دوما سقطت بـ«رصاصة الرّحمة»ماهر خليل – عربي برس
مجدداً اصطدمت أحلام الميليشيات المسلّحة في الريف الدّمشقي، بواقع الجيش العربي السوري وتقدّمه على مختلف الجبهات، وفرضه على تلك الميليشيات واقعه الجديد مرغمين على التعايش معه ومع تطوراته. فبالوقت الذي تعقد فيه تلك الميليشيات آمالاً على “مصالحات الخلاص” بعد اقتراب الجيش من كبرى معاقلهم، يأتي الجواب “العسكري” مُحبطاً لها، “فإمّا شروطنا أو مسار ومصير جوبر ينتظركم”. فهمت الميليشيات الجواب جيّداً، بينما استمرّت “حرب الاغتيالات” تهدد قيادات الصف الأول فيها، واستمرت معها الاتهامات المتبادلة بينها دون أن “تُغرنا” صور جلسة العزاء الموحّدة التي جمعت «أحمد طه» قائد مايسمّى جيش الأمة و«زهران علوش» قائد مايسمّى جيش الإسلام.
فقد «أحمد طه» ابنه «صبحي» ومرافقه في تفجير انتحاري بسيارة مفخخة، كان من المفترض أن تقضي على الوالد هكذا خطط لها المنفّذون، إلا أن «صبحي» سبق والده إلى السيارة مع المرافق وما إن تحرّكت خطوات قليلة حتى انفجرت سيارة كانت مركونة بجانبها، قتل الابن والمرافق على الفور وأصيب «أحمد طه» بجروح خفيفة. بسرعة الأنظار تحوّلت إلى «زهران علّوش» كمتّهم في محاولة الاغتيال هذه، إلا أن الأخير سارع إلى “المأتم” يسجّل حضوره بين المعزّين لقائد “جيش الأمة”، بحسب صور بثّها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن وبحسب مصدر خاص لعربي برس في دوما، فإن الشكوك لم تزيلها “زيارة علوش للمأتم”، ومازالت تدور حوله وحول المدعو “أبو علي خبية” قائد مايسمّى “لواء شهداء دوما”، فالأخير أيضاً له مصلحة كبيرة في إشعال نار الفتنة بين القائدين البارزين، ليبقى الطّريق أمامه مفتوحة للسرقة وهو المعروف في الأوساط الدومانية بـ”قائد سارقي دوما”.
المصدر قال أن «علّوش» الذي اختفى لأكثر من عشرين يوماً ظهر لهدفين أساسيين هما:
1- لتكذيب الأنباء التي قالت أنه ترك “دوما” وهرب إلى خارج سوريا، أو على الأقل انتقل إلى جبهة أخرى أكثر أمناً من جبهة دوما.
2- زيارته إلى عزاء «طه» جاءت على خلفية “سقوط المصالحة” مع الدولة السورية بعد أن ردّت على الوفد بشروط حاسمة لا مجال لخوض النقاش فيها، وكان أهمها “تسليم السلاح الخفيف والثقيل للجيش وإفراغ دوما من تواجدهم العسكري”، إضافة إلى ملف “تسليم المخطوفين” والسماح للأهالي في المدينة بالخروج فوراً، إلا أن «علوش» رفض الشروط لاعتباره الموافقة عليها استسلاماً كاملاً للدولة السورية “هذا في العلن”، إلا أن أروقة ميليشياته قالت صراحةً أنه “خائف من القبض عليه ومحاكمته” بحسب ما أكّد المصدر.
التقدّم الأخير الذي حققه الجيش العربي السوري على محور “جوبر – زملكا” أدّى إلى قطع طرق الإمداد كاملاً عن الميليشيات المحاصرة في جوبر، إضافة إلى تأكيد المصدر إلى لجوء الميليشيات المقاتلة لاستقدام المخطوفين من “دوما” وتجميعهم في “جوبر” ليكونوا عائقاً أمام التقدّم السريع الذي حققته وحدات الجيش هناك، مع تسجيل حالات فرار كبيرة لعناصر الميليشيات من جوبر مستغلين حالة “الضياع” التي تتعرّض لها قياداتهم وغرف عملياتهم على محاور الغوطة الشرقية وصولاً إلى أطراف دوما، بعد تسجيل تقدّم كبير للجيش السوري باتجاه “تل كردي” خط الدّفاع “الشمالي” الأول عن دوما، والذي استخدمه «علّوش» كمستودع لمسروقاته من “بنزين ومازوت” حيث كان يبيع الليتر الواحد من مادة المازوت بـ”1450″ ل.س.
على مايبدو أن رفض الجيش السوري لعرض المصالحة التي تقدّم بها «علّوش» عبر وسطاء من داخل وخارج دوما، أثبتت قرار الجيش بالحسم “الناري” في المدينة، خاصة وأنه اليوم ليس بموقع “التفاوض” أو الخضوع لشروط بما أنه “أي الجيش السوري” المسيطر على الأرض ويكبّد الميليشيات خسائر كبيرة، إضافة إلى قرب “حسم” جبهة جوبر رغم البطئ في حسم “التحصينات الأخيرة” لعدّة أسباب أهمّها “وجود مخطوفين ومدنيين” فيها استخدمتهم الميليشيات لحفر الأنفاق ونقل “الجثث” ودفنها، إلا أنها قاب قوسين من إعلانها محررة خلال أيام، إضافة إلى ماسبق فإن ضغط “أهالي” دوما على الميليشيات المسيطرة على المدينة تصاعد كثيراً في الآونة الأخيرة، حتى أنهم بحسب مصدر أهلي في المدينة لعربي برس، خرجوا منذ يومين والتقوا “قادة ميدانيين” في ميليشيا لواء الإسلام وكانت رسالتهم لهم حرفياً “كلّما اقترب الجيش أكثر كنّا نحن رصاصه الذي يخترق صدوركم”، “لذا اخرجوا من مدينتنا واتركونا نعيش بكرامتنا في عهد النظام”.
إذاً .. نظن اليوم أن الميليشيات المنتشرة ضمن “مساحة ضيقة” في محيط دمشق، لم يعدّ أمامها خيارات لتحقيق أي “ضغط” على العاصمة، وصارت مطالبة بـ”الاستسلام” للأمر الواقع والاعتراف بالهزيمة، ليس فقط على الصعيد العسكري، بل أيضاً والأهم على صعيد “الثقة” التي لم يستطيعوا منذ اللحظة الأولى لانطلاق “ثورتهم” أن يقنعوا “حاضنتهم” بها، ويعترفوا بأن كل من هتف لهم سابقاً كان تحت تهديد السلاح وليس حبّاً بـ”الثورة وثوارها”، خاصّة وأن قياداتها لهم من الشهادات العلمية والسلوكية مايقود إلى البلاد ليس إلى “ثورة نهوض”، بل إلى “ثورة دمار” أرجعت البلاد عشرات السنين إلى الوراء.