هنا اللاذقية.. حيث يموت الشهداء مرتين

هنا اللاذقية.. حيث يموت الشهداء مرتين

13 نوفمبر 2014

هي المدينة التي قلّما ارتوت بدماء شبابها وكثيراً ما تطهّر ترابها بجثامينهم العائدة من ساحات المعارك، المندلعة في أرجاء عدّة من الوطن. عدّاد الشهداء لم يتوقّف بعد، فارتقاء الشهداء من أبناء هذه المدينة نادراً ما ارتبط بتوتر جغرافيتها أمنياً، ليرتبط دائماً بمجمل جغرافيا الوطن.

اللاذقية، التي وإن غاب عن الكثيرين مقدار ما دفعت، فإن أي ذي لبٍّ سيعرف أنها تحمّلت فاتورةً كبيرة ثمناً لأزمةٍ فُرضت على الوطن، دفعتها بدماء شبابها الذي قضى الآلاف منهم شهداءَ في سبيل الوطن، فيما لايزال عشرات الآلاف يرابطون بعيدين عنها في جبهات القتال.

فاتورة الدماء التي دفعتها المدينة لم تُعفها من دفع فواتير أخرى. الفساد استشرى في كل مناحي الحياة وتغلغل في مختلف مؤسسات الدولة التي كانت على استعداد لامتصاص أكبر كمٍ منه والتفاعل معه، التقصير الخدمي شمل اغلب المجالات، و فاقم من أزمات المدينة.

المدينة التي استقبلت مئات الآلاف من النازحين، تجاهل المسؤولون أن تعداد سكانها قد تضاعف خلال الأزمة. التغير المفاجئ في ديموغرافيا المدينة لم يوازه تغيّر مشابهٌ في ميزانيتها ومخصصاتها، بل كان التغير معاكساً للزيادة.

ليست ظروف الحرب وحدها سبب الأزمة، فالمحتكرون وتجّار الأزمات كان لهم الدور الأكبر في تفاقم الأزمة، وسط غياب المؤسسات الرقابية للدولة.

المدينة تعيش واقعاً خدمياً سيئاً، تقنين كهربائي طويل يوازيه تقنين مائي أطول، المحروقات بشتى أنواعها باتت مادةً نادرةً في المدينة، الازدحام المروري بات حدثاً يومياً وسط تفاقم أزمة المواصلات العامة، وغلاء الأسعار يكوي جيوب المواطنين الذين ما زالوا حتى اليوم صابرين.

أوجاع المدينة لم تكتفِ بأبنائها الأحياء، فلشهدائها وجرحاها نصيبٌ أكبر. الشهداء في اللاذقية، قلّما يموتون مرةً واحدة، فهم الذين دفعوا حياتهم ليبقى الوطن، الوطن -سوريا- بكلّ مكوناته. الشهيد يقضي برصاصةٍ أو قذيفةٍ أطلقها “جهاديو الثورة”، ليقضي في مدينته مراتٍ ومراتٍ عبر ظاهرة “التشبيح” التي عادت لتنتشر بأحياء المدينة.

أشخاصٌ أطلقوا لحاهم وتزيّنوا بالسلاح الذي لم يعرف يوماً ساحة معركة، وسياراتٌ تنقّبت بـ”الفيميه” الأسود، واستقوت بـ”امتيازاتٍ” مجهولة المصدر، لتتحوّل إلى إذاعاتٍ متنقّلةٍ لأغانٍ “وطنيةٍ” . هي مشاهد يوميةٌ في شوارع المدينة، تؤلم أحياءها، وتقتل شهداءها مراتٍ ومراتٍ أخرى.

الرصاص الذي يطلق في أي مناسبة احتفالية لو كان بحوزة الشهداء ، ربما ، ربما كانوا لم يستشهدوا بسبب نفاد الذخيرة .

المجموعات “الوطنية” تكاثرت في المدينة مع اشتداد الأزمة. تتلقى هذه المجموعات تمويلاً من جهاتٍ مختلفةٍ، لو وصل بشكلٍ فعلي لأمكن أن يحلّ بعض مآسي الأسر التي فقدت معيلها. بعض هذه المجموعات يعمل بصدق ووطنية، وغالبيتها اقتصرت غايتها على التقاط الصور ونشرها على صفحات التواصل الاجتماعي، تحت بند “خدمة الوطن”.

أعضاء غالبية هذه المجموعات يرتدون خلال القيام بنشاطاتهم “الميدانية” أفضل الملابس، يتزينون ويتجمّلون بتسريحاتٍ وفق آخر “موضة”، يرشون أفخم العطور الفرنسية، ليقصدوا بعد ذلك بيت جريحٍ من الجيش العربي السوري، لم يعرف أهله يوماً شيئا من رفاهيات الحياة، ولا يملكون سوى الفخار ببطولة ابنهم الذي قدّم الوطن على نفسه. نفوس أصحاب البيت ستبقى عزيزةً، إلّا أن “ملح” تلك الزيارة سيزيد من ألم الجرح في جسد الجندي ابن البيت ألماً آخر.

النفوس الكرام تأبى أن تذلّ، إلّا أن الجوع والحاجة، ذلْ، ليس لعوائل الشهداء أو الجرحى والمخطوفين، بل هو ذلٌ يَصِم مسؤولاً لم يتمكّن من دفع الحاجة عن أسرةٍ قدّمت أغلى ما تملك ليبقى الوطن، ولمؤسسة عجزت عن ايجاد حلٍّ لجريح سقت دماؤه تراب الوطن، ولقرارٍ أغفل العديد من العوائل التي تعيش بلا أيّ سندٍ بعد أن خُطف معيلوها في ساحة المعركة.

اللاذقية حزينةٌ إلا أنها صامتةٌ تكابر على جراحها، تتكبّر على الخنوع للموت الذي دخل بيوت أهلها، تترفّع على الظلم الذي يلحقها كلّ يومٍ من تصرفات بعض أبنائها، وتصبر على التجاهل الذي اعتادته قبل الأزمة، ليتضاعف بعدها أضعافاً مضاعفةً من قبل المسؤولين .

الحكايا التي رافقت وصول محافظ المدينة الجديد ، من قوة القرار ، ومحاربته للمظاهر ” التشبيحية ” في حلب حيث كان قائد شرطتها ، تبعث الأمل ، بعض الأمل في اختفاء هذه الظواهر من شوارع المدينة .

تذكر القصص التاريخية أن النبي أيوب كان من أغنى الأنبياء، إلّا أن الله ابتلاه بماله وأولاده ثم بنفسه، صبر أيوب على ما ابتُلي به سنيناً طويلة، إلى أن جاءه الفرج.

لأيوب زوجةٌ أعانته في بلواه ولم تتركه في مصابه، فصبر وجاءه الفرج. أبناء اللاذقية كذلك صابرون، كأيوب هم ينتظرون الفرج، كما ينتظرون حكومةً تقف معهم في مصابهم، وقرارات مسؤولة ترفع عنهم بعض الضيم الذي لحقهم من القريب، ربّما قبل الغريب.

الخبر

» المغترب بين مطرقة الأنين و الحنين يموت في كل يوم مرتين
» تشييع جثمان الشهيد جمو إلى مثواه الأخير في مقبرة الشهداء -اللاذقية
» أنس غانم لدام برس : محافظ اللاذقية أوعز إلى كافة الجهات العامة بتسهيل أمور ذوي الشهداء في كل ما يتعلق بشؤون الخدمة
» ضبط عدة مجموعات جمعت تبرعات مالية لم تصل لمستحقيها...ومحافظة اللاذقية تدعو من يريد التبرع لذوي الشهداء الالتزام برقم الحساب في المصرف التجاري فرع 1
» حزب الله انتصر مرتين