صواريخ المعلم رسائل ما قبل حسم حلب
- التاريخ 16 نوفمبر 2014 -
- •
من النادر أن يتطرق وزير الخارجية السيد وليد المعلم رئيس الدبلوماسية الهادئة في أحاديثه العلنية إلى قضايا لها صبغة عسكرية كالتي لها علاقة بتسليح الجيش العربي السوري وقدراته أو إلى مضمون الاتفاقيات العسكرية والصفقات التسليحية الموقعة مع الحليف الروسي، ما أبرم منها ومالم يبرم ، وما نفذ منها وما سينفذ، لكن أمراً ما تطلب من السيد المعلم الخروج عن الصفة التي لازمته ورسائله الناعمة التي أربكت خصومه في ذروة تعرضه للاستفزاز والضغط ليصرح علناً في لقائه الأخير بأن منظومة ( S 300 ( ستكون في سوريا قريباً ليتلقف الإعلام السوري الإشارة ويفرد مساحة واسعة لتقرير يتحدث عن الصواريخ المتطورة في الترسانة الحربية السورية وقدراتها التدميرية وميزاتها في المعركة والإشارة إلى صواريخ ياخونت واسكندر بما لهذين الصاروخين من خصوصية وأهمية في أية معركة مستقبلية تخوضها سوريا أو تفرض عليها , ليترك هذا التصريح وما تبعه أثراً مهماً لدى من يراقب المشهد حول ما يمكن أن تحمله الأيام القادمة وتغرق البعض في تفسيرات وتوقعات قد تفرض أو فرضت عليه إعادة الحسابات .
بالتأكيد لا يخفى على استخبارات الدول المعادية معلومات كالتي وردت في تقارير القنوات السورية ، فما وعد به سماحة السيد حسن نصر الله الكيان الصهيوني في كلمته الأخيرة بمناسبة ذكرى عاشوراء من قدرة صاروخية تغطي مساحة فلسطين المحتلة بالكامل هي جزء عشري أو ربما مئوي من المنظومة الصاروخية السورية ، وبالتالي فإن التأكيد في هذا التوقيت بالذات لا يهدف إلى التفاخر بوجود عامل الردع بقدر ما يوجه رسالة واضحة التوقيت والدلالات، والإشارة إلى ما سيأتي لا يعني أنه لم يصل أو دخل فعلياً في الخدمة ، إذاً التحول بنعومة من الدبلوماسية الهادئة إلى الخشنة يعني توكيداً للهجة القاسية التي وردت في بيان وزارة الخارجية السورية رداً على تصريحات مشتركة لفرانسوا هولاند ورجب طيب أردوغان حول ضرورة اللحاق بمدينة حلب قبل فوات الأوان، في مشهد يعيد إلى الأذهان ذاك التحالف الفاشل بين فرانسوا الأول وسليمان القانوني، لكن التحالف لا يوجه هذه المرة إلى هاسبورغ ، ولا يوجه إلى سوريا فقط وإنما أيضاً ضد الولايات المتحدة .
ما كشفته تصريحات الرئيسين ( بالأمر الواقع ) تشير بشكل واضح إلى أن مدينة حلب ستكون نقطة تحول في جوهر الصراع يناشد هولاند العالم للاهتمام بحلب بعد عين عرب، بينما يبدو أردوغان أكثر عجلة على إبعاد الجيش العربي السوري عن أبوابها ويضع ذلك كأولوية تسبق الأولوية الفرنسية حول عين عرب فهو لا يمانع بل ويتمنى أو بالأصح يتوسل من العالم عامة والتحالف خاصة أن ينسى عين عرب أو بصورة أدق أن يسمح بسقوطها بيد تنظيم داعش، لكن في حلب بقايا أزلامه الذين إن ذهبوا ضاع حلم العثماني الصغير وخسر آخر أوراقه في المنطقة بعد خسارته في مصر وتونس وحتى في ليبيا، ويدرك أنه وإن لم يتم تدارك الموقف في حلب أمام اندفاعة الجيش العربي السوري فهذا يعني أنه أمام خيارين، الأول هو أن يضحي بعناصر الحر لمصلحة داعش المدعومة من قبله وبهذا يستبق دخول الجيش السوري بتعزيز نقاط داعش في المدينة، وهذا الاحتمال فاتورته كبيرة على تركيا لأنها ستخرج داعش من دائرة الاحتواء التركي بصورة أكبر، وإما أن يبتلع لسانه ويصمت عن تقدم الجيش السوري في حلب وهزيمة ميليشيا الحر عندها سيخسر سمعته ونفوذه على باقي التنظيمات أو على التنظيم نفسه في غير مناطق، خاصة وأن هذه ميليشيا الحر بدأت تستشعر الضعف التركي خاصة عندما طلب جمال معروف من تركيا توجيه ضربة جوية إلى جبهة النصرة تقلب موازين المعركة في ريف إدلب لمصلحة الحر، فكان من أنقرة أن طلبت من الولايات المتحدة تنفيذ هذه الضربة ضد النصرة وأحرار الشام، وستخسر تركيا بعدها ورقة الإئتلاف الذراع السياسي لميليشيا الحر تبعاً لفناء القوة في الميدان . إلى الآن يصعد أردوغان الموقف بصورة غير مباشرة ويعيد فتح جبهة شمال اللاذقية باستخدام ما يزيد عن الخمسة آلاف داعشي غالبيتهم من الشيشان الأكثر تطرفاً وتدريباً مزودين بأسلحة ومعدات وبخطط قالت عنها صحيفة الإندبندنت بأنها غير تقليدية خاصة صواريخ تاو الحرارية التي أثبتت أرقامها التسلسلية عائديتها إلى الترسانة الأمريكية لتخفيف الضغط عن حلب، لكن الخيار الثالث الذي قد يلجأ إليه أردوغان بحماقته والذي يشكل احتمالاً وارداً بالنسبة لسوريا هو التدخل عسكرياً في مغامرة غير محسوبة النتائج، ما يعزز هذا الاحتمال عودة التنسيق بين تركيا والسعودية بعدما عصفت الخلافات بينهم في ملفات أخرى، لكن اللقاء الأخير الذي ممثلين عن تركيا والسعودية والولايات المتحدة تحت عنوان عريض منع سقوط حلب، يعني أن الضغوط الأمريكية انصبت على التقريب بين الطرفين مجدداً لضبط وتوحيد مجموعاتهم في سوريا ضد الجيش العربي السوري .
بالولايات المتحدة لا تنوي السماح باندلاع حرب إقليمية بين سوريا وتركيا تنضم إليها إيران في مرحلة ما وقد يشعل نارها فتيل حرب عالمية وتدفعها فيما بعد إلى الانخراط بمواجهة الاتحاد الروسي لهذا تصر على إبقاء اللعبة في إطار الحرب غير المباشرة لكن لأردوغان حساباته التي قد لا تتفق مع واشنطن خاصة وأنه يرى التخلي التدريجي الأمريكي عنه فوفق السياسة الأمريكية لا يكفي أن تكون حليفاً لواشنطن، لكن يجب أن تكون قوياً ومؤثراً ضمن هذا التحالف .
هنا تأتي الرسالة لتحدد الرد السوري في مواجهة الاحتمالات السابقة، مفادها أن سوريا مستعدة إن تدهورت الأمور نحو مواجهة مباشرة يلجأ إليها أردوغان وترتفع الوتيرة ليقول السيد المعلم إن سوريا في حالة حرب مع تركيا، إذاً لا يتطلب الأمر من سوريا بعد الآن وفي مواجهة أي تصعيد تركي إعلان حالة الحرب وفق متطلبات القانون الدولي، والإشارة إلى صواريخ ( S – 300 ) يعني أن صبر سوريا وتفهمها للإحراج الأمريكي والسماح له بعمليات رمزية فوق الأجواء السورية بحجة ضرب داعش والحرب على الإرهاب بدأ ينفذ وأن كمية الصبر الباقية تتناسب مع المدة المتبقية لوصول المنظومة إلى سوريا عندها ستفرض سوريا بنفسها حظراً جوياً في أجوائها وربما في أجواء أخرى معادية لها .
الولايات المتحدة قرأت الرسالة، ورغم وصول الجمهوريين برؤوسهم الحامية إلى السيطرة على الكونغرس التقى جون كيري بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مباركاً جولة جديدة من اللقاءات بين ممثلين عن الدولة السورية ومعارضة الخارج بعد أن أسقط عنهم صفة الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري موسعاً دائرة اللقاءات القادمة لتضم معارضة الداخل، وهذه الثلاثية لم تكن مقبولة أمريكياً من قبل، اليوم يتم الحديث عن جنيف 3 بروح جديدة ووجوه جديدة وعروض مختلفة لا تحمل بين سطورها لغو إسقاط النظام أو التنحي وتبقي على الحكومة الانتقالية والانتخابات المكبرة على جدول الأعمال، وربما لتعود واشنطن بالمناورة حول تفسير مفهوم الحكومة الانتقالية من جديد .
السباق بدأ نحو حسم الأمور وربما المعركة في حلب، وكل يعرف مركزه وإمكانياته وخياراته ، وفيما تبدو سوريا مرتاحة فإن خياراتها واضحة، إما أن تعود المدينة إلى الدولة حتى الحدود مع تركيا بالسياسة وإما بحرب إقليمية تبدأ من حلب، هنا يعود الأستاذ المعلم ليشعل بهدوئه المعهود النار في أدمغة من يراهن على غير ذلك برسالة تقول لن ننتظر طويلاً وربما تكون الحرب أولويتنا نحن .
عربي برس