حاوره سعدالله الخليل
كيف تبدو ملامح الحراك الروسي والإيراني في مسار الأزمة السورية؟ وهل من مبادرة روسية مكتملة لطرح مشروع سياسي يقود إلى حوار سوري ـ سوري يجمع الأطراف السورية على طاولة مستديرة؟ وما هي النتائج التي توصلت إليها جولات نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في المنطقة؟ أسئلة عدة أجاب عنها عضو المكتب السياسي ـ الشام في الحزب السوري القومي الاجتماعي طارق الأحمد، في حوار مع «البناء» و«توب نيوز»، خصوصاً بعد زيارته الأخيرة إلى موسكو حيث شارك في لقاءات واجتماعات عدة في الخارجية الروسية.
وفي ما يلي وقائع الحوار:
بداية أكد الأحمد أنّ الديبلوماسية الروسية خلال الفترة الأخيرة اتخذت قراراً بالتحرك على المسار السياسي لحلّ الأزمة السورية، على رغم أنّ الأمور لم تنضج في شكل كامل بعد، مشيراً إلى أنّ الطرح الروسي هو عبارة عن أفكار بانتظار أن تنضج كمبادرات، وهي ذات شقين… الأول يعتمد على الإقدام الروسي على إطلاق هذه الأفكار بسبب فشل جميع الآخرين تقريباً في رهاناتهم أو في ما كانوا يتلازمون به في العملية السياسية، والثاني هو الفشل في هذه الالتزامات والتناحر في ما بينها، مما جعل الإدارة الروسية تعتقد أنّ الفرصة مناسبة لهذا الطرح.
وبيّن الأحمد أنه حتى الآن لا يمكن الحديث عن مبادرة متبلورة في شكل كامل، فهي أفكار روسية في طور التشكّل والتبلور لتصبح مبادرة، لكن العناصر حتى الآن غير مكتملة.
وشدّد الأحمد على وجوب عدم تكرار أخطاء «جنيف 2» لجهة الغايات لبعض الأطراف، التي كانت تعيق في شكل كبير الحلّ السياسي في سورية، مؤكداً أنّ الحراك ليس أمام طرح «جنيف3».
«جنيف 1» بتفسيره الروسي قاعدة تحرك موسكو
لخّص الأحمد في الحوار مضمون لقائه مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بالقول: لدى موسكو أفكار أولية تؤدّي إلى لقاء تشاوري أول، وهو تقريباً محسوم بغياب الحكومة السورية، متابعاً: نحن أمام خيارين… الأول أن يكون اللقاء للمعارضة السورية فقط، على رغم وجود تباين في الرؤية داخل هذه المعارضة من حيث توصيف من هو معارض ومن هو غير معارض، وهو ما يعيدنا إلى نقطة التجاذب والتناحر على اعتبار أنّ الوقوف في موقع المعارضة يكاد يكون غاية يحققها بعضهم، وهو ما يعتبر أداء سياسياً سطحياً في الأزمة السورية، لأنّ صغر التمثيل السياسي يقابله دعم من أطراف ودول كبيرة وهذا يعتبر خطأ من جهة الوسطاء السياسيين في هذا المجال.
ولفت الأحمد إلى أنّ حديثه في مبنى وزارة الخارجية الروسية شمل نقاطاً عدة، أولها أنّ العملية السياسية السورية تفرض على الأطراف الحوار، ولسنا أمام عملية تفاوض لأنّ التفاوض يكون بين الأعداء، وهو ما لا ينطبق على الحالة السورية. وتابع: «إنّ هذا الطرح جاء من هيئة التنسيق التي طرحت مبدأ التفاوض»، مشيراً إلى «أنّ المفاوض يجب أن يكون دولة من حجم الدولة التي يفاوضها، وانّ ما يجري هو حوار يمكن حصوله حتى بين قوى سياسية متفقة».
ورأى الأحمد أنّ الروس يعتمدون في مادتهم الأساسية على «جنيف 1» ولكن بتفسير جيد ومتكامل وليس بتفسير منقوص، وهذا ما أبلغه بوغدانوف إلى الوفد السوري.
كما أكد بوغدانوف أنّ الأميركيين كانوا مخطئين لجهة تحريف «جنيف 1» الذي تواجدت فيه جهات وليس أطرافاً، أما في «جنيف 2» فكان الحضور ممثلاً بأطراف وليس جهات، أيّ الحكومة مقابل المعارضة.
وأضاف: «هناك خطأ في فهم القانون السياسي الدولي، فالحكومة تختلف عن الدولة وهي تختلف عن المكوّن السياسي، فلكلّ منها تعريفه المختلف الذي يدلّ عليه»، منوّهاً بأنّ وزير الخارجية يمثل كلّ العلاقات والاتفاقات الدولية التي أقامتها الجمهورية العربية السورية منذ الاستقلال وحتى الآن، بغضّ النظر عما إذا كانت الأنظمة السابقة متوافقة أو متعاكسة في التوجه السياسي.
دي ميستورا في موقع مختلف
وأشار الأحمد إلى أنه لا توجد تقاطعات حتى الآن بين خطة الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا وبين المبادرة الروسية، وإنْ كان لا وجود لمطبخ واحد يطبخ المبادرتين، لافتاً إلى أنّ هناك حتى الآن مشربين مختلفين لكلّ منهما، فيجب أن يكون هناك توافق بين الحالتين حتى لا نكون أمام خطر كبير.
وأضاف: «انّ الأفكار الروسية تصبّ في مستوى سياسي ليس بعيداً من «جنيف1» و«جنيف 2»، أما دي ميستورا فهو في موقع مختلف تماماً لجهة وجوده على الأرض، فهو لا يختلف في طرحه عن طريقة المصالحات التي تجريها الحكومة السورية في مبدأ «التجميد»، مؤكداً أنّ دي ميستورا يستطيع الآن المباشرة، لكن يجب أن يعلم وقائع الأرض تماماً من تحويل وتسليح وجهة الدعم وإغلاقها»… معتبراً أنّ الحكومة السورية هي صاحبة القرار الآن كونها تمتلك سلطة تنفيذ، أيّ قرار، وهو ما قد لا يمكن تطبيقه بوجود حكومة مختلفة المشارب السياسية، والتي تحتاج إلى توافقات دولية مع دي ميستورا لتطبيق أيّ قرار، وهو ما يؤسّس لدولة فاشلة.
وعن الدور الأميركي في المبادرة الروسية قال الأحمد: «الأميركيون أبلغوا الروس أنهم لن يتعاونوا، ولكنهم لن يعطلوا الحلّ، وهذا ما قاله أيضاً وزير خارجية السعودي سعود الفيصل في موسكو ولكن بسلبية أكثر».
وأضاف الأحمد: «الجانب الإيراني في حالة اتصال دائم مع الروسي في سياق المساعي والمبادرة»، لافتاً إلى أنّ الاتفاق بالإيجابية بين الأطراف يمكن أن يؤدّي إلى النجاح، لكن بشرط النضج في الإجراءات، وليس كما حصل في «جنيف 2»، منوّهاً بأنّ على روسيا الانتباه إلى تشكيلة القوى السياسية السورية بقديمها وجديدها.
وحول دوافع هيئة التنسيق بإعلان مواقفها من القاهرة أكد الأحمد أنّ هيئة التنسيق لا تستطيع بما تمثل أن تجلب دولة مثل مصر إلى الانخراط بالحلّ السياسي السوري، على رغم التواصل بين مصر وروسيا، مشيراً إلى أنّ هيئة التنسيق قرأت الموقف في شكل جيد فحاولت مجاراة ما يجري من القاهرة.
هيبة الدولة السورية والحلّ السياسي
وأكد الأحمد أنّ المهم في أيّ حوار أو ملتقى الحفاظ على هيبة الدولة السورية على أرضها، وهو ما يرفع احتمالات الحلّ السياسي. وقال: «كلما استعادت الدولة السورية هيبتها كلما حصلنا على حلّ في سورية بغضّ النظر عن حضور بعض الأطراف من المعارضة أو عدم حضوره إلى الحوار، فالمصلحة هي مصلحة سورية، والحَكَم يجب أن يكون التوافق الذي يُعتبر جوهرياً وسحرياً».
وحول ما تواجهه روسيا من محاولات سعودية أميركية لضرب اقتصادها أكد الأحمد أنّ تخفيض سعر النفط محاولة لضرب إيران وروسيا وفنزويلا، لافتاً إلى أنّ اقتصادات الخليج هي اقتصادات بدائية على رغم المظهر الخارجي، فالاحتياطات المالية الموجودة عندها تصرف الآن على الإرهاب ودعمه…
وأضاف: «لا توجد حتى الآن عقوبات من مجلس الأمن على الدول التي تدعم الإرهاب حتى التي تحدث عنها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن»، مشيراً إلى «أنّ الدول الأوروبية ليست في مأمن من الإرهاب، وهي متورّطة بدعمه واحتضانه…».
واختتم الأحمد حديثه بالقول: «إنّ روسيا كدولة ضخمة في حاجة الى الذهاب نحو التصنيع أكثر والاستفادة مما يحصل لجهة الاكتفاء الذاتي، ولا خوف على دولة بهذا الحجم إلا من الطوابير الخامسة».