ما هي المعمودية في الديانة المسيحية
المعمودية في الديانة المسيحية هي سر إلهي من أسرار الكنيسة ويتوجب على كل مسيحي أن يعتمد كختم لإيمانه. وتعتبر المعمودية أمراً هاماً لأنها تأتي ضمن المأمورية العظمى التي أعطاها المسيح لتلاميذه حين قال: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بسم الآب والإبن الروح القدس، وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به, وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (متى 28: 19-20).
ما هو أساس المعمودية, وهل كانت معروفة قبل الديانة المسيحية؟
إنَّ كلمة (معمودية) بحد ذاتها تعني (اغتسالاً) أو (تطهيراً) يحمل طابعاً دينياً, وإن بعض أنواع الإغتسال بقصد التطهير كانت معروفة في العهد القديم وهي مذكورة في الكتاب المقدس فنقرأ عن قصة نعمان السرياني, رئيس جيش ملك آرام أنه كان مصاباً بالبرص وجاء إلى النبي أليشع ليشفيه من برصه, فأرسل إليه أليشع رسولاً يقول له إذهب واغتسل سبع مرات في نهر الأردن (2 ملوك: 5). وقد ورد في (المزمور 51). مثلاً قول داود النبي في تضرعه إلى الله: "طهرني بالزوفا فأطهر, إغسلني فأبيض أكثر من الثلج".
معمودية يوحنا المعمدان (النبي يحيى بن زكريا) الذي كان يمهد الطريق أمام المسيح. أَدْخَلَ يوحنا, الذي أُرسل من الله ليمهد الطريق أمام المسيح, طقس المعمودية, وكان يُعَّمِدْ الناس في نهر الأردن داعياً إياهم إلى التوبة والإيمان بالمسيح المنتظر. وكان يقول "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت الله" (مرقس 1: 4). لذلك فإن معمودية يوحنا هي "معمودية التوبة لمغفرة الخطايا والإستعداد لملكوت الله الآتي".
ما علاقة معمودية يوحنا بالعهد الجديد من الكتاب المقدس؟
معمودية يوحنا هي مقدمة فقط لعصر الخلاص الآتي في المسيح. فلما جاء المسيح أتم معمودية يوحنا. ويقول يوحنا المعمدان نفسه في إنجيل متى: "أنا أُعمدكم بماء التوبة, ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار". (متى 3: 11).
ويصعب تحديد الوقت الذي فيه بدأت المعمودية المسيحية, وإنما بدأت زمن المسيح. يقول البشير يوحنا في إنجيله: "وبعد هذا جاء يسوع وتلاميذه إلى أرض اليهودية ومكث معهم هناك وكان يُعَّمِدْ وكان يوحنا أيضاً يُعَّمِدْ في عين نون" (يوحنا 3: 22-23).
هل أمر المعمودية ضروري بالنسبة للمسيحي؟
نعم ففي أمر المعمودية قال يسوع لتلاميذه: "إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بسم الآب والإبن والروح القدس" (متى 28: 19). والمعمودية ليست مجرد ماء فقط, بل هي الماء المضمون بوصية الله, والمرتبطة بكلمته، "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم...". إنَّ "المعمودية" هي طقس الغسل بالماء للتطهير الديني وكانت معروفة عند اليهود كما نفهم من الكتاب المقدس (خروج 29: 4 و30: 20). ولما جاء يسوع تبنى هذا الطقس وجعله فريضة في الكنيسة المسيحية (متى 28: 19). إذ أنه جعل التعميد بالماء باسم الثالوث الأقدس علامة على التطهير من الخطية والنجاسة, وعلامة الإنتساب رسمياً إلى كنيسة المسيح. أي أن المعمودية في العهد الجديد حلت محل الختان في العهد القديم, وكلاهما علامة على العهد. ويُصَّرح الله للمعتمد بواسطة هذه العلامة بغفران الخطايا ومنح الخلاص. أما المعتمد فيتعهد, هو أو المسؤولون أنه بالطاعة لكلمة الله والتكريس لخدمته (أعمال 2: 21، رومية 6: 3). أي أن المعمودية تختم وتشهد على إتحاد المؤمنين بالله والبنوة وغفران الخطايا بموت المسيح وقيامته. إلاَّ أن المعمودية ليست في حد ذاتها سبباً للتجديد والولادة الثانية والخلاص. فكرنيليوس مثلاً حلَّ عليه الروح القدس وقَبِلَ الإيمان من قبل أن يعتمد (أعمال 10: 44-48). وسيمون الساحر إعتمد ومع هذا ظل إنساناً عتيقاً وأخطأ في عيني الرب (أعمال 8: 13 و21-23). وقد اختلفت وجهات نظر المسيحيين حول المعمودية وكان الجدال حول قضيتين: نوع المعمودية ومعمودية الأطفال أو الكبار. فقد قال بعض المسيحيين أن المعمودية لا تصح إلاَّ بتغطيس الإنسان كاملاً تحت الماء لأنها تشير إلى أن المعتمد دفن مع المسيح وقام معه بناء على الآية القائلة: "أم تجهلون أن كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته فدفنا معه بالمعمودية للموت, حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة". (رومية 6: 3، 4). وبتغطيسه ثلاث مرات على اسم الثالوث الأقدس وليس مرة واحدة, كما قال البعض. إلاَّ أن أغلبية المسيحيين تكتفي برش الماء على الوجه, لأنَّ المقصود من وضع الماء هو الإشارة إلى غسل الروح القدس. لذلك فإن كمية الماء غير مهمة في الموضوع. وقال بعض المسيحيين إنه لا لزوم لتعميد الأطفال, وأن الإعتماد للمؤمنين فقط, أي الذين تعدوا مرحلة الطفولة وبلغوا سن الرشد بحيث يمكن لهم فهم الخلاص والإعتراف بالتوبة بناء على الآية التالية: "من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن" (مرقس 16: 16). إلاَّ أن أغلبية المسيحيين تعتبر معمودية الصغار واجبة ما داموا أطفالاً. وذلك علامة على الميثاق بين الله وبينهم. أما معمودية الروح القدس والنار فإنها رمز لإنسكاب الروح القدس على الرسل في يوم الخمسين. كانت هذه بعض الأفكار العامة عن العمودية قبل المسيحيين وبعدهم.
ماذا تُعَّلم الكنيسة من الناحية الكتابية بخصوص المعمودية بشكل عام؟
أولاً: طبيعية العمودية:
ماهي المعمودية؟ المعمودية ليست مجرد ماء, بل هي الماء المقصود بوصية الله والمرتبطة بكلمته.
ما هي كلمة الله هذه؟
هي ما يقوله ربنا يسوع المسيح في الإصحاح الأخير من إنجيل متى: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بسم الآب والإبن والروح القدس".
ما معنى كلمة (يُعَّمِدْ)؟
كلمة (يُعَّمِدْ) تعني إستعمال الماء بواسطة الإغتسال أو (الغسل) السكب الرش أو التغطيس. "قم واعتمد واغسل خطاياك داعياً باسم الرب". (أعمال الرسل 22: 16). "هو سيعمدكم بالروح القدس ونار". (متى 3: 11).
لماذا لا تعتبر المعمودية مجرد ماء فقط؟
إنَّ المعمودية ليست مجرد ماء فقط:
أ- لأنه في المعمودية يستعمل الماء حسب أمر الله الخاص.
ب- لأنَّ الماء يستعمل بسم الآب والإبن والروح القدس, لهذا فإنه يرتبط بكلمة الله.
من رتب سر المعمودية المقدسة؟
إنَّ الله نفسه رتب سرَّ المعمودية المقدسة, لأنَّ المسيح وهو الله أمر كنيسته أن تُعَّمِدْ جميع الأمم.
قال يسوع: "دُفِعَ إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم, وعمدوهم بسم الآب والإبن والروح القدس, وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى إنقضاء الدهر" (متى 28: 18-20).
بواسطة من تقوم الكنيسة بخدمة المعمودية؟
تقوم الكنيسة بخدمة المعمودية بواسطة خدام المسيح المدعوين. ولكن في الحالات الطارئة, وفي غياب راعي الكنيسة, يحق لأي مسيحي أن يُعَّمِدْ. "هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام المسيح ووكلاء سرائر الله" (1كورنثوس 4: 1).
إلى ماذا تشير الكلمات "عمدوهم بسم الآب والإبن والروح القدس":
تشير إلى إنني بواسطة المعمودية قُبِلت في شركة الثالوث الأقدس.
من يجب أن يعتمد؟
يجب أن يعتمد جميع الأمم, أي كل البشر, الصغار والكبار على السواء.
ما هو التمييز الذي يجب أن يؤخذ بعين الإعتبار في المعمودية؟
على البالغين الذين يتمكنون من الحصول على الإرشاد والتعليم أن يعتمدوا بعد دراستهم العقائد الأساسية للديانة المسيحية. فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا (أعمال الرسل 2: 41).
يجب أن يُعَّمدْ الأطفال عندما يقدمون لقبول سر المعمودية بواسطة أولياء أمورهم. "وأنتم أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم بل ربوهم بتأديب الرب وإنذاره".
كيف تبرهن بأنه يجب تعميد الأطفال أيضاً؟
يجب تعميد الأطفال أيضاً:
أ- لأنَّ كلمة "جميع" تشملهم. "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بسم الآب والإبن والروح القدس". (متى 28: 19). "فقال لهم بطرس: توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا, فتقبلوا عطية الروح القدس. لأنَّ الموعد هو لكم ولأولادكم". (أعمال الرسل 2: 38, 39).
ب- لأنَّ المعمودية هي عادةً، الوسيلة الوحيدة التي يمكن بواسطتها للأطفال الذين يجب أن يولدوا ثانية أيضاً, أن يحصلوا على التجديد ويؤتى بهم إلى الإيمان. "وقدموا إليه أولاًدا لكي يلمسهم, وأما التلاميذ فانتهروا الذين قدموهم. فلما رأى يسوع ذلك اغتاظ وقال لهم, دعوا الأولاد يأتون إليّ ولا تمنعوهم لأنَّ لمثل هؤلاء ملكوت الله. الحق أقول لكم, من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله" (مرقس 10: 13-15).
ج- لأنَّ الأطفال أيضاً يمكن أن يؤمنوا. "ومن اعثر هؤلاء الصغار المؤمنين بي فخير له أن يعلق في عنقه حجر رحى ويغرق في لجة البحر". (متى 18: 6).
ثانياً: بركات المعمودية:
ماهي فائدة المعمودية؟ إنها تعمل على غفران الخطايا , تُنَجِي من الموت والشرير وتمنح الخلاص الأبدي لكل الذين يؤمنون بذلك, كما هو معلن في كلام الله ما هو كلام الله ووعوده المشار إليها. يقول المسيح ربنا في الإصحاح الأخير من إنجيل مرقس: "من آمن واعتمد خلص, ومن لم يؤمن يدن".
ما هي الفوائد العظيمة التي تمنحها المعمودية؟
أ- إنها تعمل على غفران الخطايا: "توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا". (أعمال الرسل 2: 38). "لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. لأنَّ كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح". (غلاطية 3: 26, 27).
ب- إنها تنجي من الموت والشرير: "أم تجهلون أن كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته" (رومية 6: 3).
ج- إنها تمنح الخلاص الأبدي: "من آمن واعتمد خلص, ومن لم يؤمن يدن". (مرقس 16: 16).
"الذي مثاله يخلصنا نحن الآن, أي المعمودية". (1بطرس 3: 21).
ولكن ألم يحصل المسيح على هذه البركات لأجلنا؟
بكل تأكيد إنَّ المسيح بواسطة آلامه وموته حصل على كل هذه البركات لأجلنا ولكن المعمودية هي وسيلة تؤدي عن طريق عمل الروح القدس إلى جعل هذه البركات ملكاً لنا. "لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. لأنَّ كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح". (غلاطية 3: 26, 27). "لأنكم اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا". (1كورنثوس 6: 11).
لمن تمنح المعمودية كل هذه البركات؟
- تمنح هذه البركات لكل من يؤمن, كما هو معلن في كلام الله ووعوده "كل من آمن واعتمد خلص, ومن لم يؤمن يدن".
هل يمكن أن يخلص أحد بدون المعمودية؟
إنَّ عدم الإيمان فقط يقود إلى الدينونة فمع أن الإيمان الذي يخلص لا يمكن أن يكون موجوداً في قلب شخص لم يتمكن من الحصول على المعمودية لسبب ما.
ثالثاً: قوة المعمودية:
كيف يمكن للماء أن يقوم بأعمال عظيمة كهذه؟
بالحقيقية إنَّ الماء لا يفعل ذلك, بل كلمة الله الحالة في الماء هي الفعالة فيه, والإيمان الذي يجعل المؤمن يثق بأنَّ هذه الكلمة حالة في الماء. لأنَّ الماء بدون كلمة الله هو مجرد ماء عادي وليس معمودية. ولكن الماء بحلول كلمة الله فيه هو معمودية, أي ماء النعمة للحياة وغسل الميلاد الثاني بالروح القدس, حسب قول بولس الرسول إلى تيطس في الإصحاح الثالث: "بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا, حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية, صادقة هي الكلمة".
كيف يمكن الحصول على مغفرة الخطايا والنجاة من الموت والشرير وعلى الحياة الأبدية بواسطة المعمودية؟
إنَّ كلمة الله تضع هذه البركات العظيمة في المعمودية, وبواسطة الإيمان الواثق بكلمة الوعد هذه نقبل البركات التي تمنحها المعمودية: المغفرة، والحياة، والخلاص. ونجعلها ملكاً لنا. "أحب المسيح أيضاً الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة". (أفسس 5: 25, 26).
لماذا يدعو الكتاب المقدس المعمودية غسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس؟
في المعمودية يحرك الروح القدس الإيمان، وهكذا يخلق فينا حياة روحية جديدة.
رابعاً: مغزى المعمودية بالماء:
إلى ماذا تشير المعمودية بالماء؟
تشير إلى أن آدم العتيق فينا يجب أن يغرق ويموت مع جميع الخطايا والشهوات الشريرة, بالتوبة والندامة اليومية، وأن يولد فينا يومياً إنسان جديد يحيا أمام الله بالبر والطهارة إلى الأبد.
أين كُتِبَ ذلك؟ يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية الإصحاح السادس: "فدفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة".
ما المقصود بآدم العتيق؟
آدم العتيق هو الطبيعة الخاطئة التي ورثناها بسقوط آدم وتولد معنا. "أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور". (أفسس 4: 22).
كيف نُغْرق (نميت) آدم العتيق فينا؟
نميت آدم العتيق فينا عن طريق الندامة اليومية (الندم على الخطية) والتوبة (الإيمان). وبواسطتهما نستطيع مقاومة الشهوات الشريرة والتغلب عليها.
ما المقصود بالإنسان الجديد؟
الإنسان الجديد هو الحياة الروحية الجديدة التي خلقت فينا بواسطة غسل الميلاد الثاني. "إذاً إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة". (2كورنثوس 5: 17).
كيف يولد هذا الإنسان الجديد وينمو؟
إنَّ الإنسان الجديد يولد وينمو طالما نتغلب على الخطية يومياً ونحيا في القداسة الحقة. "ونلبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق". (أفسس 4: 24).
كيف تمثل المعمودية بالماء الموت اليومي للإنسان العتيق وولادة الإنسان الجديد؟
بواسطة المعمودية نصبح شركاء في المسيح. ونحن الذين اعتمدنا علينا أن نتوب يومياً عن جميع الخطايا ونتجنب كل شر ونسير في جدة الحياة.
من نرفض إذاً عند معموديتنا؟
عند معموديتنا نرفض الشيطان وكل أعماله وطرقه.
ما هو الوعد أو العهد الذي نقطعه على أنفسنا عند المعمودية؟
عند المعمودية نَعِدْ ونتعهد أن نخدم الثالوث الأقدس (الإله المثلث الأقانيم) وحده دون سواه.
متى يجب أن نجدد عهدنا الذي نقطعه عند المعمودية؟
علينا أن نجدد هذا العهد يومياً.......... آمـــــــين.