكفير إلى داخل صفوف داعش وتشكيل جماعات وخلايا انقلابية”.
من المتوقع أن نشهد في المرحلة المقبلة انشقاق تنظيمات صغيرة عن داعش وسيطرتها على مناطق خاصة بها، بالتعاون مع بعض الميليشيات السورية المسلحة
هآرتس
ويتابع حليمة لموقع “الحرة”، أن الأيام القادمة ستكشف عن خلافات كبيرة داخل صفوف التنظيم، بسبب الأيديولوجية واللغات والثقافات المختلفة للتنظيم، وإن كان لا يزال الحديث في هذه المرحلة عن خلافات محلية وليس عن ظاهرة واسعة.
أما محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة هآرتس الإسرائيلية تسفي بارئيل، فيرى أنه من المتوقع أن “نشهد في المرحلة المقبلة انشقاق تنظيمات صغيرة عن داعش وسيطرتها على مناطق خاصة بها، بالتعاون مع بعض الميليشيات السورية المسلحة التي لا تتبع داعش، حسب تقرير نشرته هآرتس.
*الحرة